نائب رئيس «المصرى للشئون الأفريقية»: مصر ستقود القارة سياسياً واقتصادياً وأمنياً.. وستشكل «حلقة وصل» بين العرب والأفارقة

كتب: أجرى الحوار: إمام أحمد

نائب رئيس «المصرى للشئون الأفريقية»: مصر ستقود القارة سياسياً واقتصادياً وأمنياً.. وستشكل «حلقة وصل» بين العرب والأفارقة

نائب رئيس «المصرى للشئون الأفريقية»: مصر ستقود القارة سياسياً واقتصادياً وأمنياً.. وستشكل «حلقة وصل» بين العرب والأفارقة

مصر «أم الدنيا» وأفريقيا «أم القارات» مصير مشترك ومستقبل واعد

روابط تاريخية، ومصالح اقتصادية، وعلاقات سياسية، تجعل من مصر وأفريقيا رقماً واحداً، المصير المشترك يجمعهما، وتواجههما تحديات مشتركة، وينتظرهما مستقبل واعد وآفاق واسعة فى التنمية. العلاقات المصرية الأفريقية مرت بمراحل «مد وجزر» اختلفت من حقبة إلى أخرى، لكنها شهدت طفرة هائلة على جميع المستويات خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبعد أن عانت مصر من مقعد «العضوية المجمدة» بالاتحاد الأفريقى عام 2013، وهو القرار الذى اتخذ عقب ثورة 30 يونيو، تولت مقعد رئاسة الاتحاد فى 2019، وهو القرار الذى وافق عليه رؤساء وقادة أفريقيا بالإجماع فى قمة أديس أبابا العام الماضى.

خمسة أعوام، سابقت فيها مصر الزمن لاستعادة دورها الريادى داخل القارة السمراء، فاستضافت على أرضها العديد من المؤتمرات والفعاليات الأفريقية الكبرى، أبرزها منتدى أفريقيا فى نسخاته الثلاث 2016 و2017 و2018، كما خصص الرئيس عبدالفتاح السيسى، أكثر من 30% من زياراته الخارجية إلى دول القارة.

مع رئاسة «القاهرة» للاتحاد الأفريقى لأول مرة.. « » تجرى سلسلة حوارات مع أهل الاختصاص

لم تتوقف رحلة استعادة الدور والمكانة داخل القارة السمراء عند هذا الحد، ولعبت مصر أيضاً خلال السنوات الأخيرة دور «الممثل الشرعى» لأفريقيا فى العديد من الهيئات والمحافل الدولية، فأخذت تتحدث بلسان الأفارقة وتدافع عن مصالحهم فى كل أرجاء العالم. الجهود الكبرى التى أعادت الدماء فى العروق المصرية الأفريقية، تكللت برئاسة مصر للاتحاد الأفريقى للعام الحالى، للمرة الأولى منذ تأسيسه فى 9 يوليو 2002.. «الوطن» أجرت سلسلة حوارات مع سياسيين ودبلوماسيين ومتخصصين فى الشأن الأفريقى، لرصد وتناول أهم الملفات على طاولة الاتحاد الأفريقى تحت رئاسة مصر، وأبرز التحديات، وآفاق التنمية الشاملة المشتركة التى تنتظر «أم الدنيا» و«أم القارات».

قال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، إن مصر قادرة على قيادة أفريقيا على جميع المستويات، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، خلال رئاستها للاتحاد الأفريقى 2019، مؤكداً أن الدولة المصرية يمكن أن تكون «حلقة وصل» بين الدائرتين العربية والأفريقية، لا سيما مع تزامن القمة العربية الأفريقية التى تعقد فى الرياض مع عام رئاسة مصر، وأضاف «حليمة» فى حواره لـ«الوطن» أن الملفات الثلاثة: السياسى والاقتصادى والأمنى، على رأس أجندة الاتحاد الأفريقى برئاسة مصر، مؤكداً أن مصر يمكن أن تصدر تجربتها الناجحة فى الحرب على الإرهاب للعديد من دول القارة، كما حذر من خطورة التدخل الخارجى، لا سيما الدور الخطير الذى تلعبه إيران وتركيا وقطر، وهى الدول التى وصفها بـ«محور الشر» الذى يهدد أمن واستقرار القارة، إلى نص الحوار:

من تجميد عضوية مصر فى 2013 إلى رئاسة الاتحاد الأفريقى فى 2019، فى رأيك كيف عادت مصر إلى أفريقيا؟

- مصر عادت إلى أفريقيا بالفعل، وهذه العودة جاءت بفضل جهود سياسية ودبلوماسية كبيرة بذلها الرئيس عبدالفتاح السيسى على مدار السنوات الماضية، وأعتقد أن هذا المستوى الرئاسى من الاتصالات هو المستوى الفاعل والمؤثر فى مستوى العلاقات المصرية الأفريقية والأفريقية الأفريقية، لأن القمم الأفريقية هى الأساس فى أى تحرك أو نتائج أو اجتماعات أو خطوات تنفيذية داخل القارة، وهو ما يعكسه تخصيص نحو 33% من زيارات الرئيس الخارجية إلى أفريقيا، إضافة إلى الدور المهم الذى لعبته الخارجية المصرية من اتصالات ولقاءات مكثفة لمناقشة جميع القضايا المتعلقة بالقارة، بالتالى كانت حصيلة هذه الجهود هى تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى بالإجماع فى 2019، وأيضاً اختيار مصر عضواً بلجنة الترويكا التى تضم رؤساء الاتحاد الأفريقى الحالى والسابق والمقبل للسنوات الثلاث المقبل. ومصر بحكم أنها دولة عربية مؤثرة وأيضاً أفريقية مؤثرة، فالعلاقات الأفريقية العربية أتوقع أن تزدهر الفترة المقبلة وسيكون لمصر دور مهم جداً على هذا المستوى.

{long_qoute_1}

هناك طموح دائم للربط بين الدائرتين العربية والأفريقية، هل ترى أن مصر قادرة على القيام بهذا الدور؟

- بالطبع، خاصة أنه من حسن الحظ أنه من المقرر عقد قمة عربية أفريقية فى الرياض قريباً، وسيكون لمصر دور كبير فى هذه القمة، فمصر عليها مسئولية كبيرة وسيكون عليها دور كبير فى الربط العربى الأفريقى، لأنها دولة هامة فى محيطها العربى وداخل الجامعة العربية، وأيضاً تشكل بوابة لاتصال أفريقيا بالعالم وتحديداً آسيا والمنطقة العربية. مصر حلقة وصل بين العرب والأفارقة، وهذا الدور سيكون مهماً جداً وسيؤتى ثماره الكثيرة لكل الأطراف، سواء مصر أو أفريقيا أو الدول العربية التى من بينها 10 دول أفريقية عربية.

البحر الأحمر يعتبر منطقة عربية أفريقية، كيف يحدث الاستغلال الأمثل لهذه المنطقة؟

- منطقة البحر الأحمر تعتبر بحيرة عربية أفريقية، فلها ساحل عربى وآخر أفريقى، وهى حلقة وصل بين المنطقتين العربية والأفريقية، هذا يترجم بلغة السياسة والاقتصاد فى أن يكون هناك تعاون عربى أفريقى فى كافة المجالات، ومؤخراً كانت هناك دعوة لإنشاء منظمة للأمن والتعاون فى البحر الأحمر، وكان لمصر دور كبير فيها، كما أعلنت السعودية عن إنشاء كيان للبحر الأحمر، بهدف تعزيز أوجه التعاون السياسى والاقتصادى والبيئى والأمنى. ومنطقة البحر الأحمر منطقة استراتيجية فى غاية الأهمية ومصر تعى ذلك تماماً، ودورها فى هذا الربط الأفريقى العربى سيكون رائداً، وهنا أيضاً يجب أن نشيد بالدور السعودى والإماراتى فى ضخ استثمارات داخل القارة الأفريقية ومساعدة بعض دول القارة على التنمية، واستطاعت السعودية والإمارات أداء دور إيجابى فيما يتعلق بالتنمية والاستقرار فى دول حوض النيل ذات التماس.

فى رأيك، ما أهم الملفات على أجندة الاتحاد الأفريقى برئاسة مصر العام الحالى؟

- هناك ثلاثة ملفات رئيسية على أجندة الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقى 2019، وهى: الملف الأمنى والملف السياسى والملف الاقتصادى، ولا بد أن تسير الجهود المصرية الأفريقية فى مسارات متوازية. فالسياسة والاقتصاد لا يفترقان، وأيضاً الجوانب الأمنية مهمة من أجل أوضاع سياسية مستقرة وتنمية اقتصادية مستدامة، فمن خلال رؤية شاملة مصر ستقود عملية التنمية المستدامة فى أفريقيا وستقود أيضاً العملية السياسية لتسوية بعض النزاعات السياسية الموجودة فى أماكن متفرقة داخل القارة، وأيضاً ستقود عملية الأمن لمواجهة الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة، خاصة مع انتشار الجماعات الإرهابية فى أفريقيا، فهناك جماعة بوكوحرام وداعش والقاعدة وجيش الرب وغيرها، ومصر بإذن الله مؤهلة وقادرة على أداء هذا الدور القيادى على المستويات الثلاثة.

عدّدت بعض الجماعات الإرهابية الموجودة داخل أفريقيا، هل هذه الجماعات حجر عثرة أمام تحقيق التنمية والاستقرار بالقارة؟

- بالطبع هى تمثل حجر عثرة، لأن الأمن والاستقرار أحد الشروط الأساسية لعملية التنمية المستدامة، ومصر كان لها دور كبير فى طرح رؤية كاملة لمواجهة الإرهاب فى القمة الإسلامية الأمريكية التى عقدت فى الرياض 2017، كما أنها طرحت رؤية لمواجهة مشكلات العنف والهجرة غير الشرعية داخل أفريقيا خلال القمة الأفريقية الأوروبية التى عقدت فى النمسا، إضافة إلى أن مصر قادرة على تصدير تجربتها الناجحة لدول القارة فى مواجهة الإرهاب والقضاء عليه ومن ثم إزالة حجر العثرة الذى تحدثنا عنه من أجل الاستقرار والتنمية.

{long_qoute_2}

البعض يرى أن هناك تكالباً دولياً على أفريقيا بهدف عدم تعافيها وإبقائها على النزاعات والمشاكل التى تعانى منها، ما صحة ذلك؟

- بالتأكيد هناك حالة تنافس على أفريقيا من بعض الأطراف الدولية لأغراض سياسية واقتصادية، مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، خاصة أن أفريقيا تمتلك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية والثروات، وهناك أيضاً حالة تكالب على أفريقيا من أطراف إقليمية أخرى، مثل تركيا وإيران وقطر، وهذه الدول الثلاث هى محور شر يشكل خطورة على الأمن والاستقرار فى منطقة البحر الأحمر وأفريقيا، فالتدخل الخارجى سبب للأزمات الموجودة فى أفريقيا، ويجب مواجهته، خاصة الدور التركى والإيرانى، فوجود تركيا وإيران فى كثير من الأماكن داخل أفريقيا سبب لأزمات عديدة ظهرت وتفاقمت مؤخراً.

ما ملامح هذا التهديد الذى تشكله إيران وتركيا وقطر داخل أفريقيا؟

- إثارة النزاعات السياسية ونشر الفوضى ومحاولة التأثير على مواقف بعض الأطراف وتوجهات دول أفريقية بعينها ومساندة الميليشيات الإسلامية المتطرفة، وهذا الدور موجود مثلاً فى الصومال، وموجود أيضاً فى ليبيا، وحاولوا ممارسته فى أزمة سد النهضة بإثيوبيا، وهذا المحور الإيرانى التركى القطرى يأخذ موقفاً معادياً تجاه مصر والمصالح الأفريقية والعربية. {left_qoute_1}

وكيف يمكن لأفريقيا تحديداً مواجهة «محور الشر» الإيرانى التركى القطرى؟

- من خلال توحيد المواقف ورفع درجة التنسيق فى جميع المجالات، وأعتقد أن منطقة حوض النيل بالأخص، وتحديداً مصر والسودان وإثيوبيا التى تطورت علاقاتها بمصر مؤخراً بصورة كبيرة، يمكن أن يقدموا هذا النموذج للقارة من خلال تشكيل كيان يضم الدول الثلاث ويساهم فى تحقيق وحماية المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، بما فى ذلك إدارة ملف المياه، خاصة أن فرص التفاهم حالياً بين مصر وإثيوبيا أكبر من أى وقت مضى، ومع نجاح هذا الكيان يمكن أن يضم دولاً أخرى من القارة، وهذا يساعد فى حماية أفريقيا من أى تدخلات غير مرغوبة.

وما مكاسب هذا الكيان الذى تقترح إنشاءه بين مصر والسودان وإثيوبيا؟

- مكاسب عديدة جداً، فى مقدمتها المكاسب الاقتصادية، فمصر تستطيع أن تشارك بخبراتها ومواردها البشرية مع الموارد الطبيعية الموجودة فى السودان وإثيوبيا اللتين تتمتعان بثروات ضخمة، وهذا الكيان يمكن أن يعظم تلك الثروات، إضافة إلى المصالح السياسية والأمنية المتبادلة التى يحققها هذا الكيان الذى آمل أن يتحقق.

قلت إن مصر يمكن أن تصدر تجربتها فى مواجهة الإرهاب إلى دول القارة، ما الخبرات الأخرى التى ترى أن مصر يمكن أن تقدمها لأفريقيا؟

- يمكن أيضاً أن تنقل خبرتها فى تدعيم البنية التحتية من طرق وكبارى وسدود وموانئ ومطارات وطاقة كهربية، فمصر قطعت خطوات كبيرة على هذا المستوى واكتسبت خبرات عظيمة يمكن أن تنقلها لدول القارة من خلال مشروعات عملاقة، مثل مشروع طريق القاهرة - كيب تاون، والطريق الملاحى الذى يربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط، وأيضاً يمكن إنشاء شبكة كهرباء تربط العديد من دول القارة، وإذا انتقلنا لملفات أخرى اجتماعية، فمصر تستطيع نقل تجربتها فى تمكين المرأة للمناصب القيادية، فمصر تشهد عدداً غير مسبوق من المناصب النسائية، سواء على مستوى وزير أو محافظ أو نواب برلمانيين، وهناك مشاركة نسائية مصرية ملموسة فى جميع المناسبات الوطنية، وكذلك ملف تمكين الشباب للقيادة وخلق قنوات جديدة للتواصل مع الأجيال الأصغر سناً، ورأينا نجاح تجربة مؤتمرات الشباب، ثم منتدى شباب العالم، ومنتدى شباب أفريقيا الذى نظمته مصر وحقق نجاحاً كبيراً.

هل بناء القدرات داخل أفريقيا يمكن أن يكون دوراً مصرياً أيضاً لخدمة دول القارة؟

- بالطبع، فمصر بالفعل تقوم بدور مهم جداً فى ملف بناء القدرات داخل القارة الأفريقية، وهذا دور فى غاية الأهمية لأنه يوفر القيادات التنفيذية والإدارية والسياسية المختلفة التى تستطيع أن تدفع بلادها للأمام، وبدأت فيه مصر منذ إنشاء الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع أفريقيا عام 1980، وحالياً تحول إلى الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التى أُنشئت فى الأول من يوليو 2014، وهى تهتم بمجالات الصحة والتعليم والتدريب داخل القارة، ومصر بالفعل مكنت العديد من القيادات الأفريقية للقيادة من خلال عمليات تأهيل وتدريب جادة، وهذا الدور يستحوذ على نصيب كبير من اهتمام الرئيس السيسى حالياً، وظهر فى أكثر من توصية مختلفة، منها مشروع تدريب 10 آلاف قائد مصرى وأفريقى.

هل ترى أن النزاعات السياسية واحد من التحديات التى تواجه أفريقيا ويمكن لمصر أن تلعب دوراً مهماً فيها خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى؟

- النزاعات السياسية منتشرة داخل عدد من دول القارة، وهى بالتأكيد أحد أهم الملفات على طاولة الاتحاد الأفريقى، لأن الاستقرار السياسى هو مدخل أى عملية تنمية وكذلك مواجهة العنف والإرهاب، فلا يمكن أن تحل مشكلاتك بدون درجة كبيرة من الاستقرار السياسى، مثل الأوضاع فى الصومال، والأوضاع فى ليبيا، والأوضاع فى جنوب السودان، وأعرف أن مصر لها دور محورى فى حل وتسوية هذه القضايا منذ أن استعادت دورها خلال السنوات الخمس الماضية، وسيتعاظم هذا الدور خلال رئاسة الاتحاد الأفريقى بلا شك، وهى مهمة ثقيلة بلا شك، لكنها ضرورية جداً. {left_qoute_2}

نتحدث عن استعادة مصر لدورها فى أفريقيا، لكن لماذا فقدت مصر هذا الدور من الأساس فى أوقات سابقة؟

- مصر لم تكن موجودة بالشكل المنشود فى أفريقيا خلال فترة سابقة، وهناك دول أفريقية أخرى ظهرت ونشطت بدرجة كبيرة ومؤثرة، فبدا الدور المصرى ضعيفاً فى هذه الأثناء، وهذا لا نلوم فيه إلا أنفسنا، لكنى أحب أن أوضح هنا أن التحرك المصرى فى أفريقيا لم يتوقف كلياً كما يتصور البعض خلال فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك، فكان هناك نشاط وتحرك لكنه للأسف الشديد كان على المستوى الأدنى وبالتالى لم يحقق النتائج الإيجابية المنشودة.

متى بدأ هذا التراجع تحديداً؟

- تحديداً منذ عام 1995، حيث وقعت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق مبارك فى أديس أبابا بإثيوبيا، ومنذ هذا التاريخ حدث نوع من توقف الاتصالات على المستوى المطلوب، واقترح وقتها بديل تمثل فى اجتماعات القمة الأفريقية المصغرة، حيث تقام أكثر من قمة أفريقية تضم عدداً محدوداً من الدول، لكن أيضاً هذا البديل لم يسر فى طريقه المنشود، ولم تمكن هذه السياسة الجديدة التى تبنتها مصر مع هذا التاريخ من الحفاظ على دورها داخل القارة والإبقاء على تأثيرها الكبير الذى كان موجوداً مثلاً خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبدالناصر، الذى كانت مصر فيه هى القائد الأول للقارة بدون منازع، أو حتى فترة حكم الرئيس السادات الذى استطاع أن يحصل على دعم أفريقى كامل فى حرب أكتوبر ضد إسرائيل. الرئيس الأسبق مبارك خفض مستوى التحرك الأفريقى لمصر وقلل النشاط المصرى داخل القارة عن المستوى المطلوب، وتزامناً مع هذا التراجع المصرى ظهرت قوى أفريقية أخرى حققت نشاطاً كبيراً على مدار السنوات الماضية.

على المستوى الشعبى ما زال البعض يظن أن أفريقيا عبارة عن مناطق متفرقة من الغابات والصحراء بدون أى مظاهر تقدم، هل نحن فى حاجة لإعادة نظرتنا لأفريقيا؟

- بالتأكيد نحن فى حاجة لتغيير هذه النظرة التى لم تعد موجودة من الأساس، أفريقيا أصبحت قبلة لاستثمارات كبرى دول العالم، وتشهد حالياً معدلات نمو مرتفعة، وثورة تكنولوجية فى العديد من الدول، وقبل ذلك نحن فى حاجة لتأكيد أن مصر دولة أفريقية من حيث الموقع والانتماء والتاريخ، مصر أفريقية بروافد عديدة، وهذا أمر غير قابل للنقاش، بل إن الظروف الحالية تستوجب أن ننظر إلى الدائرة الأفريقية نظرة متصلة بالدائرة العربية، حيث يحدث الترابط الضرورى والملح حالياً، الذى سيضع أفريقيا فى مكانة عظيمة أمام العالم كله.

خلال القمة الأفريقية الأوروبية فى النمسا، دعا الرئيس السيسى دول أوروبا لضخ مزيد من الاستثمارات فى أفريقيا، هل تعتقد أن أوروبا راغبة فى مساعدة أفريقيا بالفعل؟

- هناك مبدأ معروف وهو أن السياسة مصالح، كافة الدول تبحث عن مصالحها الخاصة بالدرجة الأولى، ونحن نعلم أيضاً أن سياسة المساعدات ليست سياسة نافعة ومفيدة لأفريقيا، فنحو 40% من الناتج القومى الأفريقى يذهب لخدمة ديون وفوائد هذه المساعدات، وبالتالى على القارة الأفريقية والمنطقة العربية التعاون فيما بينهما، ودور الدول الأوروبية هو توجيه استثمارات أكبر لأفريقيا وليست مساعدات تحمل معها أغراضاً سياسية ومواقف يريد البعض إملاءها على دول القارة، دعوة الرئيس السيسى كانت ذكية وهو تحدث عن استثمارات وليس مساعدات تأتى بشروط سياسية، وهذا ما تحتاجه أفريقيا، وعلى أوروبا أن تؤكد حرصها على دعم القارة من خلال ضخ استثمارات حقيقية، لأنها قارة المستقبل.

{long_qoute_3}

ولماذا تعتبر أفريقيا «قارة المستقبل» فى رأيك؟

- أفريقيا قارة المستقبل لما تمتلكه من ثروات معدنية وحيوانية وبحرية، وبما لديها من إمكانيات وموارد ضخمة جداً لم تستغل حتى الآن، هذا الوصف دقيق، الصومال على سبيل المثال لديها 3330 كيلومتراً على الساحل، أى لديها ثروة بحرية كبيرة جداً، ولديها بترول ويورانيوم، تشاد أيضاً تملك كميات كبيرة من اليورانيوم ولديها ثروة حيوانية وزراعية، السودان لديها ثروة حيوانية وزراعية ضخمة جداً، كما أن أفريقيا تعتبر سوقاً واسعة لتداول المنتجات والسلع، ومؤهلة لتحقيق معدلات عالية من النمو من خلال صناعات عديدة واستثمارات فى مجالات مختلفة، بداية من البنية التحتية وصولاً إلى الصناعة والزراعة والإنتاج الحيوانى.

وما الأهمية التى تحملها أفريقيا بالنسبة لمصر على وجه التحديد؟

- أفريقيا تمثل لمصر المجال الحيوى للاقتصاد المصرى بل للمصالح المصرية عموماً، ومصر أيضاً تعتبر مجالاً حيوياً للاقتصاد الأفريقى، فمن الصعب إنتاج سلعة للمنافسة بها فى أوروبا، لكن يمكننا إنتاج سلع عديدة ننافس بها داخل أفريقيا، والاستثمار داخل أفريقيا أسهل بكثير من الاستثمار فى أوروبا، والإنتاج المصرى والإنتاج الأفريقى يمكن أن يتم تبادله والتكامل بين الجانبين، فإذا بحثنا عن كل ما تتمتع به دولة أفريقية فى مجال معين يمكن أن ننقل اقتصاد القارة الأفريقية من اقتصاد تنافسى إلى اقتصاد تكاملى، وهذه ليست مهمة الاقتصاديين فحسب، لكنها قبل ذلك مهمة السياسيين والقادة، ومصر قادرة على أداء هذا الدور، وأهمية أفريقيا لمصر ليست اقتصادية فحسب، لكنها أمنية وسياسية أيضاً كما أشرنا مسبقاً.

لكن أخيراً يبقى السؤال الذى يشغل كثيرين، هل أفريقيا قادرة على مواجهة تحدياتها -وهى كثيرة- للانطلاق إلى هذا المستقبل الواعد؟

- بالتأكيد، فأفريقيا قادرة على مواجهة تحدياتها فى ظل الظروف الحالية ورئاسة مصر للاتحاد الأفريقى وما يمكن أن تحققه مصر من تعزيز للعلاقات الأفريقية الأفريقية والأفريقية العربية وأيضاً الأفريقية الأوروبية، وهناك آليات وبرامج موجودة بالفعل تمكن أفريقيا من مواجهة كل التحديات مثل الإرهاب والعنف ومشكلات البنية التحتية والنزاعات السياسية، فالحلول متاحة ومعروفة وحدثت حولها نقاشات واسعة وصدرت بها توصيات وبرامج، لكن المطلوب هو تفعيل هذه التوصيات والبرامج والآليات، ومصر بقيادتها السياسية الحالية وبثقلها التاريخى والحضارى وبدورها كحلقة وصل أفريقى عربى أوروبى، تستطيع أن تفعّل هذه الآليات للمشاركة بشكل أكثر إيجابية لمواجهة جميع التحديات والتهديدات والتغلب عليها.


مواضيع متعلقة