جامعات المستقبل.. جامعات الخيال العلمى

الفارق بين التعليم عندنا والتعليم فى دول العالم المتقدم هو ذات الفارق تماماً بين السينما عندنا والسينما عندهم، وعندما كان الفن السابع مزدهراً فى مصر المحروسة كان مستوى التعليم بدوره مرتفعاً، وعندما بدأت تظهر أفلام المقاولات والعرى والجنس، بدأت تظهر فى ذات التوقيت مراكز الدروس الخصوصية والاستعانة بالمذكرات بديلاً عن الكتاب الجامعى، وفى بلاد العم سام، تشتهر هوليوود بأفلام الخيال العلمى، حيث يمكن الإشارة إلى العديد من الأفلام التى سبقت عالم الواقع بوقت طويل، وقامت باستشراف المستقبل، ومهدت الطريق نحو ظهور العديد من الاختراعات والاكتشافات العظيمة، وللسينما الأمريكية تاريخ طويل وزاهر فى هذا المجال، ولعل ذلك يظهر من خلال استعراض العديد من الأفلام التى تم تصنيفها ضمن أفلام الخيال العلمى، وتحدثت عن أمور كانت محض خيال عند ظهورها وتحولت إلى واقع بعدها بعدة عقود فى بعض الأحيان وبعدها ببضع سنوات فى أحيان أخرى، وأول الأفلام التى يمكن الإشارة إليها فى هذا الصدد هو فيلم «رحلة إلى القمر» (A Trip to the Moon)، الذى يعود إلى بداية القرن العشرين، وتحديداً فى العام 1902م، أى قبل نحو 67 عاماً من هبوط رائد الفضاء الأمريكى نيل أرمسترونج على سطح القمر، ويبدو أننا سنشهد قريباً حرب النجوم التى تحدث عنها الفيلم الأمريكى الذى خرج إلى النور سنة 1977م ويحمل عنوان «Star Wars»، حيث صدر مؤخراً قرار من الرئيس الأمريكى الحالى «دونالد ترامب» بإنشاء قوات فضائية ضمن الجيش الأمريكى، كذلك، وكعادتها دائماً، كانت هوليوود سباقة إلى استشراف الثورة الصناعية الرابعة، وتحديداً قدرة الذكاء الاصطناعى أو الروبوت على التصرف بشكل منفرد بعيداً عن إرادة البشر، ففى بداية الألفية الثالثة، وتحديداً عام 2001م، خرج إلى النور فيلم بعنوان «الذكاء الاصطناعى» (A.I Artificial Intelligence)، وفى الفيلم الأمريكى الشهير (I Robot)، الذى خرج إلى النور عام 2004م، تدور الأحداث حول التحقيق فى جريمة قتل أحد علماء التكنولوجيا، حيث يكتشف قاضى التحقيق أن وراء الجريمة إنساناً آلياً (روبوت) كان هذا العالم يتولى برمجته، وتطورت الأحداث حتى أصبح هناك صراع مباشر بين البشر و«الروبوتات»، عندما استشعرت الأخيرة حجم الخطر الذى تواجهه نتيجة خضوعها للبشر، والواقع أن العديد من العلماء المعاصرين، وعلى رأسهم العالم «ستيفن هوكينج» الذى رحل عن دنيانا مؤخراً والعالم إيلون ماسك، يحذرون من تطوير الذكاء الاصطناعى، إذ يشيرون إلى أن تطوير الذكاء الاصطناعى يهدف إلى منح الآلة قدرة اتخاذ القرار، وهنا مكمن الخطر، فالآلة إذا ما طورت لغة خاصة بها، أو قامت بتعديل الكلمات والأوامر الصادرة، أو جرى اختراقها من قبل أشرار موهوبين، سوف يكون ذلك خطراً كبيراً على العالم.

وهكذا، فإن السينما الأمريكية مشغولة بالأمور العلمية والخيال العلمى، وتسهم فى رفع درجة الطموح وسقف التفكير لدى جمهور المشاهدين والمجتمع بوجه عام، أما السينما عندنا، وباستثناء بعض الأفلام القليلة، فلا تهتم إلا بما يثير الغرائز ويسهم بالتالى فى جذب بعض الجمهور، ويرفع إيرادات الفيلم، وإذا كان الخيال العلمى غائباً عن السينما فى بلادنا، فهو غائب أيضاً عن قاعات البحث العلمى فى جامعاتنا، إن تنمية الخيال العلمى هى المقدمة لبناء قاعدة للتفكير العلمى فى عقل الطلاب، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تطوير المناهج التعليمية وتنمية الدراسات الاستشرافية وتحرير العقل المصرى من كافة القيود التى تحد من قدرته على التفكير والابتكار والاختراع. والله من وراء القصد.