مأساة أم .. تجلس منذ 16 يوماً على شاطئ النخيل تنتظر خروج جثمان ابنها الوحيد من البحر

مأساة أم .. تجلس منذ 16 يوماً على شاطئ النخيل تنتظر خروج جثمان ابنها الوحيد من البحر
يعرفها الجميع فى شاطئ النخيل بالإسكندرية.. تحضر يوميا منذ 16يوما.. وتجلس بملابسها السوداء.. لا تسمح لأحد بأن يقترب منها.. تتحدث فقط إلى البحر ودموعها فى عينيها: أخذت فرحة عمرى.. أخذت ابنى الوحيد..أريد جثمانه.. أستحلفك بالله.. أريد أن أحتضن جثمان ابنى.. أقبله وأدفنه بيدى.. الوضع لم يتغير منذ 13 رمضان وهى تنادى: «عاوزة ألم لحمه ..العوض عليك يارب.. العوض عليك يارب»
محمود زين محمد 17 سنة من البحيرة وبالتحديد من قرية بطورس التابعة لمركز أبوحمص حضر لزيارة عمه فى الإسكندرية.. وعقب أداة صلاة عصر يوم 13 رمضان وقبل ساعة من الإفطار.. نزل للاستحمام مع ابنى عمه وسحبته الأمواج بعيدا.. سحبته إلى الموت.. الخبر انتقل إلى والدته 41 سنة فى منزلها بالقرية..أطلقت صرخاتها وتوجهت إلى الإسكندرية لتعود بجثمان وحيدها إلى مدافن القرية.. كان أملها أن يجدوه حيا..كانت تتمنى ذلك.. واستمر اختفاؤه طويلا.. والآن تتمنى العثور فقط على جثته.
على كرسى بلاستيك فى مواجهة مياه البحر تجلس يوميا لفترات طويلة.. ترجوه أن يقذف إليها جثة ابنها الوحيد.. اقترب منها «الوطن» للحديث معها.. رفضت واكتفت بترديد جملة لخصت فيها أمنيتها الوحيدة التى أصبحت تعيش هى وأسرتها على أمل تحققها فى أسرع وقت.. قالت والدموع تخنق صوتها «عاوزة ألم لحمه.. والعوض عليك يارب العوض عليك يارب».
وفوق أحد أبراج المراقبة المنتشرة بطول الشاطئ وقف الحاج «عبدالستار» ابن عم والد الضحية يراقب حركة الأمواج علها تأتى بجديد يريحهم من رحلة عناء بدأوها منذ حوالى أسبوعين.
«عبدالستار» وهو يضرب كفاً بكفٍ وعيناه معلقتان بحركة الموج فى المياه وينفجر بضيق: «فرق الإنقاذ دورت معانا فى أول يوم.. قعدوا 3 ساعات ومشيوا.. وبعد كده ما شفناش حد تانى، وكل ما نروح ليهم يقولوا لنا (هندور بكره.. هنغطس بكره) وأدينا بننزل ندور عليه بنفسنا».
يحمّل الحاج «عبدالستار» إدارة القرية التى وقع بها الحادث المسئولية، متهماً إياها بـ«التقاعس» عن حماية أرواح روادها، نتيجة ما اعتبره «تراخياً» من جانبها فى عمليات تجهيز المكان بمعدات الإنقاذ.
المشهد أمام الكافيتريا المملوكة لعم المتوفى لم يختلف كثيراً عن شاطئ البحر، حيث حضر أقارب الشاب، بعضهم جلس يلتقط أنفاسه كى يستطيع استكمال نوبات البحث وآخرون فضلوا قراءة القرآن والتوجه إلى الله بالدعاء لإنهاء مصابهم الذى وصفوه بـ«الأليم».
وعلى أحد المقاعد الخشبية داخل الكافيتريا جلس الشيخ عيد عم الفقيد وقال: «ربنا يرحمه ويصبرنا، المرحوم كان سنداً لوالده ودائم الزيارة لنا فى الإسكندرية وخبر وفاته نزل علينا كالصاعقة».
يضيف الشيخ عيد عقب صمت دام لحظات: «محمود طالب بالسنة الأولى من دبلوم الزراعة وفور معرفتنا بالحادث لم نخبر والده ووالدته بشكل واضح وإنما حاولنا استدراجهما للمجىء إلينا بحجة رغبتنا فى تناولهما الإفطار معنا، إلا أن الأمر لم يجد معهما فاضطررنا إلى أخبارهما بالأمر».
حكم الجيرة وقدم علاقات العمل التى تربط عم الضحية بأصحاب المقاهى والمحال داخل شاطئ النخيل كانت المبرر الوحيد لتسخيرهم كافة إمكاناتهم لمساعدته فى محنته -حسب تعبيرهم- فلا أحد بالمنطقة إلا ويعلم بقصة «محمود» الذى ما زالت أسرته تنتظر انتشال جثّته التى لم تظهر على السطح رغم مرور 16 يوما على غرقه.