بروفايل| المواطن مصرى

كتب: عبدالفتاح فرج

بروفايل| المواطن مصرى

بروفايل| المواطن مصرى

وسط أجواء سياسية ملبدة بالغيوم، مليئة بصراعات دموية على حكم مصر، يعيش المواطن المصرى البسيط فى حاله، جنب الحيط، لا يهمه إلا لقمة العيش وتأمين أبنائه، مطحون فى الحياة، يكد ليل نهار دون كلل، تتورم قدماه من التوقف أمام أفران الخبز البلدى فى طوابير طويلة، تلفح الشمس وجهه فى عز الصيف، وتدهن بشرته بالسمرة، يتصبب عرقاً من شدة الحر، وتجلد جسده شدة البرد، هو من يتوقف أمام محطات الأوتوبيس بالساعات، ويُحشر فى عربات المترو مع الآلاف، يصنع النكتة من أصعب المواقف، ويتهكم على الظروف التى تعصره عصراً، وينتصر عليها بالصبر لترتسم البسمة الناقدة واللاذعة على وجهه، يهتم تارة بما يجرى حوله من أحداث، ويُدير ظهره لما ينال من لقمة عيشه تارة أخرى، قد يشارك فى مسيرات التغيير المنشودة التى لا تقدم ولا تؤخر دون يأس، ويُعرض عنها عندما تؤثر على استقرار البلاد والعباد. «المصرى» محلل سياسى، وخبير استراتيجى تحت الطلب، فى المواصلات العامة والمقاهى والمنزل، يدافع عن رأيه باستماتة، فخورٌ بانتمائه السياسى وإن طالته الاتهامات، تنفضه الأيام نفضاً، ترفعه إلى السماء وتسقطه على الأرض، تمنحه حزناً بعد فرح، وفرحاً بعد حزن، أمله السعادة فى الدنيا والآخرة، وزاده الإيمان بالله، يُروّح عن نفسه بزيارة مساجد الحسين والسيدة نفيسة، والكنائس القديمة، تصفو نفسه بالدعاء إلى الله وبالصلاة على النبى، آماله بسيطة وأحلامه محدودة، يقف صامداً أمام ضيق الرزق ووقف الحال، لم تكسره الأيام، ولم تنَل منه الأحداث العصيبة، يرضى دائماً بالهمّ لكن الهمّ لا يرضى به. يعيش المواطن المصرى البسيط فى حارات ضيقة، متفرعة من شوارع مهترئة وغير معروفة، تفيض بأكوام القمامة التى تكبس رائحتها على الأنفاس، يدفع ثمن إزالتها على فاتورة الكهرباء، التى تنقطع عن البيوت ساعات طويلة فى الشتاء والصيف، تُصيبه الأمراض المتوطنة والطارئة، فيذهب مضطراً إلى مستشفى حكومى، أجهزته معطلة، وأطباؤه مضربون عن العمل لزيادة مرتباتهم وتحسين أحوالهم وأدويته غير فعالة، وإن كان ميسور الحال، يتوجه إلى مستشفى خاص ينصب عليه. يهم المواطن البسيط إلى عمله فى الصباح الباكر، لا تخيفه التفجيرات الضخمة التى تضرب التجمعات الشرطية فوق محطات المترو أو مديريات الأمن، أو كمائن الشرطة المنتشرة بالشوارع، أو أوتوبيسات النقل العام، أو محطات السكك الحديدية، يعيش المواطن بين مطرقة ارتفاع الأسعار والدروس الخصوصية، وسندان ضعف الرواتب، وفقدان الوظائف عقب ثورة يناير، ورغم ذلك يظل صامداً كالجبل الذى لا يهزه ريح، يتحمل العواصف الحياتية دون أن يهتز له ركن، يكتفى بالشكوى لله، ولأترابه الذين يشاركونه نفس الهموم، يفضفض لهم، يأنس بهم، يُفرغ شحنة الغضب بداخله، فيتبدل حزنه إلى صفاء وقناعة.