سيد مكاوى.. تراث المسحراتى فى خطر
سيد مكاوي
٢١ أبريل ١٩٩٧، منزل مصرى أصيل محاط بغيمة من الحزن، العشرات يتتابعون على المنزل لعزاء قاطنيه فى مصاب لم يكن مصابهم منفردين، بل هو مصاب الشعب المصرى، اليوم رحل سيد مكاوى، «مسحراتى مصر» الذى سهر المصريون ليالى عدة على نغمات عوده الكمثرى الشهير بصوته الساحر المميز، لكن وسط حالة الحزن لم يراع أحدهم حرمة الموت أو ربما كان حبه لمكاوى دافعاً لأن يغيب عقله ويسطو على آخر نظارة سوداء رافقته فى آخر لحظاته، ذهبت النظارة لتلحق بعوده الشهير والفريد الذى صُنع خصيصاً له، وهو الوحيد الذى عزف عليه قبل أن يطمع فيه من أؤتمن عليه لإصلاحه، وذهب كلاهما بلا رجعة.
«ثلاثة أماكن لا تزال تحوى عبقه، منزلان فى القاهرة، والثالث فى الإسكندرية، أغلب ما فيها على حاله، منذ غادرنا فى رحلة سفره الأبدية، وما زلنا نشتم عبيره فى غرفة كانت تشهد جلسات سمر بين الحين والآخر، وتجمع نجوم الأدب والفكر والفن جنباً إلى جنب مع البسطاء ممن كانوا يجدون فى تلك الجلسات نافذة على عالم من الإبداع»، هكذا قالت أميرة سيد مكاوى، وتابعت نجلة الفنان الراحل.
وأضافت «أميرة»: ما زال مكتبه، أو ما اصطلحنا على تسميته بالمكتب، وإن كان لا يحوى مكتباً، مثلما تركه، نظارته بجوار عوده، بجوار طبلة المسحراتى الشهيرة، دواوين رفقائه، فؤاد حداد، وجاهين، مسودات مكتوبة بخط اليد لأغان لحنها، أرشيفه الصحفى وكل قصاصة كُتبت عنه، وكتب قرأتها له، وتتابع ابنة «مسحراتى الفن»: «للأسف كل ذلك سيكون طى النسيان فى يوم ما، أعتقد أنه قريب، فى ظل جيل لا يعرف قيمة تلك الرموز، ووزارة ثقافة تتجاهل رموزها، ولم يكلف أى من وزراء الثقافة الحاليين أو السابقين نفسه عناء سؤالنا إذا كنا سنرحب بمنح ما نملكه لمتاحف بدلاً من افتراض، وهو افتراض خطأ، أننا سنرفض، أو أن ذلك سيدخلهم فى خلافات مع الورثة، وأرجو أن تتحمس مؤسسات المجتمع المدنى ورجال الأعمال لحفظ تراث فى طريقه للضياع، ما لم ننتبه». والآن تعوم «أميرة»، على حد قولها، «فى بحر جمع أغانيه وألحانه، ما بين الإذاعة التى قامت فى التسعينات ضغطاً للنفقات بالتسجيل على أشرطة موجودة، ولولا أحد الأشخاص نبهنا لكانت عشرات الأغانى ذهبت بلا رجعة، وبين جمعية الملحنين لجمع تراثه المسجل، وبالصدفة اكتشفت مؤخراً أغنية مجهولة له غناها بصوته، حتى إنها ليست من ألحانه، ولا أعرف تماماً هل انتهينا من جمع تراثه المسجل أم أنه يوجد المزيد.. أكثر ما يحزننى أننا اكتشفنا أن هناك عشرات المسرحيات الهامة لم تصور، منها طائرة الطباشير القرمزية، والرجل الطيب، وغيرهما، والمشكلة أننا لو أردنا إحياء تلك الأغانى لن نجد ألحاناً لها، فلا يوجد مرجع، وحتى المسحراتى الموجود منها ٣٠ تسجيلاً من أصل ١٣٠ حلقة، والباقى ضاع، كل ذلك يحتاج جهوداً من ماسبيرو وإدارة الموسيقى بدار الوثائق، لنعيد إحياء ذلك بدلاً من ترك شبابنا ضحية لمجدى شطة وحمو بيكا».