حقائق القرآن وأباطيل أدعياء باريس! (12)

رجائى عطية

رجائى عطية

كاتب صحفي

ليس صحيحاً إذن أن العرب أو المسلمين يعادون السامية، أو يعادون الديانة اليهودية التى أنزلها الله على موسى الكليم الذى يوقره القرآن المجيد ويجعل الإيمان برسالته وباقى الأنبياء والرسل السابقين على النبوَّة المحمدية جزءاً أساسياً لا يتجزأ من الإيمان بالإسلام خاتم الرسالات، ففى القرآن الكريم:

- «قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة 136).

- «قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (آل عمران 84).

الإسلام يقاوم الأفعال الضالـة الظالمة، ولا يعادى أعراقاً ولا سلالات ولا يأخذ الأبناء أو الأحفاد بجرائر الآباء والأجـداد!!

بل إن ادعاء «السامية» ذاته، الذى منه تنطلق «أكذوبة» معاداة السامية ادعاء باطل، تثبت بطلانه دراسات التاريخ والهجرات المتعاقبة والشتات البابلـى ثم الهللينى ثم الرومانى، وتفرق اليهود فى أشتات الأرض بأوروبا الشرقية والغربية، وبالقارة الأمريكية، وفى الهند والصين وأفغانستان وإيران، وفى شبه جزيرة الأناضول، وفى بخارى وسمرقند والخزر والقوقـاز وجورجيا وجبال التات وداغستان السوفيتية، وفى العالم الإسلامى شرقه وغربه، وفى بلاد الزنج والأحباش، فضلاً عن الاختلافات الجنسية الواضحة بين الحمر والبيض والسود والصفر، وبين الإشكناز والسفارد ويهود العالم الإسلامى، مما يهدم من الأساس حكاية الامتداد العرقى إلى سام بن نوح!

من هو إذن الذى يعادى الآخر؟!

موقف الأديان من «الغير» أو «الآخر»، مسألة مفتوحة على اتساعها هذه الأيام، ولكنها مصابة فى تناولها ومعالجتها بحول ظاهر، فتختص الإسلام دون باقى الديانات، بالبحث والفحص والتنقيب، ثم هى لا تلتزم أمانة البحث، ولا الموضوعية، ولا الرؤية المنصفة، فليس ذلك همهـا ولا غايتهـا، وإنما هدفها التهجم الجهول على الإسلام ورسوله، وبث حملات الكراهية والعداء ضد المسلمين!!

وبغض النظر مؤقتاً عن هذه الحملة الجهولة، فليست هذه الكلمات للمرافعة عن الإسلام، فإن أسوأ ما هو حاصل، تلك الإشاحة المتعمدة الضريرة عن رصد وسبر الأسباب الحقيقية للعـداوات وما تجره على البشرية من مآس وويلات!!!

الصراعات التى تشهدها الإنسانية ليست فى الواقع صراعات بين عقائد الديانات، حتى وإن اختلفت أو حتى تناقضت أو تنافرت رؤاها، وإنما وجد ويوجد الصراع بين المصالح والمآرب!!

الأديان «كما أنزلها الله» بريئةٌ من الأسباب الحقيقية للعداوات والصراعات.. من المُحال أن تنسب النظرات العدائية أو الاستعلائية للغير إلى الأديان السماوية فى نبعها الصافى، فهى بغض النظر عن الشرائع وتدرجها، فإنها جميعاً منزلة من السماء، والله عز شأنه هو الخالق البارئ المصور لكل المخلوقات وهو سبحانه وتعالى رب الجميع، وخالق المسلم والمسيحى واليهودى مثلما هـو خالـق المُلْحِـد والمُشرك والشارد، وهدايته سبحانه قد تدرك غداً من لم تدركه الهداية بأمس، وأبواب سماواته مفتوحـة لكل طـارق أياً كان عِرْقه أو جنسه أو لونه.. ومن المُحال أن ينسب إلى المثل الأعلى جل شأنه أن عين عدلـه تقبل أن يميز عِرقاً على عِرق أو جنساً على جنس، أو أن يفرض الدونية علـى طائفـة مـن الناس لا تفارقها ولا تخرج منها إلى يوم الدين، وإنما جاءت اختلافات مواقف الأديان من الأغيار تبعاً لما ينمو حول الدين من إضافات وملصقات ومصالح ورغائب ليست من الدين، فتصنف مخلوقات الله إلى مراتب وطبقات، تنسب لأبنائها وأتباعها كل مزية وفضل، وتعرى الآخرين من كل قيمة وقد تنزل بهم إلى مستوى الحيوان بل إلى ما هو دونه!! هذا التصنيف من عمل المصالح والأهواء والملصقات والموروثات التى تتجمع حين ينمو حول الدين جماعة وحضارة تتخذ من دنيا الناس وقوانينها سبيلاً لبخس الغير والركوب على رقاب الآخرين!!!

الخصوصيات العنصرية الاستعلائية اليهودية!

إشكالية الهويـة اليهودية، إشكالية يهودية صرف، لا وجود ولا نظير لها فى أى ديانة أخرى!! اليهودية هى الديانة الوحيدة المنشغلة من قديم ولا تزال بتعريف من هو اليهودى؟! وهو سؤال يثار بإلحاح داخل الكيان الصهيونى الرامى إلى الحلول بالتفريغ محل الشعب الفلسطينى بأرضه!!

ومن اللافت أن كافة الإجابات التى تساق تعتمد على نظـر «عرقى» لا على صفات ومكتسبات دينية أو إيمانية. يفترض مصطلح «الهوية اليهودية» أن هناك جوهراً يهودياً ثابتاً يتصف به اليهودى ويتميز به عن باقـى البشر أينما كان!

ما يسمى إشكالية الهوية اليهودية، لا وجود له فى أى ديانة أخرى. لا تعرف المسيحية، ولا يعرف الإسلام، وغير مثار فى أى منهما إشكالية هوية مسيحية أو هوية إسلامية.. كل مسيحى هو مسيحى فحسب، وكل مسلم هو مسلم وكفى. لا شرط من جنس أو عرق أو نوع أو أصل لاكتساب هوية إسلامية أو هوية مسيحية. سبب اعتبار الهوية اليهودية إشكالية نابع من طبيعة الديانة المغلقة من ناحية، ومن التمسك بالتميز عن سواهم، وبما يسمى النقاء العرقى لليهود من ناحية أخرى.. ومحال مع هذه وتلك ألا يكون لليهودية موقف من «الأغيار» لا يسمح بقبول أو امتزاج!!

النظرة العرقية والانتماء

هذه الإشكاليات أو الخصوصيات اليهودية، إنما تصدر فى مجملها عن المنظور العرقى ومنطق السلالات والتميز والتفوق اليهودى لشعب الله المتميز المقدس المختار. هذا المنظور العرقى هو أس البلاء، لأنه يضيق دائرة الدين اليهودى والمتدينين، ومن ثم ينحى العالم الواسع كله ويضعه فى دائرة الأغيار، ثم يتعامل مع هذا العالم بهذا المفهوم والتفوق والتميز العرقى الذى له مرجعية فى أسفار العهد القديم وفى التلمود.

ففى سفر اللاويين الإصحاح 20 / 24 27: «أنا الرب إلهكم الذى ميزكم من الشعوب. وتكونون لى قديسين لأنى قدوس أنا الرب. وميزتكم من الشعوب لتكونوا لى».

وفى سفر التثنية الإصحاح 7 / 5 6: «لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض»!!

ومنطق العرق والسلالة والتميز لا يعطى للغير ما يعطيه للهوية اليهودية من حقوق، فلا يتمتع غير اليهودى فى مجتمع اليهود بما يتمتع به اليهودى من حقوق، ويباح بمقتضاه أن يقع على غير اليهودى ما لا يباح مع اليهود.. تفرق دوائر التعامل بين اليهودى وغير اليهودى فى شتى شئون الحياة.. من بيع وشراء، وإنصاف أو ظلم، استقامة أو غش، إطعام أو إجاعة، إقراض أو لا إقراض إلاَّ بالربا، قداسة أو دونية.. هذه الدوائر وغيرها، وحتى بالنسبة لحرمة أو قداسة الروح، مردودة إلى منظور عرقى جعل اليهودية ديانة غير تبشيرية تنهض على العرق ولا تنهض بصفة أساسية على الاقتناع.

وغنى عن البيان أن هذا المنظور العرقى مرفوض فى المسيحية ومرفوض فى الإسلام.