من نون النسوة إلى قاسم بك أمين: إزي حضرتك؟

هبه أمين

هبه أمين

كاتب صحفي

عزيزي قاسم بك أمين.. قائد حركة الإصلاح النسائية بعد حرب شرسة مع أصحاب المقامات الرفيعة والياقات البيضاء، بل مع نون النسوة اللاتي من أجلهن خضت معركة تحريرهن.. وكما تردد أن نهايتك كانت بسبب الحب على يد إحداهن وهي راقصة أو "غازية" تدعى وسيلة.

حضرة المحترم قاسم بك أمين.. أُعرفك بنفسى، أنا فتاة من الألفية الثالثة "تعيش وتتمرمغ في الحرية، إي والله" درست ما تحب، وأحبت ما تعمل، خرجت للحياة وتواجه صعوباتها، تخالط الرجال وتجالسهم بل وتدخل في صراعات ومعارك معهم، ومع ذلك هشة جدًا وضعيفة للغاية، ترى أن حريتها ما زالت منقوصة! سيدي.. دعني أخبرك أنه رغم تكريس حياتك التي انتهت مبكرا وأنت في ريعان شبابك وأنت ابن الـ49 عاما من أجلي وبنات جنسي، فإنني لا أحبك طول الوقت.. في كثير من المرات وجدت نفسي متلبسة بالغضب منك والسخط عليك "لماذا طالبت بحريتي؟ لماذا جعلت مني فتاة تكافح في هذه الحياة؟ لماذا أوهمتني بأن لديّ قدرة على تحمل الصعاب وتجرع الآلام؟ لماذا رفضت أن أرتدي البرقع واليشمك؟ لماذا كرهت أن أقف خلف المشربية أتطلع في المارة بالشارع وأدندن لأحدهم يا أبو الشريط الأحمر ياللي؟ ظلمتني ارحم ذلي".

سيدي.. أعلم أن هدفك كان نبيلًا وساميًا، لكن العالم الذي نعيشه قاسيا يتلذذ بإيلامنا، صحيح أنه يخصص لنا يوما في العام تحت مسمى يوم المرأة العالمي، تكريما للمكافحات المناضلات اللائي يتحملن مسؤولية كل شيء..كل ما يخطر ببالك سيدي تتحمله، المرأة تتزوج وتلد وتربي أبناءها وتعلمهم وتذاكر دروسهم، وتذهب بهم إلى النادي لحضور التمارين الرياضية، وبخلاف ذلك تدرس وتعمل وتجتهد وتنجح.. نسيت أن أخبرك أنها أيضًا تواجه المتحرشين، ولم تعد تصمت أو تتوارى خجلا كأنها هي التي أجرمت.

قاسم بك أمين.. أتوقع أنك أحببت المرأة، كنت ترى فيها أنها مخلوق قوي وليس ضعيفا، أنت يا من تمردت حتى لا تكون المرأة مجرد جنس ناعم، مجرد شهوة في حياة الذكور، مجرد وعاء ينجب الأطفال، رفضت وصفها بأنها مكسورة الجناح، قليلة الحيلة، ناقصات عقل ودين، يجب حرمانهن من المشاركة في الحياة، هن عورة حتى أمام أنفسهن!.. أشكرك على توقعاتك التي صدقت بالفعل..نحن يا سيدي الكثيرات منا يتحملن هموما "تهد جبال"، ومع ذلك لم يحصلن على حقوقهن في الحياة.. نعم ينقصهن الكثير.. في بلدنا يا سيدي إذا أخطأ الرجل، جميع من حوله يكونون "صم بكم عمي لا يفقهون"، أما إذا أخطأت المرأة بل وإذا كانت هي نفسها ضحية، تُذبح بـ"سكينة حامية" و"مفيش حد لا يرحم ولايسمي".

سيدي.. في حال إذا لم ترحمني الدنيا واشتدت قسوتها عليَّ "أدعو دائما لك أن يسامحك الله".. وعندما تطيب لي الحياة وتصفو تجاهي، "أدعو لك بالرحمة والغفران".. نعم أنت مظلوم معي، عندما يضايقني الأوغاد، أردد "كان مالك ومالنا يا عم قاسم"، وعندما أفرح ولا تسعني الدنيا، أقولها بعلو الصوت: "روح ياشيخ الله يبارك لك".