كيف صُنِعَ القرضاوى.. ابن قطر وليس ابن القرية والكُتَّاب؟!

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

يذكر الدكتور «القرضاوى» فى مذكراته أنه سافر إلى قطر عام ١٩٦١م، وهناك حرص على إقامة علاقات مع حكام قطر وأقاربهم، كالشيخ خليفة ابن حمد، والشيخ سحيم بن حمد ابن عم الحاكم، ونائب الحاكم، وكان يتردد على أحمد بن على آل ثانى حاكم قطر مرة كل شهرين، وعند زيارته لهؤلاء كان يهديهم كتابيه: (الحلال والحرام فى الإسلام)، و(العبادة فى الإسلام)، وذكر أنهم أبدوا ولعاً وشغفاً شديدين بالكتابين وبه (مذكرات القرضاوى ج2 /328، 348)، ولذلك قام «فهد» نجل حاكم قطر «على بن عبدالله آل ثانى» بطباعة كتاب: (الحلال والحرام) وتوزيعه على نفقته الخاصة، (خالد بن غانم آل ثانى، «الحلى الدانى فى سيرة الشيخ على آل ثانى»، ط 2009م، ص44).

ولا شك أن الإهداء فى حد ذاته خلقُ كريم، والعلاقات مع الآخرين أمر ممدوح، ولكن فيما حكاه القرضاوى دلالة على أن البيئة القطرية كانت تعانى ندرة فى العلماء، ومن ثم فى الكتب والمؤلفات، فالناس هناك لا يهتمون بالعلم، والقليل منهم هو من سلك هذا الطريق، وحين سافر «القرضاوى» إلى قطر كان عدد المدارس فى قطر 40 مدرسة للبنين، تضم 205 طلاب فى الإعدادية، و25 طالباً فى المعهد الدينى، (المرجع السابق، ص429، 342)، واقتصر التعليم على الدوحة، وفى 1958م قامت وزارة التعليم فى مصر بالاعتراف بالشهادة الإعدادية القطرية، وترتب على ذلك معادلتها بالشهادة الإعدادية المصرية، وفى1960م اعترفت مصر بالشهادة الثانوية القطرية، (المرجع السابق، ص431).

أما مصر فكانت وما زالت فيَّاضة بالعلماء والمفكرين والمثقفين وزاخرةً بالكتب والمؤلفات لا سيما فى مجال علوم الشريعة، فضلاً عن النابغين فى الطب والهندسة والعلوم والإدارة، ولم يكن كتاب: (الحلال والحرام) فى مصر يحظى بالزخم الذى حظى به فى قطر، لأن فى مصر المئات من الكتب المماثلة التى تدعو للتيسير والتبشير.

وقبل ظهور «القرضاوى» كان حكام قطر يستعينون باثنين من المشايخ غير القطريين، الأول: «زهير الشاويش» (1925م-2013م) وهو سورى وهابى، والثانى: «عبدالبديع صقر» (1915م-1986م)، وهو مصرى من أعلام الإخوان، ولازم مؤسس الإخوان اثنى عشر عاماً، وكان «القرضاوى» فى مصر شخصاً عادياً.. فتخيل أن قطر غمرتها فرحة كبيرة حين رأوا شخصاً أهدى إليهم كتاباً!! لا سيما أن هذا نادر فى بيئتهم، لأنهم حديثو عهد بالعلماء والكتب.

ما مضى معناه أن «القرضاوى» وجد فى «قطر» البيئة المناسبة التى تحتفى به، وتصنع منه مرجعية دينية وعالِماً (موازياً)، ثم وبعد عدة سنوات من وجوده فى قطر تم تأسيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين سنة 2004م ليكون مؤسسة (موازية) للأزهر، وبين الاحتفاء بالقرضاوى وإنشاء الاتحاد تأسست قناة الجزيرة كذراع إعلامية لقطر، وليكون «القرضاوى» ذراعاً دينية لها، و«القرضاوى» مصرى، كما أن معظم أعضاء الاتحاد من غير القطريين، ومعظم فريق العمل فى فضائية الجزيرة من غير القطريين، فتخيل أن هؤلاء رجعوا لبلدانهم.. هنا سوف تصير قطر منزوعة من ذراعها الدينية وذراعها الإعلامية، ولم يتبق لها إلا مجرد الأموال، وقد صدر فى فرنسا كتاب عنوانه: «قطر.. أسرار الخزنة»، لصحفييْنِ فرنسيين هما: «كريستيان شينو» و«جورج مالبرينو»، تحدث عن الدور الذى تلعبه الدوحة، لكن الملاحظ أن الكتاب استخدم تعبيراً ذا دلالة لوصف رغبة قطر المحمومة فى تعظيم دورها لسد عقد النقص النفسية، فقال: «ضفدع أراد أن يكون بقرة»، وهو مثال يضرب للشىء الصغير حين يريد أن يكون كبيراً، ونحن إذ نتفق فى المعنى المراد وتنزيله على مشيخة قطر، إلا أننا نتوقف عند استخدام هذه العبارات، وكان يمكنهما استخدام مثال: (قطرة ماء أرادت أن تصبح بحراً)،

وللحديث بقية حول كيف تمت صناعة «القرضاوى» فى قطر.