أشهرها «الجرجار والتلى والمنسج والشُّقة»: الأزياء التراثية اختفت.. ومحاولات إحيائها لا تتوقف

أشهرها «الجرجار والتلى والمنسج والشُّقة»: الأزياء التراثية اختفت.. ومحاولات إحيائها لا تتوقف
- أعمال فنية
- الألوان الزاهية
- الحرف التراثية
- الزى الرسمى
- الشخصية المصرية
- الصناعات المصرية
- العصر العثمانى
- الفنان التشكيلى
- اللون الأسود
- أبناء
- أعمال فنية
- الألوان الزاهية
- الحرف التراثية
- الزى الرسمى
- الشخصية المصرية
- الصناعات المصرية
- العصر العثمانى
- الفنان التشكيلى
- اللون الأسود
- أبناء
أزياء شديدة الثراء تحمل بين خيوط أنسجتها حضارات عديدة مرت على مصر، تفوح منها رائحة طيبة أصيلة تشبه أصحابها، ظلت لفترة صامدة راسخة فى العقل الشعبى، لكن بمرور الوقت تهاوت وتجرد منها أصحابها ملتحفين بأزياء دخيلة، ومفتونين بأفكار مستمدة من ثقافات غربية، فانزوت وتوارت ولم يتبق منها سوى القليل، الذى يظهر فى عمل فنى تاريخى، أو مناسبة تراثية محدودة.
هل لمصر زى تراثى معين؟ وماذا تبقى منه؟ وما إمكانية إحيائه؟ أسئلة طرحناها على مختصين فى الأزياء ومحبى التراث، لنبحر معهم فى أعماق الشخصية المصرية وما اختارته من ملبس يعبر عنها «مصر ليس لها زى شعبى رسمى»، هكذا أكدت شيم الجابى، مصممة الأزياء التراثية الشهيرة، فإذا كان «القفطان» زياً مغربياً و«السارى» زياً هندياً، فإن مصر لها أزياء تراثية عديدة، وليس واحداً بعينه، بسبب تعدد ثقافات المحافظات المختلفة.
وتستعرض «شيم» بعض الأزياء التراثية الخاصة بالمرأة، بداية من «الجرجار»، وهو الزى الرسمى للنوبة وكان أقرب للزى الفرعونى، لقرب أماكن وجودهما جغرافياً، وكان يتميز بأنه شديد الطول وبكم فضفاض: «كانت السيدة تسير وتجر الزى، لاقتفاء الأثر خوفاً من السحر، ومن هنا جاءت التسمية».
{long_qoute_1}
وفى الصعيد، خاصة محافظة سوهاج، ظهر «التلى»، وهو عبارة عن قماش يشبه «التُل» يحوى زخارف وموتيفات من الحرير، وفى العصر العثمانى أدخل الأتراك عليه خيوطاً معدنية «سيرما» وكانت إما من الذهب أو النحاس أو الفضة، لكن ابتعدت عنه المرأة الصعيدية مع بداية الخمسينات من القرن الماضى بسبب اتجاه الراقصات لارتدائه، وظهر ذلك فى عدة أعمال فنية، فارتدته هند رستم وهى تلعب دور «الغازية» فى فيلم «صراع فى النيل»، كما رقصت به تحية كاريوكا ونعيمة عاكف، لذا انصرفن عنه، واتجهن إلى ارتداء «الملس»، وقد عبر الفنان التشكيلى سعد زغلول بريشته عن فن «التلى»، وكان له دور عظيم ومحاولات لإحيائه فى أسيوط.
تستكمل «شيم» الأزياء التراثية، وتشير إلى «المنسج»، وهو زى سوهاجى أيضاً يُنسج على النول، ويتميز بالتطريز اليدوى، وله موتيفات معينة، وحالياً تم تطويره، وأصبح يحتوى على تطريز بارز، ومن فوقه ترتدى «الشُقة»، وهى عبارة عن قطعة قماش سوداء مشقوقة ومن هنا جاءت التسمية، تغطى كامل الجسد من الرأس إلى القدم.
ومن الصعيد إلى سيناء، التى ينقسم أهلها إلى بدو وقبائل، لكل قبيلة برقع مميز يغطى الوجه، وقناع أو قُنعة، كما جرت التسمية، عبارة عن قطعة قماش تغطى الرأس والكتفين وحتى القدم، ومن شكل البرقع والقناع يمكن بسهولة التعرف على هوية السيدة، بحسب «شيم»: «الآنسة لا ترتدى «برقع» حتى يراها الناس ويرشحونها للزواج، كما يدل الزى على قبيلة المرأة، حيث تشتهر كل قبيلة بخيوط وموتيفات معينة للبرقع والقناع، فهناك برقع يغطى لأسفل الصدر وآخر يتوقف عند الصدر وثالث يغطى العينين فقط».
{long_qoute_2}
ويمكن التعرف على السن من خلال لون البرقع، فالفتيات يتميزن بالألوان الزاهية، وما إن اقتحم اللون الأزرق البرقع يعنى أنها تزوجت، ومع تقدمها فى العمر تزداد مساحة اللون الأزرق، لذا تجد السيدات المسنات يرتدين برقعاً باللون الأزرق بالكامل، وفيما يتعلق بالمستوى الاقتصادى للمرأة، يتضح أيضاً من شكل البرقع، الذى يُعد بمثابة حصالة للسيدة أو رأسمالها، فكلما احتوى على ملاليم فضية وقطع ذهبية وأحجار أصلية، دل على أنها من الأغنياء، أما إذا احتوى على عملات نحاسية وأحجار من البلاستيك، فهو يشير إلى تواضع مستواها، لذا كانت قيمة العروس فى برقعها، والأم تورثه للابنة.
منذ آلاف السنين كان أبناء واحة «سيوة» يعبدون الشمس، وانعكس ذلك على معتقداتهم وأزيائهم، وفقاً لـ«شيم»، فاتخذ التطريز شكل شعاع الشمس، والألوان تنحصر فى الأصفر والبرتقالى والعسلى: «ثوب العروسة عبارة عن ثوب أبيض والصدر بالكامل مطرز بأزرار، وله قيمة عالية جداً، ويكون بمثابة فستان سهرة للسيدة ترتديه فيما بعد فى المناسبات المختلفة، بعد أن تصبغه باللون الأسود بعد الزفاف، أو أن تكون تمتلك من البداية ثوبين أبيض وأسود، كما ترتدى المرأة السيوية قُنعة سوداء مطرزة بالكامل بأزرار من الصدف»، أما عما تبقى من الأزياء التراثية، فتقول «شيم»، إن كل محافظة بها مواطنون يحافظون على الزى التراثى، وآخرون وصل إليهم هوس ارتداء أزياء العاصمة، وتحاول هى من خلال عملها تعريف الأجيال الحالية على الأزياء التراثية، وتعتمد فى أزيائها على الخامة الأصلية، وتوظفها فى تصميمات عصرية، وأحياناً تروج للقطع الأصلية، كما تثرى وتعزز معلوماتها باستمرار من خلال الدراسة، حيث تعد دبلومة عن الثوب السيناوى، وتنوى استكمال رسالة الماجستير والدكتوراه فى نفس الصدد.
«يدوية» مؤسسة تساهم فى اكتشاف الحرف التراثية والترويج لها، حيث تجوب ربوع مصر وتسلط الضوء على ما تبقى من الحرفيين، وتقدم لهم يد العون للمشاركة بمنتجاتهم التراثية فى معارض مختلفة، ومن بينها الأزياء التراثية، حيث يحاول الباحث أسامة غزالى، مؤسس «يدوية» تعريف الناس بالأزياء التراثية وأماكن وجودها وأوجه تميزها.
«مصر كانت دائماً بوتقة احتضنت ثقافات مختلفة، متمثلة فى محتل دخيل، أو أطياف هاجرت إليها، ما شكل زخماً فى الأزياء التراثية، وللأسف سيطرت التيارات الغربية بسهولة على الأزياء السائدة، لأنها كانت ضعيفة وبعيدة عن بعضها، مثل الأمازيغية فى سيوة، النوبية، السينية، الدلتا، قبائل الصعيد.. إلخ»، أوضح «غزالى» أيضاً أن الشركات الدولية تريد أن تحول مصر إلى مستورد أكثر منه مصنعاً، وبالتالى انحسرت الصناعات المصرية وتراجعت: «للأسف حتى المجتمعات التى كانت تحافظ على زيها التراثى بدأت فى التخلى عنه، تأثراً أيضاً بالتيارات الغربية، بدليل انتشار القميص والبنطلون فى الصعيد»، مشيراً إلى قرية «تنيس»، التى كانت أكبر مصدر للأنسجة فى العالم، كان معظم ملوك العالم وإمبراطور الصين والخلفاء يتسابقون للحصول على المنسوجات المشغولة بخيوط الذهب والفضة.
وسائل الإعلام لها دور كبير فى الترويج للأزياء التراثية أو طمسها، وذلك باستعراض نماذج على الشاشات، يتأثر بها المشاهدون: «مسلسل واحة الغروب ساهم فى الترويج لملابس سيوة، وأعجب كثير من المواطنين به».
إحياء الملابس التراثية أمر ممكن، فى رأى «غزالى»، ولا يعنى أن نطلب من الشباب ارتداء الجلباب، إنما اقتناء ملابس حديثة بملامح تراثية، أى فكرتها مستمدة من أزياء تراثية، هو النهج الذى يتبعه ويروج له بعض مصممى الأزياء فى الوقت الحالى: «بعض الأزياء الفرعونية كانت ممتدة حتى وقت قريب، مثل القفطان والجِبة، التى كانت تنسج فى أخميم ونقادة».
رحلة لاكتشاف «الزى العدوى»، هى آخر الجولات التى قام بها «غزالى» وفريق «يدوية»، وسمى بذلك نسبةً إلى قرية «بنى عدى» بأسيوط، وهو آخر الأزياء التى تحافظ عليها المرأة فى الصعيد.