أهل الفن| رياض القصبجي.. ملامح غليظة وقلب طيب وزمن غدار

أهل الفن| رياض القصبجي.. ملامح غليظة وقلب طيب وزمن غدار
"عيني علينا يا أهل الفن يا عيني علينا"، لعل هذه الجملة التي يستهل بها الفنان الراحل إسماعيل ياسين منولوجه "أهل الفن"، هي أكثر الجمل تعبيرا عن حال أهل الفن في كل زمان ومكان، خاصة نجوم الفن القدامى، الذين قدموا كل ما يملكون في سبيل ازدهار واحدة من أهم وسائل التعبير في هذا الزمن. رحل أغلب نجوم الفن في صمت ودون أن نعرف عنهم الكثير، يحسدهم الناس دون أن يعرفوا حياتهم البائسة أحيانا، والكثير من المعاناة التي يخفيها ظهورهم المبهج على الشاشة.. وهنا سوف نتعرف على حياة هؤلاء الفنانين مرة أخرى.
لا يعرف العديدون اسم رياض القصبجي، وقد يخلطون بينه أحيانا وبين اسم الفنان والملحن الكبير الراحل محمد القصبجي، ولكن لو ذكرت اسم "الشاويش عطية" أمام أي شخص لتذكر على الفور مشهده وهو يقول لإسماعيل ياسين "بورورم؟ شغلتك على المدفع برورم؟"، أو "رد يا رفدي يا ابن الرفدي"، أو "هو بغباوته ووشه العكر"، وبالتأكيد يتذكرونه وهو يصطحب إسماعيل ياسين إلى مستشفى المجانين حتى يستطيع الظفر بحبيبته ويستأثر بها لنفسه.
اشتهر القصبجي في بداية مشواره الفني باسم "أبو الدبل"، وذلك نظرا لبدانته وتكوينه الجسماني الضخم، حتى شارك إسماعيل ياسين سلسلة أفلامه، ليتغير اسمه إلى "الشاويش عطية"، حيث يعد الدور هو الأشهر سينمائيا له، على الرغم من تقديمه لـ147 عملا سينمائيا متنوعا.
وعلى الرغم من كثرة مشاركات الشاويش عطية السينمائية، إلا أنه حينما توفي لم تجد أسرته تكاليف دفنه، فظل جسده مسجى في منزله بانتظار الدفن، حتى علم المنتج جمال الليثي بالأمر، فتبرع بكافة تكاليف الجنازة والدفن، وهو الشخص نفسه الذي قرر معالجة الشاويش عطية على نفقته الشخصية، بعد أن أهملته نقابة الممثلين ولم تتهتم به أو تتساءل عن مصيره، رغم أنه لم ينقطع يوما عن أداء واجبه النقابي.
كان الشاويش عطية عاشقا للفن وأفنى عمره بالكامل فيه، وحينما سُئل عن ابنه فتحي، أكد أنه لا يتمنى له أن يمتهن هذه المهنة المرهقة، لأنها مهنة الشقاء، بل يتمنى أن يدخل الكلية الحربية. ومن شدة عشقه للفن تحامل على نفسه على الرغم من إصابته بالشلل النصفي، ليقوم بأداء أحد الأدوار في فيلم "الخطايا" للمخرج حسن الإمام عام 1962، لكنه سقط على الأرض لتنهمر دموعه قهرا، ثم يُنقل إلى منزله، ويموت بعد هذا الحادث بعام واحد.
رحل القصبجي عن عالمنا في شهر أبريل من العام 1963، بعد أن قدم للسينما ما يقرب من 150 عملا سينمائيا متنوعا. رحل الرجل الذي كان يحمل قلبا يشبه قلوب الأطفال، باعتراف جيرانه وجميع من عاشروه، وملامح غليظة قاسية، أجبرته كثيرا على أداء أدوار الشر الذي لا يعرفه. رحل وقد نساه الجميع ولم يسألوا عنه. رحل وقد تناول مع أسرته عشاء بسيطا مكونا من الطعمية، ثم استمع إلى صوت أم كلثوم في الإذاعة، وخلد إلى النوم ولم يفق بعدها.