«إبراهيم».. اللهم لا تجعله بين جثث المشرحة

كتب: دارين فرغلى

«إبراهيم».. اللهم لا تجعله بين جثث المشرحة

«إبراهيم».. اللهم لا تجعله بين جثث المشرحة

تبحث فى كل مكان عنه فلا يأتيها جواب لا بالنفى ولا بالإثبات، تنظر فى عيون أبنائها الأربعة فتجد بداخلهم أسئلة لا تنتهى: «أين أبى؟ وماذا حدث له؟ هل مات؟ هل فقد؟ هل هو مخطوف؟ هل سيعود؟»، فلا يجدون منها إجابة غير الصمت، هذا هو حال أم عبدالرحمن منذ خرج زوجها يوم 28 يناير متجها إلى ميدان التحرير. تذكر الزوجة جيدا آخر مشهد له معهم فى المنزل، كان إبراهيم السعيد أحمد سيد يجلس أمام التليفزيون يتابع أخبار ما يحدث فى التحرير، لم يصدق عينيه حين رأى شبابا تقف أمام جحافل الأمن المركزى تنادى: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، سمع عن قتلى ومصابين، قال لها: «سأذهب إلى هناك، لا تخافى سأعود سريعا، فقط سأذهب لأشاهد عن قرب ما يحدث»، حاولت منعه دون أى جدوى، ربت على كتف ابنه الأكبر عبدالرحمن ذى الثلاثة عشر عاما وأوصاه على إخوته الثلاثة الصغار حتى يعود، ولكنه خرج ولم يعد. لم تترك الأم مكانا لم تبحث فيه عن زوجها، زارت المستشفيات والأقسام، دخلت المشرحة لتتفحص جثثا هنا وهناك، تنظر إليهم وتدعو الله ألا تجده بينهم ليظل الأمل بداخلها وحتى لا تعود لأبنائها بهذا الخبر، تسأل نفسها إذا لم يكن فى كل هذه الأماكن فأين إذن؟ تتمنى أن يأتيها خبر من هنا أو هناك أنه سجين لدى جهة ما، ولكنها تعود لتقول إن كان كذلك فلماذا لم يأتوا ليحققوا معنا هنا ويطمئنونا عليه؟ وإن كان استشهد فى أحداث التحرير فلماذا لم يبلغونا حين تعرفوا عليه من البطاقة التى كانت فى جيبه؟ يسألها البعض: «وهل كانت له ميول سياسية؟»، فترد: «مبلط سيراميك على باب الله ليس له فى الدنيا غير بيته وأبنائه». مجموعة من الصور تقلب فيها أم عبدالرحمن فى كل مرة يستدعيها أحد رجال الأمن بأحد أقسام الشرطة فلا تجد زوجها فيهم، تسمع منهم حينا: «قد يكون دفن مع الجثث المجهولة»، وحينا آخر تجد بعضهم يقولون لها: «قد يكون تزوج بأخرى وترك البيت بلا رجعة»، تصرخ فى وجوههم: «لا لم يفعل» و«أبدا لن أفقد الأمل». أما أخوه «محمد» فيتساءل: «إذا كانت الحكومات قد تغيرت فأى جهة تخفى مفقودى الثورة إذن؟»، يقول: «كنت أشك فى عمر سليمان، ولكن بعد موته تراجعت عن شكى، ولكنى ما زلت أسأل نفسى: أى جهة من الممكن أن تخفى كل هؤلاء؟ وكم من الحراس تحتاج لتبقى عليهم بعيدا عن الأعين؟». أما عن دور لجنة تقصى الحقائق فى البحث عن المفقودين فيقول «محمد»: «فى البداية عندما ذهبنا إليهم كان الكلام «حلو» وقالوا لنا سنبحث وسيعود إليكم أهاليكم فى أقرب وقت ممكن، ولكن الروتين كاد أن يفقدنا الأمل فى الوعود التى سمعناها فى البداية». مر اليوم على خروجه من المنزل ما يقرب من 19 شهرا، لم تترك الأم بابا إلا طرقته بحثا عن زوجها، وبرغم أن الأمل لا يزال يملأ قلبها، فإنها تأمل أن يعود إليهم سريعا، فهى لم تعتد يوما أن تخرج للعمل ولا تستطيع أن تترك أبناءها الصغار وحدهم، «ربنا بيكرم» جملة لم تفارقها كلما سألها أحد أبنائها: «وهنعيش إزاى ومنين؟»، و«إن شاء الله هيرجع» هى لسان حال الجميع. ملفات متعلقة محمد صديق.. سجين باسم مستعار «الوطن» تتذكر مفقودى الثورة فى ثالث عيد على اختفائهم «أحمد».. التلميذ يختفى فى عاصفة «عبير وفتنة إمبابة» «خلف».. سرّ هاتف القرية الذكية «أبو المفقودين»: الولد اغتصبوه فى السجن فقرر «ياخد حقه بإيده».. والبنت اختفت من المترو فى يوم «الداخلية» «زينب».. «صورة» تهزم المرض فى انتظار «الغائب» «حسن».. فى البيت أم مريضة بالكبد و3 بنات دون عائل لجنة تقصى الحقائق.. فى انتظار «الرئيس» ياسر.. وقائع اختفاء غامض فى يوم «محمد محمود»