حازم دياب.. وداعاً حتى لقاء
- أهل الخير
- الحمد لله
- الدراما المصرية
- العلاج الكيماوى
- المستشفيات الجامعية
- المسح الذرى
- خيرى رمضان
- ذكر الله
- رجل كفيف
- سرطان القولون
- أهل الخير
- الحمد لله
- الدراما المصرية
- العلاج الكيماوى
- المستشفيات الجامعية
- المسح الذرى
- خيرى رمضان
- ذكر الله
- رجل كفيف
- سرطان القولون
هَمَّ بدخول المستشفى لتناول جرعة جديدة من العلاج الكيماوى من سرطان أصابه وهو فى شرخ الشباب، أخبره مندوب التأمين فى المستشفى أن سقفه التأمينى قد نفد هكذا دون سابق إنذار.
بعد صولات وجولات إدارية خاضتها أسرته وأحباؤه «تدوخ العفريت وتزهَّق أحلم خلق الله»، اضطر أن يستكمل العلاج على نفقته الخاصة، حينها أدرك أن العجز لا يعنى فقط أن يكون جسدك واهناً لا يُمكّنك من حمل طفلك الصغير أو يمنعك مما تحبه من أطعمة أو من ممارسة حياتك العادية، فهذه صور فقط من العجز ولكن هناك عجزاً آخر أشق تعلَّمه صاحبنا من مرض السرطان ضمن دروس كثيرة لم يتسع عمره ليُعلمها للناس.
أدرك وقتها صورة أخرى من العجز حينما يكون ظهرك عارياً دون نقود تكفيك لمواجهة الأمراض العاتية أو المحن الطارئة أو النكبات المفاجئة ومنها السرطان الذى أفلس ودمر وعاث فى البيوت المصرية فساداً.
أردف صاحبنا أنه لولا معاونة أهله فى دفع نفقات الكيماوى -ومعظمهم من الصعيد وكانوا قبل تعويم الجنيه من الطبقة المتوسطة- لربما لقى مصير الآلاف من مرضى السرطان الذين لا يستطيعون استكمال العلاج.
سألته زوجته وهو يدفع نقود إحدى الجلسات عن مصير مرضى السرطان الفقراء غير المُؤمَّن عليهم، أجابها باقتضاب حزين: «بيموتوا».
مقولة المرحوم «حازم» هذه ذكرتنى بأحد أصدقائى الفقراء أصابه سرطان القولون جمعت له أسرته وأحباؤه مبلغ جراحة استئصال الورم وتوسط أهل الخير ليتناول جرعات العلاج الكيماوى مجاناً فى أحد المستشفيات الجامعية، أخذها جميعاً، كاد الأستاذ الجراح أن يجزم أنها مغشوشة لأن الورم عاد بشراسة.
كررها فى مستشفى خيرى آخر، أصر الجراح الكبير على رأيه أنها مغشوشة أيضاً ولم تؤثر، فالورم يحتاج لإعادة استئصال، استسلم صديقنا لقدره وأدرك أنها النهاية المحتومة.
كان صاحبنا قد تعلم نعمة الرضا عن الله وحمده منذ نعومة أظفاره من والده وأسرته، حينما كان صغيراً حدق بوجل فى رجل كفيف، نصحه والده أن يردد: الحمد لله الذى عافانى مما ابتلى به آخرين.
كان يخجل، بل يكره، نظرات التعاطف والشفقة من الناس بعد أن أصابه السرطان وهو فى قمة شبابه ورجولته وشهرته.
كان جهاز المسح الذرى عند صاحبنا آلة تعذيب نفسى، يحدثك عن ساعات الانتظار الطويلة السخيفة حتى يحين دورك بين وجوه مرضى السرطان الذين ترتسم على ملامحهم كل معانى الهلع والرعب والقلق من المجهول، وكأنهم يستعدون للحظة التى يطرق فيها ملك الموت بابهم.
آه من الممرضة العابسة التى توصلك لسرير المسح الذرى وهى تتأوه بانكسار: «يا حرام!! شاب مريض بالسرطان.. شد حيلك».. وآه لو أجريت الفحص فى الشتاء فسوف تمكث فترة تشبك ذراعيك خلف رأسك فى وضع تعذيب مثالى، وبعد الفحص لا تستطيع الاقتراب من طفلك واحتضانه لأن جسدك مملوء بالإشعاعات.
كان صاحبنا شجاعاً، لم يخبر من حوله فقط بإصابته بالسرطان، ولكنه أعلم الناس جميعاً عبر مقالاته التى كانت تهزنى هزاً، فقد كنت أحب المرحوم «حازم» حباً كبيراً لا أدرى له سبباً منذ أن عرفته، أصبح توأم روحى رغم البعد دون سبب معروف، كان ضمن فريق إعداد برنامج أ.خيرى رمضان، ائتلفته سريعاً دون سبب ظاهر.
كان كالنسمة الرائعة التى تصافح الوجوه فتعطرها بنسيم الأدب والخلق والتواضع.
السرطان يهز النفس هزاً، أصيب به شاب من أسرتى حاول والده ألا يعرفه اسم مرضه حفاظاً على روحه المعنوية، لم يذهب به إلى أى مستشفى عليه يافطة أورام ورغم ذلك من هول العلاج الكيماوى وقسوة ألمه أدرك الشاب الصغير إصابته بالسرطان.
آه من قسوة جلسات الكيماوى التى تجبرك على المكث ثلاثة أيام متواصلة فى المستشفى، أحسنت الدراما المصرية حينما اقتربت من عالم هؤلاء المرضى.
حينما كان المرحوم حازم فى جلسات الكيماوى كان يقول لنفسه: أخشى أن يسألنى طفلى الصغير سؤالاً عبثياً «أهذه هى الحياة التى ركلت بطن أمى لأجلها؟».
آه ثم آه.. من كم المعاناة التى عاناها الحبيب حازم دياب وهو يصارع المرض حتى استراح منه، واستراح من هذه الدنيا التى وصفها القرآن {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}، ووصفها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنها «ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه».
لقى حازم ربه شهيداً، لأن «المبطون شهيد» رحم الله حازم دياب وسلام عليه فى الصالحين الطيبين، ورزق أهله وأحبته الصبر والسلوان.