أولويات العمل الوطنى فى ظل دستور 2014 (2-3)

على السلمى

على السلمى

كاتب صحفي

كان موضوع مقالنا الأسبوع الماضى حول ضرورة إسراع الحكومة بتفعيل المادة 237 من الدستور المصرى الجديد، التى تقضى بإلزام الدولة بمواجهة الإرهاب وتعقب مصادر تمويله وفق برنامج زمنى محدد. وكعادتها لم تحرك الحكومة ساكناً فى ذلك الأمر الحيوى، ثم لم يمضِ سوى أسبوع على موافقة الشعب بنسبة غير مسبوقة على مشروع الدستور حتى وقع الحادث الإرهابى بتفجير مبنى مديرية أمن القاهرة وسلسلة من أعمال التفجير فى مواقع مختلفة من القاهرة يوم الجمعة 24 يناير، عشية استعداد المصريين للاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة الخامس والعشرين من يناير، وكأن الجماعة الإرهابية تحتفل بمرور شهر على قرار الحكومة الببلاوية! وكان الناس ينتظرون خطاب رئيس الجمهورية غداة الاحتفالات بعيد 25 يناير بأحر من الجمر، ليعلموا ما ستقرره الدولة للقضاء على الإرهاب، باعتبار أن رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية هو المخاطب بنص المادة 237 من الدستور، ولكن جاءت كلمة الرئيس خالية إلا من المقدمة القوية التى تضمنت قول الرئيس بأن الدولة على استعداد لاتخاذ أى إجراءات استثنائية لتأمين الوطن من أى قرارات أو توجيهات للحكومة، كما فعل بالنسبة لطلبه من رئيس محكمة استئناف القاهرة زيادة عدد الدوائر القضائية المخصصة لمحاكمة الإرهابيين وطلبه إلى النائب العام مراجعة مواقف المحتجزين بتهم المشاركة فى أعمال إرهابية. إن مكافحة الإرهاب الإخوانى وتجفيف منابعه هى التحدى الأكبر للشعب والدولة، لما له من تأثير مدمر على فرص الوطن للخروج من أزماته السياسية والاقتصادية والمجتمعية والمضى فى طريق تنفيذ خريطة المستقبل. ومن الواجب على الدولة الاستماع إلى رأى الشعب والقوى السياسية والمجتمعية والمفكرين فى هذا الوطن، بهدف تدارس محاور برنامج مكافحة الإرهاب الذى ألزمها الدستور بصياغته وتنفيذه فى مدى زمنى محدد، ولا يمنع الحوار الداخلى حول عناصر ذلك البرنامج من دراسة الخبرات الناجحة لدول سبق لها أن عانت من الإرهاب ونجحت بشكل ملحوظ فى القضاء عليه، ومنها المملكة العربية السعودية التى كانت لها تجربة فى التعامل الحازم مع الإرهاب، وكانت أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولى بمنظمة المؤتمر الإسلامى عام 2000، واستضافت المؤتمر الدولى لمكافحة الإرهاب فى مدينة الرياض عام 2005، بمشاركة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية وأجنبية إلى جانب عدد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية. وقد شملت جهود السعودية التعامل مع الإرهاب من خلال المعالجة الأمنية والمعالجة الوقائية على التوازى، وعلى مستوى المعالجة الأمنية تمكنت المملكة من القضاء على الإرهابيين من أصحاب الفكر الضال أو القبض عليهم دون تعريض حياة المواطنين القاطنين فى الأحياء التى يختبئون فيها للخطر، ونجحت فى تسديد الضربات الاستباقية وإفشال أكثر من 95% من العمليات الإرهابية، وتمكنت أجهزة الأمن السعودية من اختراق المتعاطفين والممولين للإرهاب الذين لا يقلون خطورة عن المنفذين للعمليات الإرهابية فتم القبض على الكثير منهم.وقد نقل عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود فى حديث لصحيفة السياسة الكويتية نشر فى أغسطس 2004: «إننا اجتزنا مراحل الإرهاب، فنحن ذهبنا إلى رؤوس الثعابين مباشرة لنقطعها»، وهذا ما نطلبه من الدولة المصرية أن تقطع رؤوس الجماعة الإرهابية وتجتثهم من أرض الوطن! وفيما يتصل بالمعالجة الوقائية، فقد قامت المملكة بالعديد من المبادرات والجهود للقضاء على الفكر المنحرف والأعمال الإرهابية، أهمها المبادرة التى أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فى يونيو 2004، وتضمنت عفواً عن كل من يسلم نفسه ممن ينتمى إلى تلك الفئة الضالة، ممن لم يقبض عليه فى عمليات الإرهاب، طائعاً مختاراً فى مدة أقصاها شهر من تاريخ ذلك الخطاب، وسيعامل وفق شرع الله فيما يتعلق بحقوق الغير. كما تصدت وزارات الداخلية والثقافة والإعلام والشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والتربية والتعليم والتعليم العالى للفكر التكفيرى المنحرف بمواجهة الفكر بالفكر، فعلى سبيل المثال شكلت وزارة الداخلية لجنة المناصحة وهى لجنة شرعية تتكون من العلماء والدعاة والمفكرين بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة لدى الموقوفين ونصحهم وتوجيههم إلى تعاليم الدين الإسلامى الصحيحة السليمة.كما بذلت وزارة الثقافة والإعلام جهوداً كبيرة لمحاربة الفكر التكفيرى المنحرف والعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة، وبذلت وزارة التربية والتعليم جهوداً لتوعية الطلاب والطالبات بخطورة الأعمال الإرهابية وحرمتها فى الإسلام والآثام التى تقع على مرتكبيها وحث المعلمين والمعلمات على توعية الطلاب والطالبات بذلك وتوجيههم إلى الطريق الصحيح، وهذا هو ما يجب على الدولة فعله من دون تردد. إن إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية لا يكفى، وإنما يجب العمل لإدماج التعامل الأمنى مع المعالجة الفكرية من خلال تشكيل مجموعات عمل وطنية، لإعداد بناء فكرى بديل لفكر «الجماعة الإرهابية» يرتكز على مفاهيم الإسلام الوسطى إسلام الأزهر، الذى يؤكد مدنية الدولة ويحض على المواطنة والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين، وأنه لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى! وكذلك يعزز البناء الفكرى البديل مفهوم «الوطن» الذى يتجاوزه فكر «الجماعة» ويستبدل به مفهوم «الأمة». وتضم تلك المجموعات ممثلين للأزهر الشريف والكنيسة المصرية والأحزاب والقوى السياسية الوطنية والجامعات ومنظمات المجتمع المدنى، بالإضافة إلى ممثلى الوزارات والهيئات الرسمية المعنية (الأوقاف، الثقافة، التعليم، التعليم العالى، الشباب، الرياضة، الإعلام...)، والنقابات المهنية، على أن يترجم هذا الفكر إلى برامج وآليات قابلة للتنفيذ مع تحديد الجهات المسئولة طرحه للمواطنين بأساليب تتناسب وخصائص المتلقين من جميع الأعمار والمهن والمستويات العلمية والاجتماعية، وكذلك متابعة التنفيذ للتأكد من فاعلية الفكر الوسطى فى استئصال جذور الإرهاب من العقول المنحرفة.