صورة عن قرب: كيف تفهم دونالد ترامب؟
من أعقد وأصعب الأسئلة فى السياسة الدولية، الآن، محاولة الفهم الصحيح والدقيق لقانون الفعل ورد الفعل لدى الرئيس رقم 45 فى تاريخ الولايات المتحدة دونالد فريد ترامب؟!
الإجابة الأسهل والأكثر راحة للعقل هى أنه «رجل لا يمكن التنبؤ بردود فعله».
المسألة مع ترامب أكثر تعقيداً من هذا التسطيح أو التعميم المخل، فالرجل يمكن استقراء ردود فعله، وأحياناً يفاجئ أقرب الناس إليه سواء من مساعديه أو أفراد عائلته التى ورثت الثروة أباً عن جد منذ عام 1903.
دونالد ترامب حالة شديدة الخصوصية.
يصف دونالد ترامب نفسه فى كتاب «فن الصفقة»، الذى أدلى به إلى «تونى شوارتز» وكان من أكثر الكتب مبيعاً:
«أنا عاشق للنجاح ليس طلباً للمال ولكن الشعور بالنجاح ذاته يعطينى سعادة لا توصف».
وفى هذا الكتاب يتضح أن الرجل يعشق «الألاعيب النفسية» مع الخصوم بهدف تحويلهم من منافسين أو خصوم أو أعداء إلى أصدقاء أو شركاء أو زبائن!
تلك هى مبادئ شربها من والده «فريد» وأمه «مارى» الأسكتلندية الأصل.
الفهم الأخير لهذه العبارة هى -فى رأيى- مفتاح المفاتيح لشخصية الرجل.
لذلك يمكن تفسير وتبرير سياسة «حافة الهاوية» التى يجيدها ترامب بإتقان.
سياسة حافة الهاوية هى سياسة تصعيد وتهديد ابتكرها وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية «جون فوستر دالاس» بهدف إجبار الطرف الآخر على القبول بالشروط خوفاً من خطر تحول التهديد المتصاعد إلى فعل حقيقى ودمار وخسائر.
لعب ترامب هذا النموذج مع الصين وكوريا الشمالية وكندا والمكسيك وفنزويلا واليابان وروسيا وتركيا وحلف الأطلنطى والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة واليونيسكو ومؤتمر البيئة فى باريس، والفلسطينيين.
الطرف الوحيد الذى لم يستخدم معه التلويح مباشرة أو غير مباشرة بطريقة «عليك أن تفعل ما أريد وإلا.... كذا» هو إسرائيل.
لا أحد يعرف بالضبط حينما يتحدث ترامب عن تصعيد عسكرى مع إيران أو كوريا الشمالية أو فنزويلا هل هو:
1- يقصد الحرب فعلاً؟
2- هل يمارس التهديد العسكرى بهدف الحصول على وضع تفاوضى مناسب لمصالح بلاده؟
3- أم يسعى للتصعيد دون حساب احتمال انفلات الأمر وانزلاقه إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة وغير مأمونة النتائج.
رغم أن ترامب تلقى تعليمه الأولى فى مدرسة عسكرية لمدة خمس سنوات، فإن هذه الدراسة البدائية لا علاقة لها بفهم حقائق الاستراتيجية العسكرية.
التصعيد الأكبر لترامب الآن هو مع إيران حينما قرر الانسحاب من الاتفاق النووى معها.
يقول ترامب لضيوفه: «هذا ليس اتفاقاً حتى ننسحب منه، إنه كارثة ورطنا فيها فريق أوباما- بايدن- جون كيرى، بسوء إدارتهم وضعفهم السياسى».
ويصعب على المرء أن يتفق كثيراً مع ترامب إلا أنه محق تماماً فى مسألة الخطأ الاستراتيجى الأمريكى فى القبول بنص الاتفاق النووى مع إيران.
هنا لا بد من السؤال: هل الخطأ فى مبدأ الاتفاق التعاقدى مع إيران أم أن الخطأ فى نصوص وتفاصيل الاتفاق؟
العالم اليوم هو عالم الاتفاقات السلمية وتجنب الحروب، ولكن حينما يكون هناك اتفاق يعطى «غطاء سياسياً» لقيام دولة بالتمدد السياسى ضد جيرانها دون وجود أى تعهدات منها أو تحذير لعقوبات عليها إذا تجاوزت نص أو روح الاتفاق فإن الخطأ بالدرجة الأولى يقع على من وقع معها وصدق لها على هذا الاتفاق «الأكثر غباء».
إيران بنص الاتفاق غير مخالفة ولكن الدول «خمسة زائد واحد» التى وافقت لها هى صاحبة الجريمة الكبرى فى السماح لها برفع العقوبات دون أن يكون هناك مقابل سياسى يأتى من خلال تعهد صريح غير قابل للنقض يرتبط شرطياً بعدم الاعتداء على الغير واحترام حسن الجوار والتوقف عن دعم قوى الإرهاب التكفيرى والتوقف عن تطوير الصواريخ الباليستية.
من الآن وحتى حسم انتخابات الرئاسة الأمريكية بعد 18 شهراً فإن الأولوية المطلقة التى لا يعلوها شىء فى جدول أعمال وحركة وقرارات ترامب هى كيفية الفوز بهذه الانتخابات.
ويدرك الرجل أن الحزب الديمقراطى المعارض على استعداد للذهاب إلى آخر العالم لدعم نائب الرئيس الأسبق جو بايدن للفوز بهذه الانتخابات أمام ترامب.
ورغم التهديد بتقديم مشروع للكونجرس لعزل الرئيس ترامب ومحاولة الإضرار بسمعته فإن الرجل الذى وصلت شعبيته إلى نسبة 45٪ -لأول مرة- يشعر بثقة شديدة.
ويصف أحد كبار رجال الأعمال الأمريكيين دونالد ترامب كإنسان منذ أن عرفه لأكثر من 35 عاماً شخصياً وعائلياً ورافقه فى أسفار ورحلات وعطلات ومباريات جولف: هذا الرجل لا يعرف الخوف ويعشق التوتر وينتعش نفسياً عند ممارسة أى تصعيد.
ويضيف الرجل: لهذه الأسباب -بالدرجة الأولى- جاءت القوى المؤثرة فى قيادة تيار اليمين بالحزب الجمهورى بدونالد ترامب لأداء مهمة لا يستطيع أى عاقل أن يقوم بها وهى تغيير كل قواعد الارتباطات التعاقدية الأمريكية فى عهود حكم الديمقراطيين حتى لو كانت معاهدات دولية أو تشريعات صادرة عن مجلس الشيوخ والنواب.
يرى ترامب العالم العربى على أنهم فريقان الأول فقير لا يجب مساعدته لأن كل دولار أمريكى يجب أن يذهب إلى الداخل الأمريكى لذلك لا يجب الإسراف فى تقديم مساعدات.
أما الفريق الثانى فهو أثرياء العرب، لا يجب التوقف عن امتصاص ثرواتهم حتى آخر دولار.
وحينما تسأل مساعدى ترامب عن نبذة شخصية عن حياته العملية فإنهم يعرفونه بالتالى:
رجل أعمال، مقاول، مستثمر، مقدم برامج، مصارع، منتج أفلام، ممثل، رئيس مجلس إدارة، صاحب مطاعم، كاتب غير روائى، حاول الترشح مرتين منذ العام 2000 ونجح عام 2016، وأصبح الرئيس رقم 45 للولايات المتحدة.
لم يذكروا مهنة أخرى وهى: يحترف المراوغة بشكل دائم.