رمضان في الكتب| رحالة يهودي يحكي عن "عيد خروج الخليفة للرعية"

رمضان في الكتب| رحالة يهودي يحكي عن "عيد خروج الخليفة للرعية"
- رمضان في الكتب
- التطيلي
- رحالة يهودي
- الدولة العباسية
- رمضان
- رمضان 2019
- رمضان في الكتب
- التطيلي
- رحالة يهودي
- الدولة العباسية
- رمضان
- رمضان 2019
".. ومن ذلك اليوم جرت العادة بالحجر على أفراد بيت الخلافة كافة، لكي لا يتمردوا على سيد البلاد"، هكذا يكشف الرحالة "الرابي بنيامين بن يونة التطيلي النباري الأندلسي"، في كتابه "رحلة بنيامين التطيلي" (1169 هـ - 1173 هـ) كواليس "عاصمة الخلافة"، حين مروره ببغداد.. حيث الخليفة أمير المؤمنين العباسي، والذي وصفه بـ"إمام الدين الإسلامي الذين يدان له بالطاعة"، وضمنها طقوس "عيد رمضان"، موضحا أنه اليوم الوحيد الذي يخرج فيه الخليفة لرعيته.
الكتاب ترجمه عن العبرية وعلق على حواشيه وكتب ملحقاته "عزرا حداد"، يوثق جولة العالم والرحالة اليهودي الإسباني، توفي 1173م / 569 هـ، وحسب دراسة وتعليق الدكتور عبدالرحمن الشيخ، رحلة التطيلي بدأت في حدود سنة 1165م الموافقة لسنة 561هـ وهذا يعني أنه حين بدأ رحلته خارجا من سرقسطه الإسبانية كان الحكم الإسلامي قد غادرها منذ 50 عاما، حينها شد الرحال في زيارة تعرف ومعرفة، باعتبار العالم الإسلامي كان ملجأ يهود شبه جزيرة أيبيريا "الأندلس"، بعد سقوطها.
يروي التطيلي: "المسلمون لا يشاهدون الخليفة إلا مرة في العام، عندما يتوافد الحجاج من كل فج بطريقهم إلى مكة وكلهم شوق لرؤية طلعته، فيحتشدون في باحة القصر هاتفين: (يا سيدنا نور الإسلام وفخر المسلمين، أطل علينا بطلعتك الميمونة)، لكنه لا يبالي، فيقول له رجال الحاشية: (يا أمير المؤمنين أشرق بطلعتك على رعيتك الذين توافدوا من الأقطار النائية للاستذراء بظل فضلك).
عندئذ ينهض الخليفة فيرخي ذيل بردته من مشرفة القصر فيقبل الحجاج على لثمها بكل خشوع، ويناديهم الحاجب: (اذهبوا بأمان الله، سيدنا أمير المؤمنين يقرأكم السلام)".
يتابع توثيقه: "ينصرف الناس فرحين بهذه التحية التي يهديها إليهم الحاجب باسم الشخص الذي له في قلوبهم مقام النبي، وجميع الأمراء من بيت الخلافة معتقلون في قصورهم وراء سلاسل الحديد وعليهم الحراس الموكلون بهم لكي لا يعلنوا العصيات على الخليفة، فأحد أسلافه تمرد عليه إخوته وبايعوا أحدهم بالخلافة، ومن ذلك اليوم جرت العادة بالحجر على أفراد بيت الخلافة كافة لكي لا يتمردوا على سيد البلاد، غير أن كلا من هؤلاء يعيش في قصر أنيق ويمتلك المدن والضياع، تدر عليه المال الوافر وعليها الوكلاء والأمناء، وهكذا يقضي الأمراء أيامهم بالقصف واللهو".
عن "عيد رمضان" يقول التطيلي: "الخليفة لا يبارح قصره إلا مرة في العام، في العيد الذي يسميه المسلمون "عيد رمضان" فيحتشد الناس من أقاصي البلاد للاحتظاء بمشاهدته ويمتطي الخلفية عند خروجه جوادا مطهما، مرتديا بردته المقصبة بفضة وذهب ومتوج الرأس بقلنسوة مرصعة بالأحجار الكريمة التي لا يعدلها ثمن، وفوق القلنسوة قطعة قماش سوداء اللون، فيها ما يشير إلى التواضع، وفيها موعظة للناس بأن هذه الأبهة كلها سيغشاها السواد عند انقضاء الأجل".
نقرأ في "رحلة بنيامين التطيلي": "يتحرك ركاب الخليفة يحف به نبلاء المسلمين وسراتهم وكلهم رافل بالحلل الزاهية فوق صهوات الخيول، وهم أمراء العرب وعظماء الترك والديلم وفارس ومادي والغز والتبت ونواحي سمرقند التي تبعد مسيرة ثلاثة أشهر عن بلاد العرب، فيتوجه الموكب إلى المسجد الجامع للمسلمين في باب البصرة".
يصف الرحالة اليهودي أجواء عاصمة العباسيين يومها: "تزين الطرق والأسواق التي يمر بها أبدع زينة بالأقمشة الحرير ذات الألوان الزاهية، فيستقبله الناس بالهتافات والتهاليل ويخرون سُجدا بين يدي الملك الذي يسمونه الخليفة وهم ينادون: "السلام على أمير المؤمنين ونور الإسلام، والخليفة يرد التحية بلثم أطراف بردته والتلويح بها".
يكمل المشهد: "إذا ما دخل الجامع يرتقي منبره، يلقي الخطبة وينهض كبار المسلمين فيرتلون الدعاء له ويشيدون بعظمته وفضله، فيهتف الجميع آمين، ثم يمنحهم الخليفة مباركته ويؤتي له بجمل ينحره وهذا هو قربان العيد عندهم، فيوزع اللحم على العظماء والأمراء والسعيد منهم يذوق أضحية خليفته، يبارح الموكب المصلى، فيعود الخليفة وحده بطريق مشرف على دجلة، ويواكبه عظماء المسلمين في قوارب تخر مياه النهر حتى يدخل قصره، وجرت العادة أن تكون عودته بغير الطريق التي خرج منها، ويمنع الحراس طوال السنة الناس من وطء موضع أقدام الخليفة".
قصر الخلافة، وفق "التطيلي"، واسع الأرجاء، تنوف استدارته على ثلاثة أميال، تتوسطه روضة غناء فيها أشجار مثمرة وغير مثمرة من كل صنف، وفيه من الحيوان ضروب كثيرة، وبحيرة واسعة يخرج إليها الخليفة للصيد والنزهة، جمعت فيها أصناف الطير والسمك، وفي القصر يعقد بلاطه، وهو حسن المعاملة لليهود، وفي حاشيته عدد منهم وهو عليم بمختلف اللغات، عارف بتوراة موسى، يحسن اللغة العبرية قراءة وكتابة، يأكل من تعب كفيه، إذ يصنع الشال المقصب ويدمغه بختمه فيبيعه رجال بطانته من السراة والنبلاء فيعود عليه بالأموال الوافرة.