ريادة الأعمال.. والاستثمار فى الخيال!

فى بداية العقد الرابع من القرن الماضى.. كان الموعد مع أحد الذين لا تصبح الحياة بعدهم كما كانت قبلهم مطلقاً.. كان الموعد مع «جوزيف شومبيتر».. الاقتصادى النمساوى الذى أطلق لأول مرة مصطلح «ريادة الأعمال».. ومن وقتها أصبح ذلك المصطلح هو أهم أعمدة الاقتصاديات الناشئة على مستوى العالم.. وأهم ركيزة ينطلق منها النمو المطرد لاقتصاديات العالم الثالث التى تسعى للوقوف بجانب الكبار.. لقد عرف «شومبيتر» رائد الأعمال بأنه هو ذلك الشخص الذى لديه الإرادة والقدرة لتحويل فكرة جديدة أو اختراع جديد إلى ابتكار ناجح، وبالتالى فوجود قوى روّاد الأعمال فى الأسواق والصناعات المختلفة ينشئ منتجات ونماذج عمل جديدة. ويساعدون الاقتصاد بوجه عام على المدى الطويل..!

ومع تطور علم الاقتصاد.. وإدراك أهمية هذه النماذج.. ظهرت للوجود تلك الشركات التى تعمل على استقطاب الأفكار الجديدة وتمويلها لتصبح واقعاً.. مع توقيع عقود شراكة مع أصحابها للاستفادة من الربح المتوقع على المدى البعيد.. تلك الشركات التى تعرف باسم «start up incubator».. أو «حاضنات رواد الأعمال»!

وعلى الرغم من أهمية النظر بعين الاهتمام لريادة الأعمال فى مصر.. ومساعدتها لتصبح أحد مصادر النمو الاقتصادى فى مصر.. إلا أن الأمر كان بعيداً عن فكر الحكومات المتعاقبة لعقود طويلة.. حتى تم إنشاء الصندوق الاجتماعى فى عام ١٩٩١.. تلك الهيئة التى كانت أهدافها وقتها أنها تسهم فى محاربة البطالة والتخفيف من حدة الفقر.. وتحسين مستويات المعيشة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.. وقد تم تكليف الصندوق الاجتماعى خلال فترة عمله بمساندة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.. وأستطيع أن أقول بمنتهى الثقة إنه -بمعايير عصره وقتها- نجح إلى حد كبير فى تمويل ومساعدة العديد من المشروعات التنموية والخدمية.. وساهم فى صنع نهضة حقيقية فى القطاع الخاص الذى كان ما زال يتحسس طريقه فى السوق المصرى بمعاييره الجديدة عقب عصر الانفتاح..!

ثم قامت الحكومة الحالية بتطوير فكرة عمل الصندوق لتواكب العصر.. فتم تغيير المسمى لـ«جهاز تنمية المشروعات».. ونقل تبعيته إلى رئيس الوزراء مباشرة.. الوضع الجديد ربما كان أفضل مما كان عليه.. إلا أن الصورة كلها لا تزال تحمل الكثير من التحفظات التى ينبغى أن يتم التغلب عليها.. لقد كان من المفترض أن يقدم الجهاز بشكله الجديد طفرة فى دعم المشروعات الصغيرة.. وأن يشكل فريقاً جديداً بفكر شاب متجدد يواكب العصر.. وأن يصبح قبلة الشباب الباحثين عن فرصة للعمل والاستثمار فى القطاع الخاص بعيداً عن هيكل الحكومة المترهل.. إلا أن ضعف القيمة المالية للقروض.. وصعوبة شروط التقدم لها ظلت حائلاً أمام الأفكار الجديدة.. والابتكارات من خارج الصندوق.. الأمر الذى يجعل هؤلاء الشباب تحت رحمة هذه الشركات الخاصة الأخرى.. التى تخضعهم لعقود قاسية الشروط.. ربما تنزع منهم حقوق المشروع برمته فى حال نجاحه!!

تحتاج مصر إلى مبادرات أكثر تأثيراً.. وإلى تطبيق عميق لمفهوم ريادة الأعمال.. ربما كانت هناك محاولات تتم مثل مبادرة «فكرتك شركتك» التى أطلقتها وزارة الاستثمار.. وما تقدمه وزارة الاتصالات عبر صندوق تنمية التكنولوجيا.. إلا أن الأمر ما زال يحتاج للمزيد.. يحتاج أن يتم تبنى مشروعات الشباب من قبل جهاز تنمية المشروعات بمفهومه الجديد.. أن تفتح لهم الأسواق لينجحوا أو يفشلوا ويعيدوا الكرة لينجحوا مرة أخرى.. يحتاج أن يتم الصبر عليهم حتى يتحولوا إلى أصحاب أعمال بدلاً من باحثين عن فرص للعمل.. يحتاج الوطن أن يستثمر فى الأفكار والخيال والأمل.. فهو السبيل الأقرب للنجاح..!