«زينب».. «صورة» تهزم المرض فى انتظار «الغائب»

كتب: محمد الخولى

«زينب».. «صورة» تهزم المرض فى انتظار «الغائب»

«زينب».. «صورة» تهزم المرض فى انتظار «الغائب»

فقدت كل شىء فى سبيل البحث عن ابنتها التى اختفت فى أعقاب ثورة 25 يناير، لم تترك مكانا إلا وطرقته وهى تحمل صورتها تسأل عنها، الحاجة جندية محمد هجرس، التى هزمها المرض لكنه لم يهزم إصرارها على البحث عن ابنتها التى كانت تعينها وتقضى حوائجها وقت مرضها. تروى بالدموع ملابسات اختفائها قائلة: «أنا بنتى عندها 26 سنة واسمها زينب محمود خليفة محمود، ومعاها دبلوم تجارة، خرجت مع زميلاتها من البيت يوم 28 يناير لما المظاهرات اشتغلت عشان تنزل التحرير، ومن ساعتها مارجعتش البيت». تتذكر آخر مشهد جمعها بزينب وتقول: «قبل ما تنزل من البيت قلت لها أنا شلتلك قرشين عشان تشترى هدوم جديدة ليكى، قالت لى لما أرجع هابقى انزل اشترى، ومارجعتش».[Image_2] أماكن كثيرة ذهبت إليها للبحث عن آخر العنقود، أقسام الشرطة والمستشفيات والمشارح والأهل والأقارب، لكنها لم تصل.. «بادور على رجلى عشان أبحث عن بنتى كل يوم، وتعبت، أنا رحت كل مكان، كل مستشفى فى القاهرة، كل مشرحة، كل قسم شرطة، بامشى أكلم نفسى واسأل الناس». رحلة البحث الشاقة التى لم تنته حتى الآن، بدأت بتحرير 3 محاضر، الأول بقسم شرطة حلوان، والثانى بقسم شرطة مصر القديمة، والثالث بقسم شرطة المنيرة، ولم تسلم الحاجة جندية التى تبلغ 65 سنة من الإهانة أثناء بحثها، وتقول باكية: «الناس أهانتنى.. كل ذنبى إنى باحاول أوصل لبنتى». وتروى موقفا جمعها بأحد مأمورى أقسام الشرطة: «دخلت للظابط شتمنى وقالى: إزاى تسيبى بنتك تخرج من البيت؟ العيب عليكى انتى اللى ماربيتهاش، وماحدش ساعدنى ولا حاول يلاقى لى بنتى». عندما فقدت الأمل فى أن تجد ابنتها على قيد الحياة، ذهبت لتبحث عنا فى جميع مشارح القاهرة، تقول: «ذهبت لكل المشارح اللى فى القاهرة، مشرحة زينهم وكل مستشفى فيها مشرحة، وماكنتش باقدر ادخل اشوف بنتى وسط الجثث اللى فى المشرحة، وكنت أعطى الموظفين صورتها عشان يعرفوا شكلها ويدوّروا عندهم بس مالقيتهاش». كل ما بقى من ذكريات ابنتها، مجموعة صور وغرفة تحتوى على متعلقاتها، لكن القدر حرمها من هذه الأشياء، انهارت العمارة التى كانت تقطن بها فى حارة المراكبية بشارع القناية فى مصر القديمة، أثناء تلقيها العلاج بالمعهد القومى للأورام. وذهبت كل متعلقاتها ولم يبق لها شىء من «ريحة ابنتها»: «كنت باقعد فى الأوضة بتاعتها بارتاح، وأحس انها موجودة فى البيت وحوالىّ، كنت باغسل لها هدومها واطبقها وأحطها فى الدولاب، عشان لما ترجع تلاقيها نضيفة، بس خلاص كل حاجة راحت، ومافضلش حتى صورة ليها معايا». وتضيف: «كل حاجة راحت لما العمارة اتهدت، الشوار بتاعها اللى كنت باجمعه عشان تتجوز بيه، راح». الحزن أصاب الحاجة جندية بعدة أمراض لم تمنعها من مواصلة البحث عن ابنتها، فهى تعانى من فشل كلوى وورم سرطانى والسكر، وتقسم يومها بين تلقى العلاج المتمثل فى الغسيل الكلوى والعلاج الكيميائى بمعهد الأورام وبين البحث عن ابنتها.. «أنا تعبت وماعدش فىّ حيل، أنا عايزه حد يساعدنى ويوصّل صوتى للمسئولين، عشان بنتى ترجع، دا هىّ اللى بتراعينى، وكانت بتاخدنى للمستشفى وتعطينى العلاج فى ميعاده». الحاجة جندية لها قصة تضحية منذ توفى زوجها العامل العتال البسيط، الذى كان يعمل على باب الله «باليومية»، فلم يبق لها إلا ابنتها التى فقدتها، وابنتان أخريان تزوجتا، وكل تعيش فى حالها.. «كنت باشتغل فى البيوت عشان أساعد جوزى، بس لما اتوفى الحمل زاد علىّ، ودلوقتى خلاص ما باشتغلش لأن المرض هدنى، وكل ما أحصل عليه مبلغ من معاش السادات لجوزى المتوفى». تنتظر الحاجة جندية نظرة رحمة تعينها فى الوصول إلى ابنتها، فتقول: «الناس قالولى قدمى شكوى للرئيس محمد مرسى، بس انا ماعرفش اقدمها ازاى، ويا ريت الرئيس يساعدنى عشان ألاقى بنتى». ملفات متعلقة محمد صديق.. سجين باسم مستعار «الوطن» تتذكر مفقودى الثورة فى ثالث عيد على اختفائهم «أحمد».. التلميذ يختفى فى عاصفة «عبير وفتنة إمبابة» «خلف».. سرّ هاتف القرية الذكية «أبو المفقودين»: الولد اغتصبوه فى السجن فقرر «ياخد حقه بإيده».. والبنت اختفت من المترو فى يوم «الداخلية» «حسن».. فى البيت أم مريضة بالكبد و3 بنات دون عائل لجنة تقصى الحقائق.. فى انتظار «الرئيس» «إبراهيم».. اللهم لا تجعله بين جثث المشرحة ياسر.. وقائع اختفاء غامض فى يوم «محمد محمود»