آفـة حارتنا النسيـان

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

أؤمن بمقولة أديبنا نجيب محفوظ.. «آفة حارتنا النسيان». ألحظها فى نقاشات عدة مع شخصيات مختلفة غالباً ما تمسك فى الحدث الحالى واللحظة الآنية دون تذكُّر لتاريخ قريب أو بعيد أو لأبعاد الصورة متكاملة. وحينما تذكِّرهم بالماضى أياً كان وتستشهد به يرددون عبارة: «آه والله.. عندك حق».

تستوقفنى هنا بعض النماذج، ربما أولها مقولة يرددها البعض اليوم -عن جهل أو تغييب أو إصرار على العودة- بأنه لا بد من منح فرصة جديدة للإخوان، لأنها جماعة معارضة ربما أخطأت، ولكن علينا منحها فرصة جديدة!!! أقف أمام هؤلاء وهم يرددون تلك العبارة وأتعجب. ألم يكونوا بيننا وهم يشاهدون مَن يتحدثون عن ضرورة منحهم فرصة أخرى وهم يقتلون كل صوت معارض؟ ويتحرشون بالنساء فى الميادين الرافضة لوجودهم؟ ألم يتابعوا إعلان الإخوان الدستورى الذى استولوا به على كل السلطات دونما الدولة؟ ألم يشاهدوا فُجرهم فى بيع الوطن وأرضه لقطر وتركيا والأمريكان وصهاينة العصر؟ ألا يتذكر هؤلاء اعتذار نخبتهم فى الصحف للجماهير، لأنهم مَن ذهبوا للوقوف خلف الإخوان فى فندق فيرمونت وسعوا لإقناع الناس بفعلهم؟!!

ثم كان خبر القبض على عدد من الشخصيات التى أعلنت وزارة الداخلية فى بيانها أنهم منتمون للإخوان بشكل أو بآخر ومرتبطون معهم بتمويل بمبالغ ضخمة. وكان من بينهم زياد العليمى، عضو مجلس الشعب السابق بعد 2011، وعمر الشنيطى رئيس مجلس إدارة مكتبات ألف، وكلاهما يعرف أنه كان على علاقة بتمويلات الإخوان. الأول باتفاقات مصالح سياسية لم تتمها ثورة 30 يونيو 2013، والثانى بعلاقات مؤسسته بتمويلهم وهو ما أثبتته التحقيقات لأكثر من عامين حتى أعلنت الدولة فى 2017 أنهم ممر لأموال الإخوان، وصدر القرار بإسناد متابعة حركة أموال تلك المؤسسة إلى الأستاذ سعيد عبده، رئيس مجلس إدارة الهلال ورئيس اتحاد الناشرين. ورغم ذلك كان هناك مَن يرى فى إعلان الدولة تجنياً عليهم بدعوى أنهم معارضة أو يشكلون تحالفاً مستقلاً عن الدولة!

ثم كان هناك نقاش بينى وبين أصدقاء نشروا مقالاً لسعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع ورئيس مركز ابن خلدون، المحكوم عليه فى مطلع العام 2002 بالسجن بتهمة التجسس لصالح أمريكا، والذى تعرضت مصر لضغوط لإلغاء محاكمته وقت «مبارك». فقلت إن هذا الرجل اعترف فى مذكراته التى نشرها بجريدة «الوطن» فى أكتوبر 2014، بأنه كان يجلس مع أوباما وهيلارى كلينتون فى واشنطن أثناء ثورة يناير يتابع ما يجرى فى مصر عبر زوجته الأمريكية التى انتقلت من منزلهما فى المعادى للإقامة بفندق بالتحرير لمتابعة الموقف لحظة بلحظة ونقله له ولأصدقائه. فإن لم يكن ذلك تجسساً وخيانة فماذا يكون؟! ثم إن هذا الرجل هو عرَّاب صفقة الإخوان والأمريكان لحكم مصر، ثم أعلن تبرؤه منهم ونقل العطاء على السلفيين فى لقاء مصوَّر فى أمريكا مع نادر بكار نائب رئيس حزب النور. فما بالكم كيف تحكمون؟!!

والأمثلة عديدة.. وهو ما دفعنى لكتابة تلك الكلمات للتأكيد على ضرورة الحذر من إعادة إنتاج وجوه قبيحة ودلالات يتم الترويج لها، فتتسلل بين العقول ماحية مشاهد الماضى القريب الذى ما زلنا ندفع آثار فعله الدامية. وبخاصة أن الزمن لا يعيق صهاينة الفكر -أياً كانت ملَّتهم- عن إعادة إنتاج الحياة لعملائهم. فيعودون بشكل مختلف مرددين عبارات متلونة رنانة ومؤثرة وأحياناً داعمة لكسب ود المغيَّبين والمتعاطفين ومَن اعتادوا إخلاء الذاكرة من مشاهد الحقيقة الواضحة عبر مبرِّرات واهمة واهية لا علاقة لها بالمنطق.

ولذا ولأن آفة حارتنا ليس النسيان فقط، بل الاختزال أيضاً، نكررها قائلين: «ثورة 30 يونيو 2013 ليست نصراً أخيراً، بل معركة فى حرب لم ولن تنتهى أبداً، فخذوا حذركم بوعى هو السلاح الأهم».