عصمت نصار: القوى التى حاربت «محمد على وعبدالناصر» ستحاول ضربنا إذا واصل «السيسى» مشروع بناء مصر

عصمت نصار: القوى التى حاربت «محمد على وعبدالناصر» ستحاول ضربنا إذا واصل «السيسى» مشروع بناء مصر
- عصمت نصار
- الإخوان الإرهابية
- سيد قطب
- القرضاوي
- العشوائيات
- عصمت نصار
- الإخوان الإرهابية
- سيد قطب
- القرضاوي
- العشوائيات
قال الدكتور عصمت نصار، أستاذ الفكر الإسلامى الحديث والمعاصر فى جامعة القاهرة، إن عشرينات القرن الماضى شهدت انتشار الفكر الإلحادى وبداية ظاهرة التطرف الخبيثة، مشيراً إلى أن حسن البنا، مؤسس تنظيم الإخوان، كان مجرد مردد لآراء الشيخين محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب، فضلاً عن تأثره بمبادئ الحركات الماسونية وفكرة ولاية الفقيه الشيعية. وتابع «نصار» فى حواره لـ«الوطن» أن المصريين طوال تاريخهم لم يعرفوا التعصب، وفهموا الدين على أنه قيم إنسانية راقية، مُدللاً على ذلك بأن الفتن الطائفية لم تظهر إلا فى أواخر القرن العشرين.
{long_qoute_1}
وكشف «نصار» أن سيد قطب مُنظِّر الإخوان ومؤسس حركاتها الجهادية العنيفة كان يعانى من «امتلائه بنفسه» ويعتقد أنه «خسارة فى الناس» وأراد أن يلعب دور المرشد الأعلى لثورة 23 يوليو، مضيفاً أنه يعتقد أن «CIA» هى التى سهلت له السفر إلى أمريكا، ولا يوجد شخص واحد اطلع على ملفاته فى مكتبة الكونجرس، وأوضح أنه حين طلبها من مسئولى المكتبة، قيل له: «محظور لأسباب أمنية»، وأكمل «نصار» أن مصر بدأت نهضة حديثة مبكراً فى أوائل القرن الـ19 واستمرت 100 عام قبل أن تنزوى مجدداً بفعل المؤامرات الخارجية والقصور الذاتى الناتج عن إهمال التعليم والثقافة بداية من الخمسينات، ويحذر المفكر الإسلامى من أن نفس القوى التى حاربت «محمد على والخديو إسماعيل وجمال عبدالناصر» ستحاول ضربنا مرة أخرى إذا واصل الرئيس عبدالفتاح السيسى مشروعه الطموح لإعادة بناء مصر، وإلى نص الحوار.
بداية كيف ترى حادثة الدرب الأحمر الأخيرة؟
- حادثة الدرب الأحمر نتاج طبيعى مؤسف لتغلغل أفكار المضللين من التكفيريين من ناحية، والمنتفعين لأسباب سياسية وليست عقائدية من هدم استقرار مصر من ناحية أخرى، وهؤلاء وأولئك لا يصلح معهم إلا تطبيق حد الحرابة عليهم أى قطع أرجلهم وأيديهم من خلاف، وقد جاء فى الخبر أنه إذا اختل الأمن فكل شىء مباح لولى الأمر حتى يعيد الأمن والاستقرار، ثم كيف يدعى هؤلاء الإرهابيون أنهم مسلمون، وهم غادرون ينقضون عهد الآمنين، ويتعمدون إيذاء خلق الله المسالمين، الذى نهى الله عنه؟
من خلال دراستك العميقة لتاريخ التطرف، متى بدأت هذه الظاهرة الخطيرة تضرب المجتمع المصرى؟
- البداية كانت فى العشرينات من القرن الماضى، هذه الفترة شهدت ظاهرتين، الأولى زيادة نشاط الاستشراق والجمعيات الماسونية والإلحادية بشكل ملحوظ، إذ حضر عدد كبير من المستشرقين للقاهرة وأشرفوا وشاركوا فى إصدار نحو 9 مجلات تعبر عن أفكارهم، مثل «الزمان» و«المقتطف» و«المقطم» و«الإمام» و«الأزهر» ومجلتى «الماسونية» و«الصهيونية»، وتشكل تياراً معادياً للدين من بعض المثقفين من أمثال سلامة موسى وإسماعيل مظهر، ابن محمد مظهر باشا أول مهندس مصرى، وإسماعيل أدهم وحسنى العرابى وعزيز برهم وعاصم حفنى ناصف ومحمود عزمى صاحب مجلة «الجديد»، وفى المقابل تشكل تيار سلفى متشدد فى فهم الدين، وأشهر رواده الشيخان محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب، وكان التياران متركزين فى المدن وتحديداً العاصمة، بعيداً عن الريف الذى ظل أهله على نقائهم وبساطتهم وتمسكهم بالقيم التقليدية غير الملوثة حتى نهاية الخمسينات. {left_qoute_1}
هل يمكن أن تعطينا نموذجاً لأفكار وكتابات المثقفين المعادين للدين؟
- سلامة موسى مثلاً، دعا لشرب الخمور باعتبارها بديلاً آمناً للمخدرات المدمرة، وطالب السلطات بالتمهل فى إلغاء الدعارة سنة 1949، واقترح تطبيق الإلغاء فى أماكن دون أخرى انتظاراً لدراسة الأثر على المجتمع.
وكيف نجا سلامة موسى بهذه الجرأة من تهديدات المتطرفين وقتها؟
- المجتمع المصرى كان يتمتع وقتها بحرية فكر كاملة وكانت مكفولة للجميع، فقد كتب مثلاً إسماعيل أدهم كتيباً من 10 صفحات عام 1937 بعنوان: «لماذا أنا ملحد؟» فرد عليه أحمد زكى أبوشادى، وهو ماسونى، بكتاب عنوانه: «لماذا أنا مؤمن؟»، ورد عليه أيضاً محمد فريد وجدى بكتاب «لماذا هو ملحد؟»، واشترك فى هذه المساجلات أكثر من 40 مفكراً لم يشتم منهم أحد أحداً، ولم يتعرض إسماعيل أدهم للتهديد بالقتل أو الاتهام بالكفر، حتى فى وجود شيوخ السلفية، محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب. وشيوخ الأزهر أنفسهم كانوا منفتحين على النقاش فى كل ما يبدو «خطوطاً حمراء» الآن، وهناك مساجلة مثلاً بين الشيخ يوسف الدجوى ومستشرق اسمه «زين» ألف كتاباً بعنوان: «هل من تحريف فى الكتاب الشريف؟» فرد عليه «الدجوى» فى كتاب بنفس العنوان «هل من تحريف فى الكتاب الشريف.. رداً على افتراءات مستشرق»، واقتصر الأمر عند هذا المستوى الفكرى الراقى دون تطاول أو قضاء أو غيره.
وأين كان الإخوان المسلمون فى هذا الوقت؟
- لم يكن من الممكن أن يكون لجماعة مثل الإخوان وجود مؤثر مع غلبة التيار «المحافظ المستنير» الذى كان يقوده الإمام محمد عبده وتلاميذه، واقتصر وجود الجماعة وقتها على الريف حيث تنتشر الأمية، أما الأفندية من الشرائح المتعلمة فكانت إما مع أحزاب الأحرار الدستوريين أو الوفد أو الحزب الوطنى أو الحزب الاشتراكى، ونفوذ الجماعة زاد فى فترة لاحقة رفعت فيها الدولة يدها، وتحولت البرجوازية فيها إلى رأسمالية عفنة وتحديداً فى فترة الانفتاح الاقتصادى فى السبعينات.
{long_qoute_2}
إذاً مع صعود حركة الاستشراق وأجواء القاهرة المنفتحة فى العشرينات انتعشت التيارات الإلحادية وبدأت تتشكل التيارات الدينية المتشددة؟
- نعم، وأضعف ذلك نسبياً الفكر الأشعرى المعتدل، وكان هناك عامل آخر مؤثر وهو وفاة الإمام محمد عبده عام 1905، ففى حضوره الطاغى كان من الصعب ظهور هذه التيارات، فقد كان قادراً على حسم المسائل والخلافات الفكرية وضبط الإيقاع، ومثل هو وتلاميذه تياراً أسميته «المحافظ المستنير»، إذ كان هناك تياران كما قلت لك أحدهما علمانى متطرف يمثله سلامة موسى، وتيار رجعى يمثله محمد رشيد رضا، وكان بينهما تيار محمد عبده، الذى كان يحافظ على ثوابت الدين ومستنير فيما يتعلق بالمتغيرات.
مصر بدأت نهضتها الفكرية بداية من القرن الـ19، فكيف كان النهضويون الأوائل من أمثال حسن العطار ورفاعة الطهطاوى ينظرون إلى الدين.. باعتباره قوة تقدم أم سبباً فى التخلف؟
- لم يكن الأمر مطروحاً على هذا النحو، إذ كان الدين من البداية عند كل المصريين قيماً إنسانية راقية تدعو للتعايش، ولذلك لم تشهد مصر أبداً طوال تاريخها أى فتن طائفية سوى فى نهايات القرن العشرين، ما يعنى أن المصريين، حتى الأميين منهم، فهموا «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فهماً صحيحاً، والفتنة التى حدثت عام 1911 كانت بتدبير من الإنجليز، ورد عليها المصريون فى ثورة 1919 برفع علامتى «الهلال والصليب» معاً.
لكن فكرة تجديد الدين وخطابه كانت مطروحة منذ وقت مبكر؟
- نعم، ولكن على مستوى أبسط كثيراً مقارنة بالوضع الحالى، الإمام محمد عبده مثلاً، نادى بالاعتماد على القرآن وليس السنة، وحجته فى ذلك أن القرآن هو كلام الله، أما السنة فمصدرها رواة، مثل البخارى والأسيوطى، وهؤلاء على أهميتهم ليسوا حجة على الله، فما جاء فى السنة ووافق القرآن فأهلاً وسهلاً به، وما خالفه لا نأخذ به، وكان هذا المنطق مقبولاً ولم يجد معارضة شرسة أو يُواجه بالتطاول. الوضع الحالى مختلف، فالتجديد يعنى للبعض حذف السُنة بأكملها، وتيار آخر يهدد هذا البعض بقطع ألسنتهم.
إذا كان الأمر على هذا النحو، فلماذا فصل الأزهر الشيخ على عبدالرازق بسبب كتابه «الإسلام وأصول الحكم» عام 1925؟
- حقيقة الأمر أن الضجة التى أُثيرت حول الكتاب لم يكن لها علاقة بفكرة الخلافة ولا بالفكر أصلاً، وإنما بحسابات سياسية بامتياز، إذ تعارض الكتاب، الذى يؤصل لفكرة أن الخلافة ليست من أصول الإسلام، مع رغبة الملك فؤاد الذى كان يرغب فى أن يصبح خليفة، والدليل على كلامى أمران، أولهما أن مشيخة الأزهر، التى سعت وقتها لإرضاء الملك، فصلت الشيخ على الذى أيد إلغاء الخلافة، وفصلت فى نفس الوقت الشيخ ضياء الدين الرحمانى الذى دعا لإحضار السلطان عبدالمجيد الثانى لمصر لتكون مقراً للخلافة، وهو ما يتعارض أيضاً مع رغبة «فؤاد»، الأمر الثانى أن الخلافة كانت ملغاة فعلياً منذ 1908 وكل الأحزاب المصرية التى ظهرت منذ 1907 كانت تنص فى وثائق تأسيسها على مبدأ فصل الدين عن الدولة، ثم إن الشيخ على لم يكن أول من جاهر بالحديث عن فكرة أن الخلافة ليست مبدأ إسلامياً، فقد سبقه محمد حسين هيكل باشا، عندما كتب فى مجلة السياسة الأسبوعية عام 1922 مقالاً خلاصته «لا يوجد شىء اسمه خلافة فى الإسلام». {left_qoute_2}
لكن من يدرس هذه الفترة يلحظ تمسكاً من جانب شرائح مختلفة فى مصر بمبدأ الخلافة وحزناً على سقوطها؟
- مصر كانت تبكى على الخلافة باعتبارها رابطاً للقيم وليست رابطاً سياسياً، فكل الأحزاب كما قلت لك كانت تدعو للعلمانية وتتبنى مبدأ فصل الدين عن الدولة. وغالبية المصريين الذين تشير إليهم كانوا يريدون الخلافة كعنصر للوحدة بين الشعوب الإسلامية وليس أكثر. وكان الاتجاه الأشعرى يروج لفكرة الوحدة الإسلامية وكذلك الشيخ جمال الدين الأفغانى.
أنت مهتم بدراسة فترة النهضة المصرية من 1850 وحتى 1950. ما أهم خصائص الفترة؟
- هذه فترة خصبة جداً من تاريخنا تميزت بسنوات طويلة من الانطلاق والتحرر والرغبة فى التطور بداية من مؤسسها الأول حسن العطار مروراً برفاعة الطهطاوى ومحمد عبده ومصطفى عبدالرازق وطلعت حرب، ووصولاً إلى طه حسين. هؤلاء جميعاً رغم ما بينهم من فروقات كانوا يؤمنون أن التطور يبدأ من الذات «الأنا»، وأن هناك ثوابت لهويتنا ومتغيرات. الثوابت يجب أن نحافظ عليها والمتغيرات يمكن أن نأخذها من أى مكان. «رفاعة» حين عاد من الغرب لم ينقل إلينا كل ما هناك، لكن ما يناسبنا فقط، ما يعنى أنه كان حريصاً على بناء شخصية مستقلة. هذه الفترة شهدت تحسناً هائلاً فى مستوى التعليم والوعى وحرية التعبير. وصالون الشيخ محمد عبده كان يحضره أكثر من 200 شخص. وكان لكل دار نشر مثل «المقتطف» صالون ثقافى. وكبار المفكرين كانوا فى حالة حوار مفتوح مع مريديهم، خصوصاً من الشباب على المقاهى. وشيوخ الأزهر كانوا مستنيرين بدرجة كبيرة وساعدهم فى ذلك أنهم كانوا أول من يلتقى الطلاب الأجانب المقبلين للدراسة فى الأزهر.
إذاً لمَ تخلفنا ولم نستكمل هذه النهضة التى توقفت كما تقول فى مطلع الخمسينات؟
- تخلفنا لسببين رئيسيين أولهما القصور الذاتى، والثانى مؤامرات الخارج المستمرة علينا منذ القرن العاشر ميلادياً.
ومنذ متى بدأ هذا القصور الذاتى؟
- منذ أن أهملنا بناء أنفسنا وأهملنا التعليم والثقافة، وبدأ هذا التدهور تدريجياً فى الخمسينات ووصل التدهور إلى ذروته بداية من حقبة الانفتاح فى السبعينات التى ساد فيها فكر المصلحة والمنفعة المباشرة. ومن اللافت أن هذه الفترة شهدت وفاة طه حسين، آخر لبنة فى بناء التنوير الذى بدأ مع حسن العطار.
وماذا تقصد بالمؤامرة؟
- المؤامرة موجودة منذ البداية، فعندما نجح محمد على فى بناء جيش مصرى قلصت فرنسا معاونتها لنا بالخبرة العلمية. واجتمعت كل القوى الأوروبية المتناحرة على هدف واحد، وهو تدمير الجيش ووقف الطموح المصرى. ولو رجعنا بالذاكرة إلى أبعد من ذلك سنكتشف أن مؤامرات الدول الكبرى علينا كانت دائماً موجودة، وهى التى أجهضت تجربة محمد على بك الكبير الذى كان يطمح لبناء نهضة حقيقية مركزها مصر. وكتابات المستشرق الألمانى «ليبنتز» معروفة، فهو الذى قال لحكام ألمانيا «من يملك مصر يملك العالم»، بل إن المؤامرة بدأت علينا منذ القرن العاشر الذى شهد ترجمة القرآن وبدأوا يلعبون لعبة تزييف الحقائق. ونفس القوى التى ضربت تجارب محمد على والخديو إسماعيل والرئيس جمال عبدالناصر مستعدة أن تحاول ضربنا مرة أخرى إذا واصل الرئيس السيسى مشروعه الطموح فى إعادة بناء مصر داخلياً وزيادة نفوذها خارجياً. خصوصا فى أفريقياً.. ولو ضرب مشروعه لا قدر الله «مصر سترجع للورا قوى». أنا أرى «السيسى» من العشوائيات، هذه الطبقة لم يكن هناك أحد ينظر إليها خلال 50 عاماً. ومن ربى ورعى سكانها هم نفس من ربوا «داعش»، ولكن ما حال بينهم وبين التطرف هو ما تبقى فيهم من الجين المصرى، أقصد الاعتدال. ولو تأخرنا عليهم أكثر لحدثت ثورة جياع كاسحة.
قلت ذات مرة إن الإسلام هو دين العلمانية. كيف ذلك؟
- هناك تعريفات مختلفة لهذه الكلمة، لكنها جميعاً تتفق على أن العلمانية تعنى «إعمال العقل والاحتكام للعلم فى تسيير أمور الدنيا». وبهذا المعنى فالإسلام هو دين العلمانية. وكل أمر جاء فى الإسلام من الثوابت وليس المتغيرات يتفق مع جوهر الفكر العلمانى.
{long_qoute_3}
لماذا لم تذكر حسن البنا ولو لمرة واحدة فى حوارنا الطويل؟
- لأن حسن البنا مجرد مردد لآراء الشيخ محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب.. والماسونية. وليس صاحب فكر خالص له.
ماذا أخذ «البنا» من الماسونية والشيخين رضا والخطيب؟
- أخذ من الماسونية «التراتبية والسرية»، ونظام البيعة السرى مثال على ذلك، وفى جماعة الإخوان دوماً هناك المرشد الظاهر والمرشد الخفى. وأخذ منها أيضاً مبدأ «من لم يكن معى فهو علىّ». وأخذ من محمد رشيد رضا الكثير من الأفكار والمبادئ ومنها «من يخالفنى فهو كافر». وأخذ مبدأ التقية من طائفة «الاثنا عشرية» الشيعية، وأخذ فكرة خطيرة من محب الدين الخطيب، فقد كان «الخطيب» يعتقد أن كل إمام تأتيه حالة إلهام يكون فيها على تواصل مع البارى.. أى تأتيه إشراقات من الله وهى فكرة تشبه مبدأ «ولاية الفقيه» وخطورتها أن الخروج على الإمام يصبح خروجاً عن الملة... وقد طور هذه الفكرة وبنى عليها لاحقاً سيد قطب.
وهل الإخوان يرفضون الخروج على الإمام؟
- نعم لا يخرجون على الإمام الذى بايعوه، وهم بذلك أكثر تطرفاً فى الخضوع للإمام من التيارات السلفية. فالسلفيون يمكن أن يخرجوا على الإمام لو خالف صريح النص، أما الإخوان فلا يخرجون، ومنطقهم فى ذلك أن الإمام أعلم بصحة ما يفعل. لاحظ أن معظم أتباع الجماعة من طلاب الكليات العملية مثل الطب والهندسة، ولا يمكن أن يدرس شخص الفلسفة وينضم أو يستمر معهم، ولذلك تركهم الشيخ محمد الغزالى. ويوسف القرضاوى نفسه خرج عليهم ولكن إغراء المال أعاده إليهم وأصبح منظراً لهم، وشعاره «تدفع كام علشان أقول إيه؟».
وكيف طور سيد قطب أفكار محب الدين الخطيب؟
- قسمنا إلى مجتمعين: دار الإسلام ودار المتأسلمة. نحن بالنسبة له متأسلمون يجب أن يُعاد تربيتنا لنرجع مسلمين مرة أخرى. وفكرة الحاكمية لله التى يرفض بمقتضاها أى تشريع أو قانون إلا بنص قرآنى أو فتوى من الإمام.
وسيد قطب أخذ هذه الأفكار من المفكر الهندى أبوالأعلى المودودى. أليس كذلك؟
- بلى. لكن «أبوالأعلى» تراجع عن بعض أفكاره فيما تمسك بها سيد قطب وطورها. وكان لديه إيمان كبير بفكرة ولاية الفقيه، واعتبر نفسه الفقيه أو المرشد الذى يجب أن يستمع له قادة ثورة 23 يوليو 1952، وجوهر خلافه مع جمال عبدالناصر هو انتقاد «عبدالناصر» له، فيما هو يرى نفسه فى منزلة أعلى ويجب أن يُسمع ويُطاع.
لماذا كانت بداية سيد قطب مختلفة كثيراً عن نهايته؟
- سيد قطب تنقل بين أفكار مختلفة، وكان دائماً متطرفاً فيها، فنفس الرجل الذى كتب عن «الحاكمية وجاهلية المجتمع» وكفرنا، كتب مقالاً ذات مرة بعنوان «أفخاذ ونهود»، خلاصته أن الشباب متعلق بالمجلات العارية، فلماذا لا نيسر له ممارسة الجنس؟!
هل هى نفس فكرة سلامة موسى؟
- نعم، ثم إنهما كانا صديقين، وهذا من المفارقات العجيبة. وتقديرى أن سيد قطب كان يعانى من عدم الاهتمام به فكرياً لأنه كان موجوداً فى عصر ضم نخبة كبيرة من المفكرين الكبار، وكان يقارن نفسه بعباس العقاد وطه حسين. ولم يجد من يقول له: «انت فين من دول؟»، خصوصاً أنه ممتلئ جداً بذاته ويكاد يقول فى كتاباته «أنا خسارة فى الناس دى ما أكتبه لها». ويبدو أن هذا السخط هو ما لفت إليه أنظار المخابرات الأمريكية التى استغلته جيداً، وسهلت له فرص السفر إلى أمريكا الذى يحيط بظروفه قدر كبير من الغموض.
هل ساعده بعض المسئولين فى السفر إلى هناك؟
- هذا كلام عام. لكن لا يوجد كلام دقيق عمن ساعده وكيف ولماذا؟ ليس هناك شخص واحد يعرف كيف سافر سيد قطب إلى أمريكا. ولا أعرف شخصاً واحداً اطلع على ملفاته فى مكتبة الكونجرس. وشخصياً كنت ذات مرة فى هذه المكتبة العملاقة وطلبت ملفه، بصفتى «باحثاً متخصصاً فى الفكر الإسلامى الحديث والمعاصر»، فقيل لى: «محظور لأسباب أمنية».
من أكثر المفكرين والمنظرين تأثيراً فى الشارع الإسلامى الآن؟
- سيد قطب طبعاً، فهو المؤسس لكل التيارات الجهادية. وأبوالأعلى المودودى الذى كان مشغولاً بفكرة «إقامة الخلافة» ودعا لحذف أى شىء فى المجتمع لم يأت فى القرآن وصحيح السنة، أى مبدأ «لا حاكمية إلا لله»، وأى تشريع مثل الأحزاب مثلاً لم يرد فى القرآن فهو باطل بمنطق «لا تشرع على الله». وهو بذلك عكس محمد إقبال وأبوالحسن الندوى، فكلاهما مرجعه الأساسى القرآن، لكنهما يؤمنان بأنه يمكن الاجتهاد فى تفسيره لإيجاد حلول لمشاكلنا المعاصرة، أما «المودودى» فيلتزم بالنصوص فقط.
وهناك طبعاً ابن تيمية، ولكنى أعتقد أنه مظلوم إذ أقحمت عليه كثير من فتاوى معاصريه. ولا تقنعنى أن من انتقد منطق أرسطو لعدم ملاءمته للواقع يقول بتكفير المجتمع.. ومؤسسو الفكر الوهابى المتشدد «محمد بن عبدالوهاب وبن عثيمين وبن باز» أيضاً ما زالوا مؤثرين فى الشارع الإسلامى.