نص كلمة بطريرك الكاثوليك في قداس عيد الميلاد: نصلي من أجل مصر والسيسي

كتب: مصطفى رحومة

نص كلمة بطريرك الكاثوليك في قداس عيد الميلاد: نصلي من أجل مصر والسيسي

نص كلمة بطريرك الكاثوليك في قداس عيد الميلاد: نصلي من أجل مصر والسيسي

ألقى الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، كلمة خلال قداس عيد الميلاد، الذي ترأسه بكاتدرائية العذراء بمدينة نصر، مساء اليوم الاثنين، والتي خصصها للحديث عن السلام.

وقال إسحق: "ما الذي يحتاج إليه الإنسان والأسرة البشرية، حاجة ماسة وملحّة ومتصلة؟ إنها الحاجة إلى السلام، فهو هبة من الله لكل إنسان نقي القلب وهو الدليل الأكيد على حضوره في قلب الإنسان، السلام هبة الله وعمل البشر، هو عطش روحي دائم بدونه لا تستقيم حياة الإنسان، وهو غاية الحياة وسبيلها إلى الارتقاء والتنمية، فلا حضارة ولا أمن ولا استقرار دون سلام حقيقي".

وأضاف إسحق: "السلام مهدّد من اللامبالاة، واللامبالاة هي موقف من يُغلق قلبه حتى لا يضع الآخرين في عين الاعتبار، ويغلق عينيه حتى لا يرى ما يحيط به فلا تلمسه مشاكل الآخرين. وللأسف في عصرنا تخطي هذا الموقف الاطار الفردي ليأخذ بعدا عالميا، وإنَّ أول مظاهر اللامبالاة هى تجاه الله، والتى منها تنبع اللامبالاة تجاه القريب والخليقة".

وتابع، "يمر عالمنا المعاصر بموجات تحاول أن تطفئ نور الله في أعماق الإنسان، فهناك دعوة إلى الحياة من أجل الحياة فقط، فلا دينونة ولا مكافأة للصالحين، إذ يعتقد الإنسان أنه صانعٌ ذاتَه وحياتَه والمجتمعَ، وبالتالي بأنه مكتف ولا يدين لأحد بشئ إلا لنفسه، ويدّعى أنه يملك حقوقاً فقط، وهناك من لا يرى في الإنسان إلا حزمة غرائز تنهش وجدانه وتزلزل كيانه، ناسياً أنه مخلوق، خلقه الله عن محبة وأحبه لذاته ومصيره إليه".

وتابع بطريرك الكاثوليك، "أمَّا اللامبالاة تجاه القريب فلها وجوه متعددة، هناك من هو مطلع بشكل جيد، يستمع ويقرأ ويشاهد البرامج، لكنه يقوم بذلك بطريقة فاترة، وكأنه في حالة إدمان؛ بمعنى أنه يعرف ما يصيب البشر من مآسي، ولكنه لا يشعر بها، ويبقى نظره وعمله موجهين إلى نفسه فقط. إن نمو المعرفة والمعلومات في زمننا لا يعنى بحد ذاته الاهتمام بالمشاكل، ما لم يرافقه انفتاح الضمير أي أن يتحول إلى تضامن حقيقيّ".

وأردف إسحق، "وجه آخر من اللامبالاة من يفضل عدم البحث وعدم الاستعلام، عائشا فى رفاهيته وراحته غير مبال لصرخة ألم البشرية المعذبة، كما لو كان كل شئ هو مسؤولية غريبة ليست من اختصاصه. كيف يمكن للإنسانيّة أن تمتلك سلامًا حقيقيًّا، وغالبية البشر في فقر وألم وعوز وربما في جهل، فلا سلام دون حياة صالحة، ولا حياة صالحة بارة دون تضامن حقيقيّ".

وأوضح بطريرك الكاثوليك، "أما اللامبالاة تجاه الطبيعة، فإن تلوث الماء والهواء والاستغلال العشوائي للخيرات ودمار البيئة هي غالبا ثمرة لا مبالاة الإنسان تجاه الآخرين. فكل شئ مرتبط ببعضه البعض، هناك ارتباط وثيق بين تمجيد الله وسلام البشر على الأرض، لأن اللامبالاة تجاه الله والقريب تسبب انغلاقا وتهربا من الالتزام، وبالتالي غياب السلام مع الله والقريب والخليقة".

وقال إسحق: "إنَّ قيم الحرّيّة والاحترام المتبادل والتضامن، يمكن نقلها منذ سنوات الطفولة الأولى "فان كل بيئة تربوية يمكن أن تكون مكاناً للحوار والإصغاء، يشعر فيه الشباب بقيمة قدراته وغناه الداخلي، يتعلم كيف يتذوق الفرح النابع من العيش اليومي للمحبة للقريب، ومن المشاركة في بناء مجتمع أكثر إنسانية وأخوة،وتشّكل العائلة المكان الأول لزرع ثقافة السلام والتضامن؛ حيث تعاش وتنقل قيم المحبة والأخوة والتعايش والاهتمام بالآخر".

واستطرد أن "العائلة كما يشير سينودس العائلة وسينودس الشباب هي البيئة المميزة لنقل الإيمان، بداية من أولى بوادر التقوى البسيطة، التي تعلمها الأمهات لأبنائهن، ويتعلق الأمر بعد ذلك بالمربين والمكونين في المدارس ومراكز التجمعات للأطفال والشباب، وعلى هؤلاء أن يدركوا أنّ مسؤوليتهم تتعلق بالأبعاد الروحية والخلقية والاجتماعية للشخص، أما العاملون في الحقل الثقافي والإعلامي ووسائل الاتصالات الاجتماعية، فإن مسؤوليتهم كبيرة في مجال التربية والتنشئة نظرًا إلى اتساع إمكانية الدخول إلى هذه الوسائل، ويقوم واجبهم في أن يضعوا أنفسهم في خدمة الحقيقة لا المصالح الخاصة، فالتربية تؤثّر إيجابا أو سلبّا على تنشئة الأجيال كلها".

وأضاف بطريرك الكاثوليك، "ولكنّ السلام مسيرة حياة، تبدأ من قلب الإنسان التائب عندما يكتشف المتناقضات في داخله؛ بين الرغبة في النمو الذاتي والغيرة من الآخرين، بين فهم الوداعة والاعتقاد بأهمية القوة والسلطة، يبدأ السلام عندما يعترف الأنسان بوجود عدم قبول لبعض الاشخاص لاختلافهم عنه، وعندما يكتشف مشاعر عنف تجاههم ورغبة في رد الضربة بأشّد منها، خاصة تجاه مَن أساءوا إليه وجرحوه، إنّ طريق السلام يبدأ حين يقبل الإنسان ذاته ويثق أنّ الله يحبه كما هو، ويدعوه إلى التصالح مع غضبه وتاريخه وصعوباته، وإلى خلق جسور تفاهم وتقابل بين الناس فلا يتحول الاختلاف إلى صراع ونزاع، ولا يصبح العنف حلا للخلافات، فإنّ الإنسان الآخر أهم من موضوع الخلاف".

واختتم إسحق كلمته بالقول، "نرفع صلاتنا متحدين مع قداسة البابا فرنسيس الذي يصلي من أجل شرقنا العزيز، وبدأ زيارته لمنطقتنا العربية مصر وقريبًا الإمارات ليؤكد وحدة الجنس البشري، فليبارك الرب خطوات المحبّة والسّلام. نتحد مع الاباء المطارنة وكُلّ بطاركة وأساقفة كُلّ الكنائس في الصّلاة والفرحة، ومن هذه الكنيسة نصلي من أجل وطننا الغالي مصر، ومن أجل الرئيس عبد الفتاح السيسي ونبعث إليه برسالة محبّة وتقدير على جهوده من أجل نهضة مصر وازدهارها وبناء السلام في العالم.

تحية إلى قواتنا المسلحة ورجال الشرطة وإلى كل شرفاء هذا الوطن، ولا ننسى شهداءنا فهم إكليل مجد للحاضر والمستقبل. نصلي من أجل الأمهات و الآباء الذين يسهرون على تربية أبنائهم و يبذلون حياتهم لبناء مستقبلهم، ونبعث رسالة المحبة والسلام الي أبنائنا في بلاد المهجر ونقول لهم إنّ مصر بخير وفي طريق التقدم والبناء.

تهنئة وبركة إلى كل الشباب الذي كان موضوع صلاة وتفكير ودراسة سينودس الأساقفة الكاثوليك في أكتوبر الماضي بروما، وستواصل الكنيسة الكاثوليكية في مصر بتكريس عام 2019 للصلاة والعمل مع الشباب ومن أجله. فبسم الكنيسة نؤكد لهم أنهم جزء أساسي وحيوي منها وكما أنّ لهم حقوقاً فعليهم مسؤولية، تحية لكل الشباب الذي يتحد للقيام بأعمال تضامن وبناء لفائدة القريب المحتاج، لأنهم كفاعلي سلام، وفي الختام أجدد الدعوة لعدم فقدان الرجاء بنعمة الله وقدرة الإنسان على تخطي الشر وعدم الأستسلام، فهيّا نتغلب على اللامبالاة ونكسب السلام".


مواضيع متعلقة