الأئمة الشباب.. الحصان الرابح في مساجد الإسكندرية خلال رمضان

كتب: كيرلس مجدى

الأئمة الشباب.. الحصان الرابح في مساجد الإسكندرية خلال رمضان

الأئمة الشباب.. الحصان الرابح في مساجد الإسكندرية خلال رمضان

لطالما اعتاد المواطنون على الأئمة الشيوخ الطاعنين في السن حتى رمضان الفائت وجدوا أمامهم مجموعة من الأئمة حديثي السن، يرتدون الجلباب والعمامة والعباءة الأزهرية، يترجلون أمامهم بسرعة ورشاقة، يصلون بهم في همة ونشاط وبأصوات عذبة لم يصبها السن أو المرضـ فيقرأون القرآن بتجويد صحيح، وتُنشد الأناشيد الدينية بابتهالات رائعة تجذب القلوب قبل الأذهان.

ونجحت مديرية أوقاف الإسكندرية، خلال شهر رمضان الجاري، في كسب المصلين بالمحافظة عبر 200 إمام شاب أقل من 30 سنة، استطاعوا الالتفاف حول أهالي المنطقة الخاصة بكل مسجد فشاركوهم اجتماعيا ورياضيا، وجذبوا منهم البعيدين عن الصلاة، ليصبح هؤلاء الأئمة الشباب هم الحصان الرابح في شهر الصوم.

وترصد "الوطن" حياة هؤلاء الأئمة وكيفية تعاملهم مع المواقف ومدى قدرتهم على تقديم صحيح الدين.

"يحيى" إمام بصوت ملائكي .. إنشاد بالمساجد وأغاني أم كلثوم فى جلسات السمر

يحيى محمود زكريا، 25 سنة، إمام مسجد العمري بالإسكندرية أحد أكبر مساجد منطقة اللبان، عرفه أهالي المنطقة منذ عامين بمجرد انتدابه من محافظة الغربية مسقط رأسه، فجذبهم بصوته العذب وكلماته الرقيقة ولغته العربية الفصحى التي لا غبار عليها، فأصبح المسجد يزداد بالمصلين يوما عن يوم وجمعة تلو الأخرى لسماع كلمات ذلك الإمام صغير السن كبير العلم، ليزرع ذلك الشاب الصغيرة بذرة محبة فى قلوب رواد المسجد وتنبت يوماً عن الآخر.

"الإمام الشاب زي الإمام الشيخ والمتوسط المفروض أنهم يعيشوا حياة طبيعية زى عامة الناس لكن يمتازوا بعلمهم الديني ما يترتب عليه بعض الانضباط فى القول والفعل، لكنهم فى الطبيعة مثلهم مثل سائر البشر يأكلون ويشربون ويداعبون بعضهم البعض، لكنهم يتميزون بأن الحق لديهم حق ولا يحابون للباطل".. بتلك الكلمات وصف يحيى حالته ورؤيته للإمام الشاب.

فيعتاد الشيخ يحيى الجلوس في مسجده بعد الصلوات للنقاش في أمور الدين والدنيا والإجابة على أسئلة البعض واستفسارهم عن بعض الفتاوى، التي يجد لها الإجابات الفورية، بينما يجد الصعوبة في فتاوى الميراث، فيطلب من صاحب السؤال أن يمهله فرصة للإجابة عليه فيعود إلى كتب الفقه ويستسفر من مدير الدعوة عن الإجابة الصحيحة، فيفسر موقفه ذلك قائلا: "أنا أقل لا أعرف خيرا من أن أفتي بما لا أعلم وقد تتسبب كلماتي فى ظلم أحدهم". 

وأضاف "يحيى" لـ"الوطن"، أن أصعب ما يواجه الإمام الشاب هو نفور بعض المصلين الكبار فى السن من الصلاة وراء شاب صغير، إلا أن تلك الواقعة لم يشاهدها كثيرا فى الإسكندرية على عكس محافظات الأقاليم، لافتا أنه أمر طبيعي أن يأتي رجل كبير لسؤال الإمام الشاب عن أسئلة دينية لكون ذلك الشاب رجل علم ويعرف أصول الدين.

وتتميز ساعات الليل بالضحك والمرح لدى الإمام يحيى المشهور بين رفاقه بكون "صاحب النكتة أبو دم خفيف"، فيجلس برفقة بعض الأئمة يتبادلون النكات والمواقف الحياتية، ويترجلون على كورنيش الإسكندرية فيطلب أحدهم غناء الشيخ يحيى أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم التي يعشق سماعها ويتلو أغانيها منذ حداثة سنه، ومن ثم يتلو بعض الأبيات الشعرية التي ينظمها فى سهراته الفردية فيعلو معها الإعجاب باللغة والتصفيق لقدرته على الأداء وتغيير ملامح وجهه بين كلمة والثانية.

ويعشق "يحيى" صلاة الجمعة التي بانتهائها يحصل على إجازته الأسبوعية فيعود إلى بلدته "دنشواى" بمحافظة الغربية ليقابل أهله وزوجته التي لا يراها سوى يومين من كل أسبوع، ليعاود العمل عصر الأحد من جديد، وسط تكرار لروتين حياته من جديد، مؤكدا: "أن جلسته مع المشايخ جلسات طيبة وبها الهزار والضحك، فالإمام ليس كما يظن البعض أنهم معقدين وأصحاب الوجوه العابسة بل هم أطيب خلق الله".    

"عاصم" إمام بروح لاعب الكورة.. يعشق الزمالك ويكسب أهالي المسجد بها

ومن منطقة اللبان غربا إلى منطقة الأزرايطة وسطا، حيث يجلس الشيخ الشاب عاصم محمد، إمام مسجد المتيم بشارع السلطان حسين، 24 سنة، التحق بالأوقاف منذ عام ونصف، رأى خلالها العديد من المواقف وبادرته العديدة من الأسئلة التي تكبر سنه وخبراته فى الحياة، فيقف مبتسما ابتسامة طفولية جميلة لا تفارق وجهه، فإن لم يجد السائل إجابة سريعة لسؤاله فيجد ابتسامة وقبول وطمأنة لفترة حتى يعود الشيخ عاصم بإجابة على الأسئلة.

"حياتي زي حياة أي شاب في سني، لكن محكوم ببعض الضوابط والالتزام بحكم إني عالم دين والتعامل مع الناس بأخلاق، فلا يصح أن يطالب الإمام المصلين من على منبره الالتزام والتحلي بالأخلاق ويفعل هو عكس ذلك، بالتأكيد سينفرون منه ولن يسمعوا له من جديد".. كلمات وصف بها عاصم حياته الشبابية داخل العباءة الأزهرية.

ويعشق "عاصم" لعب كرة القدم وبالتحديد مركز "حارس المرمى" ويشجع نادي الزمالك، الأمر الذي أدى لشهرته وسط شباب المنطقة، فاعتاد على لعب الكرة معهم والالتفاف لتشجيع الأندية المفضلة والذهاب سويا إلى الملاعب للتشجيع، فاستطاع الاقتراب من الشباب أكثر وجذبهم للصلاة من خلال تلك الأنشطة وأصبح المصلون الشباب أصدقائه والرجال الكبار يدينون له بالفضل لاحتضانه أبنائهم.

ويحكى "عاصم" عن حياته اليومية فى شهر رمضان قائلا: "يوم رمضان هو يوم عمل عادي مثل سائر الأيام لكن يزداد عليها صلوات التراويح والتجهد والتي بعدها يحصل على راحته التي تستمر حتى صلاة الفجر، يستطيع خلالها مشاهدة المسلسلات الرمضانية أبرزها مسلسل كلبش أو مشاهدة مباراة الزمالك، إذ كان يلعب في ذات التوقيت".

وتعد الأسئلة الزوجية هي أغرب ما يواجه "عاصم" خلال عمله كإمام، فالأسئلة الفقهية يجد لها إجابات سريعة، لكن تكمن الصعوبة في الأسئلة الخاصة عن متاعب الحياة ومشاكلها أو التوسط لحل المشاكل الزوجية، بينما أغرب موقف تعرض له  تمثل في طلب أحد المصلين من أن يأتي له بعروسة للزواج، فابتسم قائلا: "أجيب لك عروسة منين هو أنا إمام ولا خاطبة".

مدير الدعوة: لدينا 200 إمام أقل من 30 سنة هم الأكثر جذبا للمصلين بمساجدهم

من جهته أكد الشيخ حسن عبد البصير، مدير الدعوة بمديرية أوقاف الإسكندرية، أن الوزارة تهتم بالأئمة الشباب وضخ دماء جديدة بهم داخل المساجد على مستوى مصر، وذلك من خلال عقد مسابقات لهم في حفظ القرآن الكريم وعلوم السنة والفقه والعلوم العصرية، حتى يستطيع التواصل مع مريدي المساجد وفئة الشباب بالتحديد كونهم عصب الأمة.

وأضاف "عبدالبصير"، لـ"الوطن"، أن الوزارة تدفع للمديرية بمجموعة من الشباب كل فترة زمنية حتى وصل عددهم إلى أكثر من 200 إمام شاب أقل من سن 30 سنة، فيما يوجد لدى المديرية 600 إمام في فئة الشباب أقل من 45 سنة، وذلك من مجموع 1000 إمام بالمحافظة.

 وأوضح أن الوزارة تعمل على تأسيس هؤلاء الأئمة الشباب بأفكار صحيحة بعيدا عن أي فكر مغلوط، فتهتم بتعليمهم الانتماء للوطن والتأكيد على التعايش السلمي والدعوة إلى الإسلام الحضاري، الذي يدعو للانفتاح مع الآخر مع الحفاظ على الهوية الإسلامية.


مواضيع متعلقة