الأقارب و«المهتمون» يطالبون بحماية تراث المبدعين
![رجاء الجداوى](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/3830640501548868542.jpg)
رجاء الجداوى
فى مصر نفتخر بتاريخنا، إلا أننا لا نفعل ما يُلزمنا به هذا الفخر، نتباهى بتاريخ وآثار أجدادنا الفراعنة، بينما ينقب مئات الآلاف عن كنوزهم بحثاً عن الثراء السريع، نخلد ذكرى نجومنا فى الأدب والفنون والعلوم والثقافة والفكر، ولا نقدر مقتنياتهم، بل نتركها فى يد من يعبثون بها.
ورغم أن التاريخ المصرى يزخر برموز أضافوا كثيراً لقوتها الناعمة، وتركوا خلفهم مقتنيات، لو اهتمت بها الحكومة والمجتمع لحصدنا من ورائها الكثير، مالاً وقيمة ثقافية، إلا أن أحداً لم يهتم بإرث هؤلاء، فكثير منه اندثر وتفرق دمه بين ورثة، لم يعِ بعضهم قيمة ما بين أيديهم، واضطر البعض الآخر إلى بيعه تحت ضغط الحياة الصعبة، ليخرج هذا الإرث العظيم من مصر، ليزين بيوت أثرياء الخليج، فى غفلة من الجميع.
فى النهاية ومع مرور الزمن خسرنا تراثاً فريداً لا يتكرر، وسط تجاهل ولا مبالاة حكومية، وتغافل من وزارة الثقافة، التى اكتفت بما لديها من متاحف، وقررت التخلى عن مقتنيات الرموز. ورغم أن الوزارة كان لديها مشروع لمتحف يحمل اسم «رموز مصر»، اختارت لموقعه المنطقة المستغلة كجراج بدار الأوبرا، إلا أن هذا المشروع كان مصيره النسيان، حتى إن أحد الوزراء السابقين قرر وقفه قبل أن يبدأ بحجة أنه لا يريد الدخول فى خلافات مع الورثة.
رجاء الجداوى: فايز حلاوة طرد «كاريوكا» بملابس البيت وحتى الآن لا نعرف مصير ممتلكاتها
الفنانة رجاء الجداوى تساءلت عن مصير متعلقات خالتها الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا؟ مؤكدة أن «الراقصة والفنانة، التى تعد واحدة من رموز الفن المصرى، خرجت من بيتها فى حى الزمالك بملابس النوم، يوم أن طلقها الفنان فايز حلاوة، وتركت كل ما يخصها بالكامل فى هذه الشقة».
وأضافت: «بعدها استقرت خالتى فى الشقة المفروشة، التى اشترتها لها صديقتها الكويتية، وكانت جاهزة بالكامل، واستمرت القضايا بينها وبين (حلاوة)، فترة طويلة، ولم تتمكن من استرداد ما كان لها بالشقة الأولى».
أسماء الطاهر: نبحث عن مقتنيات والدى منذ مات.. ونناشد أصدقاءه: ردوا لنا «أى حاجة من ريحته»
وعن رمز آخر، وهو الأديب الكبير يحيى الطاهر عبدالله، تقول ابنته «أسماء» إنها وشقيقتها لا تمتلكان أى متعلقات خاصة بوالدهما، مؤكدة: «بحثنا كثيراً عن أى أوراق مكتوبة بخط يده، خاصة أنه لم يكن يعترف بشكل كبير بفكرة الملكية، أو الأوراق الشخصية، بل كان يقرأ عند أصدقائه، وفى أى مكان، ولم يكن يمتلك مكتبة، حتى إنه لم تكن لديه بطاقة شخصية، وهذا عرضه لمشكلات كثيرة».
وأضافت: «والدى كان يسكن فى حجرة صغيرة، ولم نرجع إليها بعد رحيله بسبب الحادثة، وأعتقد أنه ترك أثراً منه عند أصحابه، لكن لا أحد يظهر ما عنده، وأتمنى أن يرد لى أصدقاؤه أى شىء من ريحته»، مشيرة إلى أن جريدة أخبار الأدب نشرت ملفاً خاصاً عن الأديب الكبير منذ فترة، وبعد النشر سلمتها صوراً من بعض أوراقه، لكنها لم تتوصل إلى الأصل، وستجدد محاولة البحث عما تركه، مرة أخرى.
«شعير»: مقتنيات نجيب محفوظ تزين قصور أثرياء الخليج
«مقتنيات الأدباء والفنانين تتعرض للتبديد والضياع، لعدم وجود أماكن مخصصة لحفظها، فمثلاً رأينا أوراق أديب نوبل نجيب محفوظ تعرض فى مزادات بلندن، كما أن كثيراً من هذه المتعلقات موجودة فى عدد من الدول العربية، وليس فى مصر»، هكذا بدأ الكاتب الصحفى محمد شعير، حديثه لـ«الوطن» عن أزمة ضياع المقتنيات، مضيفاً أنه يرصد ذلك فى الجزء الثانى من كتابه عن «محفوظ»، والذى يعده حالياً تحت عنوان «مخطوطات نجيب محفوظ». وأكد أن «مكتبة لويس عوض تعرضت للتبديد، بعد أن تم التبرع بها لجامعة القاهرة، لعدم اهتمام الجامعة بها، وكانت كتبها تباع فى سور الأزبكية، ومعظم مقتنيات أم كلثوم أيضاً خارج مصر»، مشدداً على أهمية أن تتبنى الدولة طرح الفكرة بجدية، وليس على غرار متحف نجيب محفوظ، وأن تسعى إلى شراء الوثائق من الأسر مباشرة، وتقبل التبرعات من الأسر، التى ترغب فى التبرع دون مقابل، ولا بد أن تقوم وزارة الثقافة بدورها فى الترويج لهذه الأماكن، وتتعاون مع وزارتى التعليم والجهات المختلفة، لتنظيم رحلات إليها.
وقال: «عندما أفكر فى الذهاب إلى أى من هذه الأماكن إما أجدها مغلقة مثل متحف سعد زغلول، وإما أواجه سلسلة إجراءات دخول معقدة، وفى تقديرى لا بد من إنشاء هيئة عليا للمتاحف تتولى هذه المهمة»، لافتاً إلى ضرورة دخول رجال الأعمال على هذا الخط، على غرار مبادرة نجيب ساويرس بإنشاء متحف للشاعر أحمد فؤاد نجم، فهذه المتاحف تدرّ دخلاً جيداً فى كثير من دول العالم، بشرط الدعاية لها بشكل جيد.
وقال الكاتب الصحفى محمد توفيق إن «بعض المتاحف تنقصها بعض المقتنيات مثل متحف الأبنودى، الذى افتتح فى احتفالية ضخمة، إلا أن الأعمال الكاملة للخال لم تكن موجودة، ولا الأوراق المكتوبة بخط يده»، مضيفاً: «صلاح جاهين كان يستحق متحفاً، ولدى أسرته كثير من المقتنيات، والمخطوطات بخط يده، وكنت أتمنى من دار أخبار اليوم أن تتبنى إنشاء متحف لأحمد رجب، فلا تزال الدار العريقة تحتفظ بكل ما كتبه فى بابه الشهير (نص كلمة)، ولقاءات الكاريكاتير مع مصطفى حسين، و(رجب) أحد الذين تعرضت مقتنياتهم للضياع بعد رحيل زوجته، لأنه لم يكن لديه ورثة، وقضى 55 سنة فى مؤسسة الأخبار». وأكد: «أكثر ما يؤرقنى مصير مكتبة أنيس منصور كان بها 70 ألف كتاب، و50 موسوعة علمية، أكبر من مكتبات كثيرة موجودة فى مصر، وللأسف بعض الورثة يتخلصون من الكتب بالبيع، ولأننى من عشاق مكتبات بيع الكتب القديمة بالأزبكية وجدت عشرات الكتب النادرة تحوى إهداءات من رواد الأدب والفكر، كان مصيرها البيع ولا نعرف ما مصير باقى تلك المكتبات».
من جانبه، قال أحمد عبدالفتاح، رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض، التابعة لقطاع الفنون التشكيلية، إن «إنشاء متحف للأدباء والفنانين فكرة عظيمة، وتستحق الدراسة»، ويحتاج ميزانية. وعما تدره هذه المتاحف من أموال، قال: أسعار تذكرة الدخول إلى هذه الأماكن تتراوح ما بين 5 و10 جنيهات، والوزارة تقدم أيضاً تخفيضات للطلبة والأسر، لكن لم نصل إلى نسبة الإقبال المرضية لنا، فزيارة هذه الأماكن تتطلب اهتماماً حقيقياً من المواطنين بما يرتبط بهذه الشخصيات، وكذلك وجود ثقافة متحفية لدى الجمهور، مشيراً إلى أنه فى الفترة الأخيرة بدأت نسبة الإقبال فى الزيادة، ونحن نعمل على زيادة الدخل بإضافة أنشطة أخرى لكل مكان.
وأشار رئيس إدارة المتاحف إلى أن الوزارة على استعداد لتلقى أى من المقتنيات الشخصية والمتعلقات الخاصة بأى فرد من أسرة المبدعين، وستوجهها إلى المكان الأنسب لحفظها، سواء فى القطاع أو فى صندوق التنمية الثقافية، أو حتى توجه إلى دار الكتب والوثائق، لتوضيح طريقة الحفظ السليمة المناسبة.
من جانبه، أكد الدكتور فتحى عبدالوهاب، رئيس صندوق التنمية الثقافية، أنه راجع جميع المشروعات الموجودة بالصندوق، سواء تلك التى بدأ تنفيذها، أو التى لا تزال فى طور الإعداد، عقب توليه منصبه منذ عام، ولم يجد مشروع متحف «رواد مصر» أو «رموز مصر» ضمن هذه المشروعات، مضيفاً: «تلك فكرة تستحق التنفيذ وسأعاود البحث عن رسومات ومشروع فكرة المتحف ونحاول تنفيذه».