عجوز زادها الفقر أمانة.. "سعدية" ترد 25 ألف جنيه لتاجر دون مقابل
الحاجة سعدية مع ابنها الكفيف اسماعيل
كعادتها تستيقظ الأم العجوز السبعينية قبل أذان الفجر لتؤدي الصلاة، داخل منزلها الريفي البسيط المسقوف بالبوص والجريد وجداره متصدع، ثم توقظ ابنها الكفيف "إسماعيل" ليؤدي معها الصلاة، وقبل شروق الشمس تخرج من بيتها لتتفقد حال الشارع، وكانت المفاجأة حينما عثرت على كيس بلاستيك أسود اعتقدت في البداية أنه يحوي قمامة فالتقطه من الأرض كي تبعده عن طريق المارة حتى لا يتسبب لهم في أذى فوجدت بداخله مبلغا ماليا كبيرا، لم تفكر في الأمر كثيرا وأخذت تسأل المارة وتطرق أبواب الجيران واحدا تلو الآخر لتستفسر "حد ضايع منه أمانة".
ضربت الحاجة سعدية عبد القادر علي 70 عاما، نموذجا رائعا لأمانة وشرف المرأة الريفية الصعيدية النقية العفيفة، حينما ردت مبلغ 25 ألف جنيه لتاجر دواجن كان قد فقده أمام منزل السيدة العجوز، لتعثر عليه ملقى أمام باب منزلها، ورغم حالة البؤس التي تعيشها العجوز الأرملة التي ترعي ابن كفيف ويحاصر الفقر أسرتها لكنها أبت أن تأخذ مليما واحدا من صاحب النقود الذي عرض عليها مكافاة فقالت له "حد الله بيني وبين الأمانات".
قالت "سعدية" المقيمة في قرية السواهجة التابعة لمجلس قروي تونا الجبل غرب مركز ملوي بالمنيا، إن زوجها عبد المؤمن عبد الستار فلاح رحل قبل 20 عاما، وترك لها 4 أبناء هم: رضوان عامل بالأجر عمره 38 عاما متزوج وله 4 أبناء، وإسماعيل 22 عاما كفيف يدرس في معهد قراءات، وبنتان، وبمعاش زوجها الشهري وكان قدره 80 جنيها فقط وقت الوفاة اعتنت الأم المصابرة بأبنائها الأربعة وزرعت فيهم النزاهة والأمانة والصدق والشرف، وكدحت وأصرت حتى أصبحوا كبارا.
وأضافت: "منذ يومين استيقظت من نومي قبل أذان الفجر، وفتحت الباب للتخلص من مياه غسيل وكان الظلام شديدا ونظري ضعيف جدا لكبر سني، فتعثرت قدمي بكيس أسود بلاستيك اعتقدت أن بداخله قمامة ألقاها شخص في نهر الطريق فالتقطها لكي أتخلص منها حتى لا تؤذي الجيران، وحينما دققت النظر اكتشفت أن الكيس بداخله أموال كثيرة، وقتها ارتجف جسدي وخبأت المبلغ في طيات ملابسي وكان الشارع خاليا تماما من المارة، ثم توجهت إلى غرفتي حتى أشرقت الشمس لم أهتم بمعرفة قيمة المبلغ وخرجت أطرق أبواب الجيران بابا بابا وأسال المارة "حد ضايع منه أمانة" وكان رد الجميع مفيش حاجة ضايعة مننا، لم يهدأ بالي واصطحبت ابني إسماعيل الكفيف وبدأت أسال السائقين الذين يمرون بسياراتهم من أمام منزلنا، ثم تجولت في كل أرجاء القرية لكي أتوصل لصاحب الأموال دون فائدة، فقررت الاحتفاظ بالمبلغ تحت وسادة سريري لحين ظهور صاحبه".
وقالت "سعدية": "طلبت من أبنائي أن يبلغوا الجميع بوجود أمانة مفقودة بحوزتي دون توضيح أنها أموال حتى لا يطمع فيها أحد، وكنت أشعر بحمل ثقيل جدا حتي حل المساء وأذا بأحد أقاربنا يطرق باب منزلي ويبلغني أن تاجر دواجن من قرية نزلة تونا المجاورة فقد مبلغا ماليا قبل يوم من عثوري على الكيس، ثم أحضره لي فطلبت منه أن يذكر أمارات أو إشارة ومواصفات الأمانة وحينما قال أنها مبلغ مالي داخل كيس أسود ملفوف أعطيته الأمانة وقولت له مالك ورزقك حلال، فعرض علي مبلغا ماليا كمكافأة ورفضت وقولت له حد الله بيني وبين أمانات الناس".
وقالت الأم العجوز: "فعلت ما أمرني بيه ديني وإسلامي دون انتظار جزاء أو شكور، وكل أملي في الحياة أن أعيش في سكن كريم، وأدعو الله في كل صلاة أن ألقى وجهه الكريم بعد هدم منزلي المسقوف من الجريد والبوص وتتساقط على أجزاء من سقفه أثناء نومي مع ابني الكفيف إسماعيل، وسبق وقدمت أوراقي للعديد من الجمعيات الخيرية لهدمه وإعادة بنائه دون أن يقدموا يد العون وأناشد محافظ المنيا أن يساعدني في ذلك أسوة بالأسر الأولى بالرعاية.
ووجه الابن الكفيف "إسماعيل" رسالة لكل مواطن شريف قائلا: "الإسلام أمرنا بتسليم الأمانات إلى أهلها والرسول الكريم حينما كان يغزو معه صحابي واستشهد فقال عنه الصحابة إنه في الجنة فرد النبي أنه غل فرطة من الأغنام إني أراها عليه اليوم، في إشارة قوية إلى أن الأمانة حمل ثقيل وصعب وحسابها عند الله شديد"، مؤكدا أنه يفتخر بأمه العجوز التي ربته وأشقاءه على الأمانة والصدق والعمل والإخلاص، مطالبا المسؤولين بمراعاة ظروفه ومساعدته في الحصول علي أي وظيفة في مسجد لأنه مؤذن مبتدئ ويجيد التجويد والفقه ويدري بمعهد قراءات، منوها بأنه أجرى عدة محاولات سابقة للحصول على وظيفة لمساعدة أمه العجوز، وقدم في جميع ملتقيات التوظيف ولم يحالفه الحظ.