بريكست حرب أهلية جديدة فى بريطانيا

أخيراً صادق الاتحاد الأووبى على قانون بريكست الذى تقدمت به بريطانيا رسمياً، لكى تنسلخ من الاتحاد الأوروبى وتعود لتتحرك وحدها فى الفضاء العالمى كما كانت.

والحق أن بريطانيا، التى كانت إمبراطورية استعمارية لا تغيب عن ممتلكاتها الشمس، قد رأت نفسها كبيرة وكثيرة على الاتحاد الأوروبى الذى يضم 28 دولة أوروبية، وأجرت استفتاء فى عام 2016 فاز فيه فريق بريكست بنسبة 51٫5. وتبين أن كبار السن أو المتقدمين فى العمر كانت نسبتهم فى الحضور أعلى من الشباب، لذلك رجحت كفة انعزال بريطانيا عن أوروبا.

وأحدثت نتيجة هذا الاستفتاء اضطراباً فى كل أنحاء القارة العجوز، فذهبت دولة مثل إيطاليا للتعبير عن رغبتها فى الانسحاب، وكذلك فعلت الدنمارك وأيرلندا الشمالية، لكن فرنسا وألمانيا -باعتبارهما القاطرة التى تجر الاتحاد الأوروبى للأمام- قامتا بترميم هذه الشروخ فى أوروبا، لتعود القارة العجوز أكثر تماسكاً، وتركت بريطانيا تواجه مصيرها وتخضع للقواعد الأوروبية التى تحكم مسألة الانفصال.

وكلنا يعرف أن هزات سياسية حدثت، فقدم كاميرون رئيس الوزراء السابق استقالته، وجاءت السيدة تيريزا ماى لتؤكد أنها لا بد أن تسير فى طريق الانفصال.

الغريب أن حزب المحافظين وأحزاب المعارضة الأخرى فى بريطانيا اتفقت على شىء واحد، وهو البقاء فى الاتحاد الأوروبى. وهناك مطالبة شعبية بعمل استفتاء آخر يعبر فيه الشباب (الذى يريد الانفتاح على كل أنحاء أوروبا) عن رأيه الحقيقى الذى يميل إلى بقاء دولته فى الاتحاد الأوروبى.

معلوم أن تيريزا ماى، رئيسة وزراء بريطانيا الحالية، رفضت ذلك، وأكدت أن مهمتها الأساسية هى استكمال إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى مهما كان الثمن. والثابت أن تيريزا ماى تود أن تخرج بريطانيا وتتحمل كل النتائج التى تنجم عن ذلك، لكن بعد مصادقة الاتحاد الأوروبى على مستوى القادة على بريكست يبقى شيئان مهمان وأتوقع أنهما سيُحدثان اضطراباً شديداً فى بريطانيا، مما يجعل مسألة الخروج مستحيلة: الأول هو أن يوافق مجلس العموم البريطانى على مسألة الخروج. وهذا، حسبما يبدو من تصريحات المسئولين فى الأحزاب البريطانية، سيكون صعباً، والثانى موافقة البرلمان الأوروبى فى لوكسمبورج، وهذا لن يكون سهلاً أيضاً.

المعنى أن بريطانيا تنتظر أزمة سياسية حادة قد تنفجر قريباً.

وللإنصاف، أوروبا لا تشعر بالارتياح فى علاقاتها الخارجية، وخصوصاً مع الولايات المتحدة، سيّما وأن الرئيس الفرنسى ماكرون اعترف مؤخراً بأن الاتحاد الأوروبى سيواجه، بعد بريكست، مرحلة إعادة تأسيس جديدة. ومعلوم أنه كان أول من تحدث عن تشكيل «جيش أوروبى متحد» ويستعيض به عن حلف الناتو الذى يخضع لأمريكا تماماً.

الشىء الآخر هو أن بريطانيا أقدمت على هذه الخطوة الخاصة بالخروج بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية التى تود أن يتحلل الاتحاد الأوروبى حتى لا تكون هناك كتلة أو تحالف يتفوق على أمريكا ويقود العالم.

ولا ننسى أن بريطانيا لم تكن عضواً فاعلاً داخل الاتحاد الأوروبى مثل فرنسا وألمانيا، فقد ظلت مدينة لأمريكا وتطلب من الأوروبيين أن تشملهم أمريكا بمظلتها العسكرية والسياسية.

ولا ننسى أنها رفضت الانضمام إلى منطقة اليورو، وظلت متمسكة الجنيه الاسترلينى.

باختصار، إن بريطانيا كانت دائماً على هامش الاتحاد الأوروبى، ولذلك فإن بريكست لن يكون صعباً من الناحية الإدارية والقانونية، لكن قبوله شعبياً سينذر بقيام حرب أهلية داخل بريطانيا العظمى.