بروفايل| الجندى المصرى شهيد الوطن

بروفايل| الجندى المصرى شهيد الوطن
أسمر الوجه، زائغ البصر، تائه الحال، تعلو رأسه خوذة سميكة تحميه من ضرب الرصاص والخرطوش أو العصى، وتغطى صدره سترة واقية من الرصاص الحى، تراه عن قرب خلال الاشتباكات التى يُدفع إليها دفعاً، مغلوب على أمره أو «عبدالمأمور»، هو القادم من قلب الصعيد أو ريف الدلتا والوجه البحرى، ليستقر به المقام فى كبد الصحراء أو فى طرق وعرة، أو كمائن مستهدفة، أو يُلقى به فى مواجهات ساخنة ليس له فيها ناقة ولا جمل، يستبدل بعمله فى الأرض الخضراء والحرف الأخرى حملَ السلاح والسهر على حماية منشآت الدولة، مطيع للأوامر، يستقبلها بحذر وينفذها بخوف، لا يجيد القراءة والكتابة فى أغلب الأحيان.. لا يهم، قادته المباشرون أبصر منه وأعلم منه، فهم يده التى يكتب بها وعينه التى يقرأ بها.
جندى الأمن المركزى مِلح الأرض المنتشر فى ربوع الوطن، ووقود المعركة، تلفح الشمس وجهه فى عز الصيف، وتدهن وجهه النحيف بالسمرة، يؤذيه البرد القارس فى ليل الشتاء وينال من جسده النحيل دون شكوى أو ملل، يقف منضبطاً فى طابور الصباح يحمل السلاح ويحيى العلم، أينما حلّ تدركه رصاصات الغدر والخيانة والإرهاب؛ على حدود سيناء وفى الكمائن وعلى الطرق السريعة وفى الأقسام، لم يستثنِه التكفيريون من القتل، يعتبرونه وزملاءه أعداء الله، يقنصونه من الرقبة والرأس ليُكتب عند الله شهيداً وعند الإرهابيين قتيلاً، يعود إلى أمه غارقاً فى دمائه مغطّى الوجه والجسد، لا يحتمل أقرباؤه النظر إليه بعد أن مثَّل المجرمون بجثته، يشيِّعونه إلى مثواه الأخير فى جنازة مهيبة تهتز لها أركان القرية والمركز ويحضرها المحافظ، ثم ينتهى شريط الفيلم.
يترك طفلاً رضيعاً وربما اثنين وزوجة شابة، وأماً ثكلى، وأباً تتورم قدماه من اللف «كعب داير» على الجهات الحكومية للحصول على «تعويض»، يصير الجندى مشهوراً بضعة أيام عند استشهاده، إذ تتنافس الفضائيات على نقل بكاء والدته الذى يُقطِّع القلوب، ودموع والده التى توجع الأبدان.
يُكتب له عمر جديد حال عودته إلى أهله سالماً بعد شهر من الخدمة، تمر عليه أيام الإجازة بسرعة فائقة لا يشبع فيها من أهله ولا يشبعون منه، يودعهم إلى المجهول، ويطلب منهم الدعاء، يدعو ربه أن ينتهى من أداء خدمته العسكرية على خير، وأن يصل إلى مقر كتيبته سليماً معافًى، وأن ينصره الله على الإرهابيين والمجرمين.
يخرج «الجندى» من عنبره فى الصباح الباكر إلى منطقة المواجهة المرتقبة، يُحشر فى لورى الأمن المركزى حشراً، ينتظر الأوامر بالتحرك. يحكم البعضُ البعضَ، ويطيح البعضُ بالبعضِ عن كرسىّ الحكم، ولا يدفع الثمن إلا المسكين المرمىّ فى الشارع والطرقات والصحراء، لا يدرى المقتول فيما قُتل فى زمن «الهَرْج».. يرحل دون وقت ينطق فيه الشهادة أو يرسم على قلبه الصليب.