رحلة «أموال الإخوان» من خزائن التنظيم إلى خزينة الدولة

كتب: أحمد ربيع

رحلة «أموال الإخوان» من خزائن التنظيم إلى خزينة الدولة

رحلة «أموال الإخوان» من خزائن التنظيم إلى خزينة الدولة

بعد سنوات من الجدل حول مشروعية التحفظ على أموال أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، والكيانات الاقتصادية التابعة لها، وضع القانون رقم 22 لسنة 2018 ممتلكات التنظيم الإرهابى فى «قبضة محكمة الأمور المستعجلة»، وقطع الطريق على كل محاولات العناصر الإرهابية للتحايل على قرارات وأحكام المصادرة والتحفظ، باللجوء إلى محاكم مجلس الدولة، حيث أسند لـ«الأمور المستعجلة» وحدها حق الولاية القضائية على تلك الأموال.

وساعدت أحكام «الأمور المستعجلة»، بالتحفظ على جميع أنشطة الجماعة وأموالها وممتلكاتها، على تجفيف مصادر تمويل الإرهاب، كما كشفت الغطاء عن شخصيات وكيانات تنتمى للتنظيم الإرهابى فى الخفاء، كانت تمتلك استثمارات وأرصدة تقدر بمليارات الجنيهات. فى هذا الملف ترصد «الوطن» رحلة «أموال الجماعة الإرهابية»، من خزائن التنظيم إلى خزينة الدولة، منذ 2013 وحتى 2019.

6 أعوام من المعارك القانونية تنتهى بانتصار "الأمور المستعجلة"

قبل 6 سنوات أصدرت محكمة مستأنف الأمور المستعجلة حكماً نهائياً بحظر أنشطة جماعة الإخوان والتحفظ على أموالها، لتبدأ بعده معركة قضائية داخل أروقة المحاكم على اختلاف درجاتها حول مدى قانونية قرارات التحفظ التى أصدرتها لجنة «إدارة أموال الجماعة» المشكّلة بقرار من مجلس الوزراء، استناداً لهذا الحكم.

وفى أبريل 2018 حسم المشرّع الجدل حول قانونية التحفظ على الأموال الإخوانية، وأسند لمحكمة «الأمور المستعجلة»، وحدها دون غيرها، سلطة الفصل فى الطعن على قرارات التحفظ، بعد أن أصبح القانون 22 لسنة 2018، الخاص بـ«تنظيم إجراءات التحفظ والحصر والإدارة والتصرف فى أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين» سارياً بتصديق رئيس الجمهورية عليه، ونشره فى الجريدة الرسمية.

مصادر قضائية أكدت أن هذا القانون أنهى الجدل الذى ظل مستمراً منذ سبتمبر 2013 (تاريخ صدور حكم مستأنف الأمور المستعجلة)، وحتى أبريل 2018 (تاريخ صدور القانون)، موضحة أن الجدل كان سببه تعارض الأحكام القضائية حول قرارات التحفظ على الأموال، ففى الوقت الذى كانت تُصدر فيه لجنة التحفظ والإدارة قراراتها إعمالاً لحكم «الأمور المستعجلة»، كانت محاكم القضاء الإدارى بمجلس الدولة تلغى هذه القرارات، باعتبارها قرارات إدارية تفتقد المشروعية القانونية، وذلك بحسب ما أفادت به حيثيات كثير من الأحكام التى ألغت قرارات اللجنة.

"المحكمة" حظرت نشاط الجماعة فى 2013.. والبرلمان منحها الولاية القضائية الكاملة على قرارات التحفظ 2018.. وقانون الكيانات الإرهابية ساهم فى تجميد الأموال

المعركة القانونية والقضائية بشأن أموال الإخوان استمرت قائمة ما بين اللجنة ومجلس الدولة، حتى وصلت إلى المحكمة الدستورية العليا، من خلال دعوى تنازُع بين أحكام الأمور المستعجلة وأحكام القضاء الإدارى. وقبل أن تفصل المحكمة فى الدعوى يوم 14 يناير 2017، فجّر ممثل هيئة قضايا الدولة، نائباً عن اللجنة، مفاجأة بتقديمه مستندات تضمنت صورة من قرار قاضى التنفيذ بالتحفظ على أموال الإخوان، ما دفع المحكمة إلى إعادة القضية لهيئة المفوضين مرة أخرى لتحضيرها فى ضوء المستندات الجديدة، بعد أن كان تقرير هيئة المفوضين أوصى بعدم الاعتداد بأحكام محكمة الأمور المستعجلة، وما زالت هذه الدعوى متداولة بـ«الدستورية العليا» حتى الآن دون الفصل فيها.

وفى 2015 انتبهت الدولة إلى أهمية ملف الأموال المتحفظ عليها وما يثيره من جدل ومعارك بين أروقة المحاكم، فأصدرت القانون رقم 8 لسنة 2015 فى شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين. وأسند قانون الكيانات للنيابة العامة تولى إعداد قوائم الإرهابيين والكيانات الإرهابية، ويقوم النائب العام بعرض الطلب مشفوعاً بالمستندات والتحقيقات على إحدى الدوائر الجنائية بمحكمة استئناف القاهرة للفصل فيه.

ووفقاً للقانون يترتب على قرار الإدراج تجميد الأموال والتحفظ عليها والمنع من السفر والوضع على قائمة ترقب الوصول، على أن يكون الطعن على قرارات الإدراج أمام محكمة النقض.

قانون "أموال الإرهابيين" وضع قواعد جديدة لـ"التحفظ والتصرف"

وجدت لجنة التحفظ على أموال الإخوان فى هذا القانون ضالتها، فقامت بإبلاغ النيابة العامة لإدراج الأشخاص والكيانات المتحفظ عليها على قوائم الإرهاب، كخطوة نحو تحصين قراراتها بالتحفظ خشية تأييد المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة أحكام القضاء الإدارى بإلغاء التحفظ.

وفى 12 يناير 2017 أصدرت محكمة جنايات القاهرة قرارها بإدراج 1538 إخوانياً على قوائم الإرهاب، وقدمت هيئة قضايا الدولة صورة من الحكم للمحكمة الإدارية العليا، التى قررت تأجيل الفصل فى الطعون الخاصة بقرارات التحفظ على الأموال.

ورغم أن قانون «الكيانات الإرهابية» ساهم فى استمرار تجميد أموال الجماعة الإرهابية وعناصرها، فإن التخوف لدى القائمين على هذا الملف كان مستمراً، وبدأ التفكير فى أن يكون الأمر محسوماً بشكل قاطع، فى ظل صدور أحكام من محكمة النقض بإلغاء قرارات الإدراج على قوائم الإرهاب، ما دفع بالنائب العام إلى تقديم طلب آخر لإدراج الـ1538 إخوانياً مرة أخرى على قوائم الإرهاب بعد إلغاء القرار الأول من قبَل النقض.

وقالت مصادر قضائية وبرلمانية إن الجدل بشأن ملف الأموال المتحفظ عليها كان يتطلب تدخلاً تشريعياً، وهو ما حدث بإصدار القانون 22 لسنة 2018، الذى منح محكمة الأمور المستعجلة، وحدها دون غيرها، نظر قرارات التحفظ على الأموال، التى تصدرها اللجنة، المنصوص عليها فى القانون ذاته.

وينص القانون على إنشاء لجنة مستقلة فى أدائها لعملها ذات تشكيل قضائى، تختص دون غيرها باتخاذ جميع الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة باعتبار جماعة أو شخص ينتمى إلى جماعة أو جماعات إرهابية. وأضاف القانون لمحكمة الأمور المستعجلة اختصاصاً جديداً، حيث أسند لها التصدى للتظلمات المقدمة ضد قرارات اللجنة خلال 8 أيام من تاريخ إعلان المتحفظ على أمواله، وأن تفصل فيه خلال 30 يوماً من تاريخ قيده أمامها، ويكون الاستئناف على أحكامها أيضاً خلال 30 يوماً من تاريخ قيده بجداولها.

ونص القانون فى مادته الـ11 على أنه «مع مراعاة حقوق الغير حسن النية، يكون للجنة متى صار حكم التحفظ نهائياً التصرف فى الأموال محل التحفظ، على النحو المبين فى القانون المدنى والمرافعات المدنية والتجارية متى كان منطوق الحكم قد نص على التصرف فى المال، وذلك بنقل ملكيته إلى الخزانة العامة بناء على طلب اللجنة من المحكمة المختصة (الأمور المستعجلة) التصرف فى المال».

يُذكر أن اللجنة المشكلة وفقاً لهذا القانون أصدرت أول قراراتها فى 11 سبتمبر 2018 بالتحفظ على أموال 1589 عنصراً من العناصر المنتمية والداعمة لتنظيم الإخوان الإرهابى، و118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية، و104 مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعاً إلكترونياً وقناة فضائية، وإضافة جميع الأموال المتحفظ عليها إلى الخزانة العامة للدولة.

وقالت اللجنة، فى بيانها آنذاك، إنها تلقت من مصادرها المختلفة معلومات وتحريات دقيقة، وتأكدت من صحتها، بقيام قيادات وكوادر تنظيم الإخوان الإرهابى بإعادة صياغة خطة جديدة لتدبير الموارد المالية واستغلال عوائدها فى دعم النشاط التنظيمى كإحدى ركائز دعم الحراك المسلح، من خلال إيجاد التنظيم الإرهابى طرقاً وبدائل للحفاظ على ما تبقى من أمواله ومنشآته الاقتصادية، من أبرزها تهريب الأموال السائلة من العملات الأجنبية خارج البلاد للإضرار بالاقتصاد القومى، وتقويض خطط الدولة للتنمية، وتكليف عدد من عناصره لتهريب الأموال من خلال الشركات التابعة للتنظيم وعناصره بنظام المقاصة مع رجال الأعمال المنتمين للتنظيم، وغير المرصودين أمنياً.

كما أكدت المعلومات والتحريات اضطلاع قيادات التنظيم الإرهابى داخل البلاد بالتعاون مع قيادات الجماعة الإرهابية الهاربين بالخارج بتوفير الدعم اللوجيستى والمبالغ المالية بصفة شهرية للإنفاق على الأنشطة والعمليات الإرهابية التى ينفذها عناصر الحراك المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية وأذرعها بالداخل، المتمثلة فى حركتَى «حسم»، و«لواء الثورة»، وتسهيل حصول العناصر على الأسلحة وتصنيع المتفجرات وتدبير مأوى وملاذ آمن لاختبائهم، وكذا أماكن لتدريبهم عسكرياً.

وأيدت محكمة الأمور المستعجلة قرارات التحفظ التى أصدرتها اللجنة، غير أنه لا يزال مطعوناً على هذه الأحكام أمام محكمة مستأنف الأمور المستعجلة ولم تصدر أحكام نهائية حتى الآن بشأنها.

ورغم حسم القانون 22 لسنة 2018 الجهة القضائية المختصة بنظر التظلم من قرارات التحفظ، فإن كثيراً من المتحفظ على أموالهم بقرار من اللجنة يلجأون للقضاء الإدارى، والذى ينظر حالياً دعاوى ضد قرارات اللجنة بعد إصدار القانون، لكنه لم يفصل فى أى منها.

 

 

أقرا إيضا

 قانونيون: أحكام «القاهرة» الصادرة بعد انتهاء المدة القانونية للفصل فى الطعون .. صحيحة

 

صاحب دعوى «حظر الجماعة»: «الحكم المستعجل» جفف منابع تمويل الإرهاب

 


مواضيع متعلقة