آثار رشيد مهددة بالإنهيار.. والحكومة «لاترى.. لا تسمع.. لا تتحرك»

كتب: أحمد حفنى

آثار رشيد مهددة بالإنهيار.. والحكومة «لاترى.. لا تسمع.. لا تتحرك»

آثار رشيد مهددة بالإنهيار.. والحكومة «لاترى.. لا تسمع.. لا تتحرك»

لم تعُد مدينة رشيد ترحب بالزائرين، بعد أن تحولت من مدينة سياحية كبرى، تستقبل آلاف السائحين من مختلف دول العالم، إلى سوق عشوائى كبير يضم جميع أصناف الخضراوات والفاكهة، فى مشهد لم تره أكبر الأسواق العشوائية بمصر. لم يبق من المدينة سوى مدافع كبيرة الحجم، ترجع لسنوات الاحتلال الإنجليزى، بعضها يملأ الميادين والشوارع الرئيسية، والآخر مهجور داخل مخازن هيئة الآثار يتحسس طريقه للنور. لعل زائر مدينة رشيد الآن لا يشعر بقيمتها الأثرية، بعدما طمست سنوات الإهمال والتهميش معالمها التاريخية، وباتت قلاعها ومتاحفها عرضة للسطو من قِبل باعة جائلين لا يُقدّرون قيمتها. تل أبومندور الأثرى والذى يعد من رموز مدينة رشيد، وهو أول ما تطأه قدم السائح والزائر عند ذهابه إلى المدينة، أصبح مهجوراً وخالياً من الزوار، تملأه «زرعة» الصبار بكثافة، وكأنه يبعث رسالة إلى المسئولين ليقول «فاض صبرى بسبب الإهمال والتردى». وتحولت ليالى التل الأثرى إلى وكر للبلطجية وأرباب السجون، يدبرون فيه أعمالهم الإجرامية بعيداً عن عيون الرقابة الأمنية، عشرات القضايا المهمة وضعها أهالى مدينة رشيد على مكتب «الوطن»، لنشرها أمام المسئولين فى صورة استغاثة عاجلة لإنقاذ ما تبقى من المدينة الأثرية. لقد تحولت شوارع مدينة رشيد، أهم المدن السياحية بمحافظة البحيرة، إلى برك ومستنقعات تغرقها مياه الصرف الصحى، وباتت المنازل الأثرية والتى يتجاوز عددها العشرين منزلاً، مهملة لتسكنها الثعابين والقوارض، وتحولت المزارات السياحية من متاحف وقلاع أثرية، إلى مبانٍ مهجورة ينعق فيها البوم والغربان.[SecondImage] وعلى الرغم من كثرة الكنوز الأثرية التى ترجع لتاريخ المدينة العريق، فإن العصر الحاضر طمس جميع معالمها السياحية، بعد أن امتدت الأيدى العابثة لتخرب كل ما هو أثرى بالمدينة، وظل الإهمال هو الراعى الرسمى للمبانى الأثرية برشيد، بعدما رفع المسئولون بالآثار أيديهم عنها، وامتنع مسئولو الوحدة المحلية عن إنقاذ ما تبقى بها من معالم أثرية. واختفت «أوتوبيسات» الرحلات المدرسية التى اعتادت مدينة «رشيد» أن تحتضنها فى فصل الشتاء من كل عام، وكذلك اختفت الأفواج السياحية التى كانت تملأ المدينة فى جميع فصول العام، والتى تعتبر أهم مصادر الدخل للعديد من المواطنين برشيد. وأتى حرمان رشيد من الدعم والاهتمام ليحرم آلاف الأسر التى كانت تعمل بقطاع السياحة هناك، حيث كانت تشتهر رشيد بصناعة المشغولات اليدوية «الفلكلورية»، والتى كان يقبل عليها السائحون بكثرة أثناء زيارتهم لها. وأكد أهالى المدينة لـ«الوطن» أنهم يعانون من الإهمال البالغ الذى امتد إلى جميع الشوارع الرئيسية والمناطق الأثرية بالمدينة، مشيرين إلى أنهم يعانون من هذه الأزمة منذ أكثر من 10 سنوات، تجرعوا خلالها كأس الإهمال على مراحل، فبعد أن أهملت الوحدة المحلية مشروعات التطوير وإحلال وتجديد شبكات الكهرباء والصرف الصحى، تعمدت تحويل المناطق الأثرية إلى أسواق عشوائية بسبب التقاعس والإهمال، وأتاحت الفرصة للصوص الآثار للدخول محاولين العبث فيها والتنقيب وسرقة ثروات البلاد. وليد الكفراوى «منسق جبهة حماية آثار رشيد»، يقول لـ«الوطن»، قام شعب مصر بثورتين عظيمتين خلال 3 أعوام فقط، وذلك لمحاربة الفساد وملاحقة كل من يُخرب ويعبث بمقدرات البلاد، وعلى الرغم من ذلك لم تصل إحداهما إلى مدينة رشيد، التى تحولت إلى شبه مدينة بسبب كم الفساد والإهمال اللذين لحقا بها، مشيراً إلى أن الأهالى جميعهم يقفون ضد أى شخص يحاول أن يمد يده إلى المناطق الأثرية، بعد أن تخلت الحكومة عن دورها الرقابى والتنظيمى لتلك الثروات، قائلاً: لقد تصدى أهالى رشيد إلى هجمات لصوص الآثار فى أعقاب ثورة 25 يناير، فى ظل حالة الانفلات الأمنى التى سادت البلاد وقتها، مثلما تصدى أجدادهم إلى حملات الغزاة من الفرنسيين والإنجليز. محمد عبدالمنعم أبوهاشم «أحد سكان مدينة رشيد» يقول لـ«الوطن»، لقد حصلنا نحن أهالى منطقة ميدان الأمصيلى على قرار بسرعة تطوير الميدان، وإزالة الإشغالات الموجودة به، وتحويله إلى متنزه سياحى لوجود منزل «الأمصيلى» الأثرى به. وفَجّر أبوهاشم مفاجأة عندما أعلن عن تاريخ القرار، حيث اتضح أن قرار سرعة تطوير ميدان «الأمصيلى» يرجع لعام 1936، أثناء زيارة ملكية لمدينة رشيد من الملك فاروق الأول عقب توليه عرش مصر، وكان الخطاب صادراً من «المجالس البلدية» المجالس المحلية حالياً، مؤكداً أنه منذ هذا التاريخ لم تنفذ أى أعمال تطوير بالميدان، وظل القرار مجرد «حبر على ورق». التقط مصطفى على السيد «أحد سكان مدينة رشيد»، أطراف الحديث قائلاً: لقد تقدمنا بالعديد من المذكرات إلى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، بخصوص المخالفات الصارخة والإهمال الجسيم، اللذين لحقا بآثار «رشيد»، والتقاعس من قِبل مفتشى الآثار بالمدينة، تجاه المنازل والمساجد والمتاحف الأثرية، وأوضحت المذكرة أن المبانى الأثرية المهملة أنفقت عليها الدولة 200 مليون جنيه، تحت بنود ترميمات وإعادة هيكلة وإحلال وتجديد، مشيراً إلى أن مرفقات المذكرة من صور ومستندات، أظهرت وجود عيوب فنية بالمبانى الأثرية عقب ترميمها مباشرة، وهو ما يدل على وجود مخالفات جسيمة تسببت فى إهدار المال العام. وأشار حمدى إسماعيل «الناشط السياسى بإدفينا»، إلى أن الأسواق العشوائية فرضت سيطرتها على مدينة رشيد، ولا سيما المناطق الأثرية فيها، فقد تحولت أبواب وجدران المنازل الأثرية إلى معارض للسلع، وفروشات للخضراوات والفاكهة والبضائع الأخرى، فيما اختفت حملات شرطة المرافق. حملت «الوطن»، جميع مشاكل وهموم المدينة، وذهبت إلى المحاسب إبراهيم الشيمى، رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة رشيد، والذى أفاد بأن المدينة العريقة ستكون على خريطة المدن السياحية فى القريب العاجل، بعد تنفيذ العديد من المشروعات التنموية بها، مصرحاً بأن الوحدة المحلية قررت إعادة هيكلة الشوارع الأثرية، ورصفها بـ«الإنترلوك» أو طوب «البازلت»، ليكتمل الشكل الجمالى بها، وتحويل شبكة الكهرباء من كابلات هوائية إلى أرضية، نظراً لضيق الشوارع هناك، مشيراً إلى تطوير مسجدى المحلى وزغلول الأثريين، والانتهاء منهما خلال عدة أشهر. وصرح «الشيمى»، بأنه سيتم الانتهاء من نقل سوق السمك وسوق الخضار، ونقل الباعة الجائلين إلى سوق رسمى بالمدينة.