بروفايل| «السلام 98» وطن يغرق

بروفايل| «السلام 98» وطن يغرق
3 فبراير 2006، كانت ليلة شتاء قارسة.. ليس فى عرض البحر سوى تلك العبّارة الموشكة على الغرق بمن عليها وأسماك القرش التى ضمنت عَشاءها من لحوم الغارقين المرتعدين برداً وخوفاً وأولئك الذين يمددون أطرافهم من تحتهم عساهم يصيبون يابسة أو يدركون نجاة.
كان الليل دامساً والبرد قارساً والإهمال مُخيّماً على كتلة الحديد الخربة.
العَبّارة التى تغرق ببطء، لأكثر من 10 ساعات كاملة. يطلق طاقمها الاستغاثات، ويزفر ركابها العائدون من أرض الحجاز الدعوات، لكن بعيداً، على اليابسة، ثمة من يغطون فى سُبات عميق وآخرون من دونهم مخمورون بمتابعة وتحليل مباريات كأس الأمم الأفريقية التى كانت تستضيفها مصر فى تلك الفترة.. ليس من مجيب.
فى بحر بريطانيا عام 1970، بُنيت العبّارة «بوكاشيو» لاستخدامها فى الرحلات البحرية فى المياه الإقليمية الإيطالية. بطول 131 متراً، وسرعة قصوى تصل إلى 19 عقدة وكانت السفينة وقتئذ تتسع لخمسمائة راكب ومائتى سيارة، وفى 1991 طُوِّرت «بوكاشيو» لتزداد سعتها إلى 1300 راكب و320 سيارة، وفى 1998 اشترتها شركة «السلام» المملوكة لرجل الأعمال ممدوح إسماعيل، لتحمل منذ ذلك الحين اسم «السلام بوكاشيو 98».
أول فبراير 2006 انطلقت عبّارة «السلام» من ميناء ضبا السعودى، قاصدة سفاجا المصرى. لكنها بعد يوم من بدء رحلتها غابت ثم غُيِّبت فى بطن البحر، ومعها 1034 من الركاب البالغ عددهم 1415. وقبل أن يصدر بحقه قرار بمنعه من السفر كان صاحب العبّارة ممدوح إسماعيل قد شق طريقه إلى لندن، التى لا ترتبط مع مصر باتفاقية تسليم المطلوبين قضائياً أو أمنياً، ورصد صاحب العبّارة حينها 300 ألف جنيه تعويضاً لكل ضحية. ومن بين ما ورد حول قصة غرق العبّارة، أن قبطان السفينة غادرها مع رهط قليل من معاونيه لا يزيدون على العشرة قبل أن يؤمّن نجاة بقية الركاب.
وفى 12 يناير الماضى، قبل نحو 20 يوماً، حددت المحكمة جلسة للنطق بالحكم ضد اثنين من المتهمين فى قضية غرق العبّارة، وقضت المحكمة حينها بانقضاء الدعوى عن المتهمين، بمرور ثلاث سنوات متوالية على استمرار هروبهما، هذا ما ينص عليه القانون المصرى، الذى يقضى بانقضاء الدعاوى بالتقادم.
بعد غرق العبارة المنكوبة، عقد مجلس الشورى جلسة طارئة لرفع الحصانة، واستمرت التحقيقات بعد ذلك لنحو عامين انتهت، لأن حادث الغرق نجم عن حريق نشب فى غرفة محرك السفينة، وانتشر بسرعة ليصل إلى السيارات التى تحملها العبارة. وإبان التحقيقات قال الناطق باسم شركة «السلام» المالكة للعبّارة أن «السلام بوكاشيو 98» لديها رخصة للإبحار حتى 2010، وتلتزم بمعايير الأمان والسلامة، غير أن مزيداً من التحقيقات كشف أن كثيراً من العبارات المُرخصة لا تلتزم بأىّ من تلك المعايير.