التأمين الصحى الشامل.. معركة وطن!

البعض يعمل جاهداً ليقدم صورة قاتمة عن الوضع الصحى فى مصر.. والبعض الآخر يبذل كل جهده ليصور الأمر وردياً.. وبينهما تضيع الحقيقة التى ينبغى أن نجدها إن أردنا إصلاحاً وتطويراً يصب فى صالح المريض والطبيب على حد سواء..!

وإذا كنا ننتقد الكثير مما يحدث فى ذلك القطاع الحيوى.. فينبغى -حتى نكون منصفين- أن نشيد فى الوقت نفسه بما هو جيد بالفعل.. نقلة كبيرة فى مجال الرعاية الصحية فى مصر تلك التى تشهدها بورسعيد منذ بداية هذا الشهر مع التشغيل التجريبى لمنظومة التأمين الصحى الشامل بها.. نقلة انتظرناها كثيراً عبر عقود لنتحول إلى دولة تحمل نظاماً صحياً موحداً.. يكفل العلاج للجميع دون تمييز وبنظام يحمى الحقوق للمرضى والأطباء على السواء.. الطريف أن نقداً قاسياً نال شروط التعاقد مع الأطباء فى منظومة التأمين الصحى الجديد ببورسعيد انتشر بكثافة عقب الإعلان عن العقد الجديد الذى سيتم العمل به منذ بداية الشهر.. النقد يتزعمه بعض الأسماء اللامعة فى العمل النقابى والعمل العام فى مجال الطب والرعاية الصحية.. العقد مدته ثلاثة أشهر كفترة اختبار بنظام الانتداب من جهة عمله.. يمكن للطبيب بعدها طلب النقل الكامل لاستكمال التعاقد.. كما يتضمن الالتزام بالعمل ٤٢ ساعة أسبوعياً.. وبمقابل مادى مجزٍ بالفعل وليس وهمياً كمرتبات الأطباء الحالية..!

النقد استنكر وجود نسبة من الراتب تخضع لتقييم الأداء فى العمل.. كما أنه يستنكر خصم الضرائب والتأمينات واشتراك التأمين الصحى الجديد من قيمة العقد!!

النقد تحول إلى هجوم شرس.. بل ودعوة للامتناع عن التعاقد من جانب الأطباء لإجبار الوزارة على تعديله..!!

الطريف أن بنود التعاقد المختلف عليها ليست مجحفة للأطباء بأى شكل فى رأيى.. فالمقابل المادى -الذى يبلغ أكثر من ضعفى الراتب الحالى- ليس بالسيئ على الإطلاق.. وتقييم عمل الطبيب وربط الأجر بكفاءة الأداء هو ما كنا ننادى به جميعاً منذ زمن بعيد.. كل من سافر للخارج يعرف جيداً أن التعاقد مع الأطباء هو تعاقد محدد المدة يخضع فيه الطبيب للتقييم المستمر.. ويمكن لجهة التعاقد فسخ العقد فى أى وقت إذا رأت أن الطبيب لا يقدم لها الخدمة المطلوبة..! بل إننى أستطيع أن ألقى باللوم على الوزارة لأنها لم تفعّل نظام الـKPI أو «مقياس كفاءة الأداء» لتحديد الراتب لكل طبيب.. كما أن وجود لائحة للجزاءات أمر لا يعيب العقد بأى حال.. فالطبيب بشر يصيب ويخطئ.. وعقاب المخطئ أمر بديهى ما دام يتم من خلال منظومة طبية متفهمة لطبيعة العمل.. إلا إذا كان السادة الداعون لمقاطعة التعاقد يرون أمراً غير ذلك..!

المشكلة أن البعض يحاول الترويج أن الطبيب فوق مستوى الحساب.. أو أن طول فترة الظلم التى تعرض لها الأطباء مبرر للتعامل معهم بمنظور مختلف عن منظور العمل فى كل مكان.. فى حين أنهم يقبلون الأمر نفسه إن كان فى عقد بدول الخليج أو حتى بالدول الأوروبية.. كل طبيب ممارس للمهنة -وأنا منهم بالمناسبة- يعرف جيداً واجباته وحقوقه.. ولا ضير عنده أن يؤدى واجبه بإخلاص إذا كان سيحصل على حقوقه كاملة.. العقد فى مجمله جيد من وجهة نظرى.. فقط كنت أرجو أن يتم الإعلان عنه فى وقت مبكر.. كما كنت أتمنى أن تكون مدة التعاقد أطول من ثلاثة أشهر لتقييم الطبيب المتعاقد بشكل أكثر دقة.. إلا أن الأمر كله يعد نقلة نوعية فى مستقبل الطبيب المصرى.!

أعتقد أن انتقاد التعاقد من بعض النقابيين -ومعظمهم من المعارضين السياسيين للنظام- هو مغازلة انتخابية سخيفة.. خاصة أن انتخابات النقابة على الأبواب.. والدعوة لمقاطعة التعاقد ليست سوى مكايدة سياسية لا محل لها من الإعراب.. أو محاولة للظهور الإعلامى عند البعض بعد أن انحسرت عنهم الأضواء.. إن نجاح التجربة فى المدينة الباسلة هو أول الطريق لنجاح المنظومة كلها.. وهو أول الغيث الذى سيضع النظام الصحى فى مصر على الطريق الصحيح..!

إنه معركة جديدة للوطن.. سيذكرها التاريخ الذى لا ينسى أبداً..!