رشاد المتينى والروح الجديدة اللازمة للنهضة
تتجاوز التقديرات الرسمية لتكاليف صيانة الطرق فى مصر أكثر من 5 مليارات جنيه سنويا، يذهب ما يقرب من ثلث الميزانية المقدرة إلى جهود وقف زحف الرمال ومواجهة تغول الكثبان الرملية، وهى قضية مقلقة فى بلاد تتجاوز مساحة الصحارى فيها 90% من أراضيها، وحسب مسئولى هيئة الطرق والكبارى وهى الجهة المسئولة عن تنفيذ تلك المشروعات، فإن تكاليف مواجهة زحف الكثبان الرملية على الطرق الكبيرة أكثر كثيرا من تكاليف إنشاء الطريق ذاته.
من محاسن الثورة، وهى كثيرة، أنها نفضت التراب عن كثير من البحوث والطاقات الجديدة، وفتحت الباب أمام مشاركة عدد من البارزين علميا فى الحكومة، ولا أعتقد أننى التقيت الدكتور رشاد المتينى وزير النقل الجديد، لكننى أعرفه جيدا من خلال سيرته الطيبة وحماسه للأفكار الجديدة، ودقته فى استخلاص النتائج، وكان «المتينى» ولسنوات طويلة إلى جانب عمله الأكاديمى فى جامعة القاهرة، واحداً من ألمع مستشارى المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، وهو صرح وطنى كبير، يملك من الكفاءات العلمية، والقدرات، والمعامل ما يكفل الاطمئنان جديا إلى نتائجه.
الأسبوع الماضى أظهرت نتائج الاختبارات المعملية لتثبيت الكثبان الرملية باستخدام مادة محلية الصنع هى مادة الـ «afri - soil» نجاحاً مبهراً على حد وصف التقرير فى مواجهة الكثبان الرملية وتثبيت جوانب الطرق، وأعطى حمل الكسر للعينات المعالجة من الرمال 101 كيلو جرام على كل سنتيمتر مربع، مما يعنى تحمل الكثيب المعالج لعوامل النحر والتعرية ووقفه تماما..
وحسب التقرير، فإن المقارنة بين الوسائل الأخرى المتاحة مثل التشجير (أمر صعب للغاية فى الطرق البعيدة عن المياه)، واستخدام سعف النخيل والحصائر (وسيلة غير فعالة وعمرها قصير)، والأحجار والطفلة (عمرها قصير ومكلفة للغاية) والمواد البيتومينية (ملوثة للتربة) واستخدام اللودرات والجرافات فى نقل الكثبان (تكلفته عالية جدا ونتائجه غير فعالة) تؤكد أن المادة محلية الصنع الجديدة حققت نتائج باهرة تشجع على الاستخدام خاصة وهى فعالة للغاية، وعمرها طويل، وآمنة بيئياً، وغير ملوثة للتربة، وتحافظ على ثروة الرمال، كما تسمح بالزراعة على التربة المعالجة دون أضرار.
ولك أن تعرف أن مصر تواجه أزمة حادة فى توفير المواد البيتومينية الناقصة جدا فى الأسواق، وهى المادة المستخدمة فى رصف الطرق، والتى تسبب تلوثاً حاداً للبيئة عند رشها على الكثبان الرملية لتثبيتها، وتدمر ثروات الرمال وتحرمنا من استغلالها مستقبلا، ثم وهو مهم أنها قليلة الجدوى الاقتصادية فى ذلك الأمر حيث سرعان ما تتراكم الأتربة وتعود الكثبان من جديد إلى مهاجمة الطرق وإغلاقها أو ردمها تماما.
«آلافرو سويل» محلية الصنع حسب التقارير العلمية الرسمية آمنة بيئيا وفعالة ودائمة، وتوفر حماية حقيقية والأهم أنها تحمى التربة من التلوث وتحافظ على ثروات الرمال، والأهم أنها توفر 20% من التكاليف.. وبعد.. لم يبق غير تأكيد الروح الجديدة الوثابة المتطلعة إلى بناء مصر جديدة تثق فى العلم وتقدره وتحترم الجديد النافع، وتفتح صدرها للأفكار المتطلعة للمستقبل.
ثقتى الكبيرة فى جرأة الدكتور رشاد المتينى وقدرته على وزن الأمور، واجتياز النمطى السهل والمألوف والانتصار للعلم، والصالح العام، تدفعنى للتفاؤل فى إمكانية استغلال الطاقات الممكنة فى البيئة المحلية، والاستفادة من الجديد فى العلم، والمبتكر، ورفض الثقافة السائدة التى كرسها مسئولون تبين بالوقت والتجربة والعمر أنهم غير أمينين على مصالح الوطن، تلك الثقافة التى مالت دائما نحو المجرب القديم، وانحازت للحيتان الكبيرة وأصحاب المصالح الذين يرفضون الجديد راحة للبال، وبعداً عن «وجع الدماغ».
إن تصحيح الأمور فى مصر يحتاج إلى إرادة قوية، وقدرة على اتخاذ القرار، ورجال مستعدين لاجتياز المألوف، وهو أمر صار ضروريا، ولازما لمواجهة نزيف «الترقيع» اليومى المعتاد فى كل مرافقنا الحيوية الهامة.