«دائري مسطرد»: الموقف تحول إلى سوق متنقلة.. «كله بيسترزق»

«دائري مسطرد»: الموقف تحول إلى سوق متنقلة.. «كله بيسترزق»
أسطولان من عربات الأجرة يصطفان على جانبى الطريق الدائرى عند منزل ومطلع «مسطرد»، المطلين على ترعة الإسماعيلية، كثافة انتشار عربات الباعة المتجولين التى تعرض مختلف أنواع الفاكهة تصيب بالارتباك، وإعادة التحقق من صحة المقصد، وأن ذلك حقاً هو الطريق الدائرى لا سوق لبيع الخضار والفاكهة، ثم يتسرب الشك إلى النفس مجدداً عند رؤية سوق حقيقية موجودة على السلالم الواصلة بين الدائرى وبين الطريق أسفله، ثم شعور غامر بالامتنان لترك الباعة، مفترشى السلالم، موضع قدم للصعود والنزول.
صاحبة كشك أسفل الدائرى: "الركاب بيعدوا عليّا قبل ما يركبوا يشتروا.. لو منعوها هناكل منين"
سيجد الباحث عن أى شىء مقصده عند أحد الباعة المتجولين الذين يعرضون مختلف أنواع المنتجات، بعد الصعود للطريق، لا عجب إن رأيت السائقين المصطفين يتشاجرون للفوز بك كراكب إضافى، حتى إن اخترقت أصابعه عينيك متسائلاً: «مرج يا أستاذ؟»، قد يسحبك من يديك كطفل شريد إلى العربة المقصودة، حتى لا تصعد أخرى.
فى محاولة لتصوير وتوثيق الزحام واصطفاف السيارات، يظهر «عم جمعة»، سائق أجرة، يسأل بحدة: «انتوا تبع إيه، إحنا على باب الله، سيبونا ناكلها بالحلال»، يمتنع عن الحديث فى البداية، لكن بعد وقت يسرد قصته بعد المعاش المبكر: «كنت شغال أخصائى فنى وصفّوا ناس كتير فجأة، وطلّعونى معاش مبكر، ونقابة التطبيقيين بتدّينا 200 جنيه فى السنة».. تهدأ قسماته ويبدأ فى الحديث عن ابنته رشا: «عروسة عندها 20 سنة، محتاجة جهاز ومصاريف عشان تتجوز، ومانعها تشتغل عشان ما تتبهدلش».
يخرج منه سيل من الأحاديث والحكاوى عن ضوائق مالية يتعرض لها، وتحديات المعيشة والحياة الصعبة، وابنه الأكبر الذى يقضى خدمته العسكرية، بينما يدرس صغيره آخر العنقود فى مدرسة للتعليم الثانوى الصناعى، يشكو متطلبات مهنته الجديدة: «بتعامل مع ناس أستغفر الله العظيم، ولو أسلوبى ما بقاش زيهم هياكلونى على قفايا»، يعلق على وقوفه المخالف أعلى «الدائرى» قائلاً: «انتوا فاكرينا مرتاحين؟، إحنا بيطلع عينينا، كفاية ريحة الترعة المقرفة اللى بنشمّها على صدورنا ليل نهار». «أم فتحى»، صاحبة كشك أسفل نزلة دائرى مسطرد، تعتمد عليها فى تغطية نفقاتها وأسرتها المتواضعة، تقول من خلف نقابها: «إحنا حياتنا كلها قايمة على حتة الكشك ده، هو قد القبر، بس لولاه كنا موتنا بجد»، تعبر عن امتنانها لوجود الموقف العشوائى أعلى «الدائرى»: «بنسترزق من وراه، الركاب بيعدّوا عليّا قبل ما يركبوا، اللى يشترى علبة سجاير ولا كيس شيبسى، رزق العيال، لو منعوها إحنا هناكل منين».
بقميص أخضر مهترئ، وبنطلون جينز قديم، وشعر أشعث، وأسنان صفراء، ووجه عبوس، وملامح غاضبة، يأتى «مسئول الكارتة» مسرعاً قائلاً بحدة: «تحت أمرك، أى خدمة؟»، ينطوى كلامه على نبرة تهديد فى حال عدم الانصراف، مع اقترابه تظهر آثار خدوش وجروح ملتئمة فى وجهه المتجهم: «أنا اللى بنظّم الدنيا هنا، ولو غبت، السواقين هياكلوا بعض، والزباين مش هتلاقى عربيات تركبها»، غادر مبتعداً منادياً أحد السائقين يدعى «إسماعيل» قائلاً: «يلّا حمّل إنت الجاى».
سعاد عبدالدايم، تقيم فى محيط منطقة مسطرد، تصعد سلالم مطلع الدائرى بهدوء، ممسكة ركبتيها بيد، وقابضة باليد الأخرى على محفظة نقودها، معدلة بشكل متكرر من وضع خمارها المنسدل على صدرها، بعد وصولها أعلى الدائرى، وارتياحها من عناء الصعود، وبسؤالها عن عنائها من تمركز سيارات الأجرة هنا مخلفين زحاماً وضجيجاً: «هى دوشة وقلبة دماغ آه، لكن هيروحوا فين يعنى؟، وإحنا كمان هنركب ازاى، ركبنا مخلّعة، والخطوتين اللى من بيتى لهنا، لازم أركب فيهم توك توك».