مناطق لوجيستية للصحة..!
فى أغسطس من عام ١٩٨١ صدر قرار المجلس الأعلى للجامعات بإنشاء مركز الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة كوحدة ذات طابع خاص لها استقلالها الإدارى والمالى والفنى.. وقتها كان القرار تتويجاً لجهد العالم الجليل الدكتور محمد غنيم وبعض زملائه الذين حلموا بهذا الكيان لأعوام طويلة قبل ذلك التاريخ.. وفى مايو من عام ١٩٨٣ تم افتتاح المركز رسمياً.. وتمكن الدكتور محمد غنيم ورفاقه من تحقيق حلمهم لدرجة أن المركز تحول إلى أيقونة طبية عالمية تقدم خدماتها للشرق الأوسط وأفريقيا بل والعالم أجمع من دلتا مصر..!
تذكرت هذين التاريخين وأنا أشاهد المركز -القريب إلى قلبى- وهو يحتفل بنجاحه فى إجراء ثلاثة آلاف حالة زرع كلى ناجحة.. فى إنجاز فريد..
لقد كانت تجربة مركز الكلى بالمنصورة هى الدافع الأساسى لإنشاء العديد من المراكز المتخصصة للكبد والعيون وغيرها بذات الجامعة لتتحول المدينة الهادئة إلى عاصمة للطب فى شمال مصر بالكامل.. ويأتيها المرضى حتى من القاهرة العاصمة بحثاً عن العلاج القائم على أسس سليمة ومعايير عالمية..!
الأمر كله كان قبل أن تنتشر العدوى لباقى الجامعات.. وتتكرر التجربة بنجاح فى العديد منها.. حتى استلهمت منها وزارة الصحة الفكرة.. وبدأت فى إنشاء معاهد الأورام بالمحافظات لتكون قبلة للمصابين بذلك المرض اللعين بدلاً من أن يضطروا للذهاب للمعهد القومى للأورام فى خطوة أراها الأفضل بين كل ما تم إنجازه فى الوزارة عبر عقود حكم مبارك.. ولكن للأسف توقف الأمر عند هذا الحد لسبب لا أعرفه..!
فالوزارة تمتلك معاهد تعليمية مركزية فى محيط القاهرة الكبرى كمعهد ناصر والقلب والأورام القومى.. وبعض مراكز الأورام فى المحافظات.. وكلها تؤدى عملاً أقل ما يقال عنه أنه متميز حقاً.. وتقدم خدمات طبية يحتاجها الناس فى إجادة ومهارة لا تجدها فى مكان آخر.. ولكنها فى الوقت نفسه تمتلك قوائم انتظار بالآلاف يعرف أى ممارس للمهنة أنه لن تنجح معها أى محاولة لإنهائها مهما حاول الجميع.. فكل يوم يضاف إلى كل مستشفى مئات المرضى المقبلين من كل أنحاء الجمهورية..!
لم تحاول الوزارة منذ أن أنشأت معاهد الأورام الإقليمية أن تنشئ مستشفيات أخرى تضاهى تلك المعاهد فى الأقاليم على نفس النسق لتخفيف الضغط على المعهد الأصلى.. ولنقل الخدمة إلى متلقيها تخفيفاً للأعباء عليه وتوزيعاً عادلاً للخدمات المتميزة التى لا تقدم عبر الوزارة إلا من خلالها..
كل ما سبق يجعلنا نطمح أن تبدأ الوزارة فى دراسة إنشاء فروع لمعهد ناصر ومعهد القلب بإحدى محافظات الصعيد.. وفروع أخرى لها بالدلتا.. على أن يتم توزيع المرضى عليها طبقاً لمحل الإقامة.. دون أن يتحمل المعهد الأصلى العبء الأكبر ويصبح مطالباً بما هو أقصى من إمكانياته..!
الأمر فى رأيى يمكن تنفيذه بسهولة إن تم التعاون بين وزارتى الصحة والتعليم العالى فى المحافظات لتوفير الكفاءات الموجودة بالفعل والمكدسة بالجامعات.. وإعادة توزيع موازنة الإنشاءات بالوزارة لتحديد الأولويات..
إن وجود مناطق «لوجيستية» للصحة فى مصر ضرورة تفرضها الطبيعة الجغرافية فى المقام الأول.. وتعضدها الأعباء الاقتصادية التى يتحملها المواطن البسيط.. بل وهى أحد الكيانات الأساسية التى ينبغى أن يقوم عليها مشروع التأمين الصحى الشامل الذى يتم العمل فيه على قدم وساق هذه الأيام..
الاقتراح بين يدى السيدة الفاضلة وزيرة الصحة الآن.. فهل من مجيب؟!