هل حقاً أراد الإخوان تحرير القدس؟

طاهر فرغلي

طاهر فرغلي

كاتب صحفي

إن تاريخ جماعة الإخوان منذ نشأتها ملىء بالمفارقات والمواقف المتناقضة، هذا التناقض يظهر بشدة فى موقف «الجماعة» من المقاومة الفلسطينية، الكارت المفضل لها بعد الشريعة، التى طالما تغنَّت بها «الجماعة» لجذب أصوات الناخبين وإلهاب حماس شبابها الحالمين، ذلك الشباب الذى هتف بكل قلبه «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» فى ليلة تدشين حملة محمد مرسى الانتخابية بعد أن أوحى لهم صفوت حجازى أن «مرسى» عازم على إنشاء الولايات المتحدة العربية وإرجاع الخلافة، ليستمر مسلسل المتاجرة الرخيصة بمشاعر شباب مهمش لم يجد له مكاناً فى الحاضر فتعلق بأوهام الماضى. ختم «صفوت» خطابه بالتصريح: «سنصلى فى القدس، مرسى هيحرر القدس»، لتشتعل الأجواء بتصفيق وهتاف الحضور الذين خفق قلبهم طرباً. السؤال الآن هو: هل حقاً أراد الإخوان تحرير القدس؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب مراجعة مواقف الإخوان منذ بداية نشاطهم فى فلسطين. البداية كانت عام ١٩٤٦ حين افتتح الإخوان فرعهم الأول فى قطاع غزة، كان «البنا» مؤمناً بضرورة جهاد المسلم دفاعاً عن أرضه، وفى حرب فلسطين عام ١٩٤٨ شاركت «الجماعة» بألف مقاتل، وبعد حل «الجماعة» ووقوع القطاع تحت سيطرة الجانب المصرى بعد الحرب، استمر الإخوان فى المقاومة عن طريق تسلل الفدائيين من غزة لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل. الموقف اختلف جذرياً عام ١٩٥٢ حين نصب مجلس قيادة الثورة عمر الصوان الإخوانى محافظاً على غزة، حيث منعت «الجماعة» أفرادها من القيام بأى عمليات فدائية امتثالاً لأوامر قيادة الجيش التى لم تكن ترغب فى إحداث مشاكل على الحدود! وبعد انتهاء فترة شهر العسل القصيرة بين الجيش و«الجماعة» عزل محافظ غزة واعتقل الإخوان حتى شاركت «الجماعة» فى المقاومة الموحدة مع بقية فصائل القطاع أثناء العدوان الثلاثى. ولكن ذلك لم يشفع لها لتستمر الملاحقات الأمنية حتى عام ١٩٦٥ الذى صعد فيه نجم الشاب أحمد ياسين، الإخوانى القعيد، الذى جذب العديد من الأنصار لتفضيله الجانب الدعوى على المقاومة المسلحة. استمر أحمد ياسين فى كسب أنصار جدد محاولاً منع «الجماعة» من الاندثار حتى «نكسة ٦٧» حين رفض انضمام «الجماعة» لصفوف المقاومة! فضل «ياسين» الحفاظ على «التنظيم» بدلاً من القتال من أجل الفكرة، واستمرت المقاومة فى إجهاد الكيان الصهيونى حتى عام ١٩٧١ حين نجحت قوات الاحتلال فى تصفية أفراد المقاومة نهائياً بعد أربع سنوات نزفت فيها المقاومة أمام أحمد ياسين الذى أنشأ جمعية المجمع الإسلامى ليقوم بتنظيم أنشطة اجتماعية، لتعترف إسرائيل رسمياً بالمنظمة عام ١٩٧٩ فى محاولة منها لتهميش بقية القوى الوطنية الذين أصبحوا أكثر شعبية بعد اعتراضهم على اتفاقية السلام الأحادية بين مصر وإسرائيل. خلال تلك الفترة حاول المجمع الإسلامى تشديد القبضة على الشيوعيين وإزالتهم من القطاع، وبدلاً من مواجهة المحتل ركزت الجهود على نشر قوة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لينزلق القطاع إلى صراع عقائدى تجلى خلال مظاهرات عام ١٩٨٠ التى قام فيها أعضاء المجمع بتحطيم المقاهى وأماكن الترفيه فى مشهد شبيه بتحطيم أفراد الجماعات الإسلامية لنوادى الفيديو فى مصر فى السبعينات. استمر هذا الصراع الداخلى المرير حتى عام ١٩٨٧ حين اشتعلت الانتفاضة الأولى التى فاجأت إخوان غزة فى التاسع من ديسمبر مثلما فاجأت ثورة يناير إخوان مصر، فأعلن أحمد ياسين انضمام الإخوان للمقاومة للمرة الأولى منذ زمن بعيد حين تأكد من تهيؤ الشارع وغليانه (ركوب الثورة عند الإخوان أسلوب حياة) مثبتاً أن المحرك الرئيسى للجماعة هو حسابات المكسب والخسارة وليس أيديولوجية «التنظيم». تم الإعلان عن إنشاء حماس (حركة المقاومة الإسلامية) بعد اندلاع الانتفاضة بخمسة أيام منهياً بذلك ٢٢ عاماً من الموالاة لم يلقِ فيها إخوانى حجراً على إسرائيل باستثناء من انشقوا طلباً للجهاد وانضموا لصفوف المقاومة الشعبية. ولذلك نستطيع أن نزعم أنه بالرغم من مشاركة الإخوان فى المقاومة خلال حرب فلسطين والعدوان الثلاثى، فإن القضية الفلسطينية مثلها مثل المطالبة بتطبيق الشريعة، لا تتعدى كونها خطاباً مبتذلاً لحشد الأنصار وقت المعارضة وينسى بعد الصعود إلى السلطة (صديقى العزيز شيمون بيريز). وبين المتاجرة بالقضية الفلسطينية والمتاجرة بالشهداء، يا قلبى لا تحزن!