حراك يناير.. ثورة شعبية أم مؤامرة خارجية؟ (2-2)

عادل السيوى

عادل السيوى

كاتب صحفي

إن ما سبق عرضه فى المقال السابق لا يعنى غياب دور الخارج فى تفجير الأحداث وتأجيجها واستغلالها لتحقيق مراميه فى المنطقة العربية، كون أن «الخارج» كان معنياً بمصر بحكم وزنها الإقليمى، ومن ثم بانعكاس أى تطورات محتملة فيها على المنطقة بأسرها سواء من منظور الأمن الإقليمى وخاصة السلام بين مصر وإسرائيل أو احتمالات بزوغ نظم معادية للغرب وسياساته فى المنطقة، وهكذا كانت أمريكا وغيرها مهتمة بالشعب المصرى واضعة أمام ناظريها مستقبل نظام مبارك، ولكن من منظور مختلف، بعد أن بدا لها تهاوى هذا النظام وقرب نهايته وتصاعد الحركات المعارضة له، ومن المؤكد أن المخطط الأمريكى فى بداية الأمر لم يكن يريد رحيل نظام مبارك، وإنما الضغط على «مبارك» لإجراء إصلاحات سياسية تتسم أهم ملامحها فى إشراك المعارضة فى الحكم، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، والدليل على صحة ذلك امتناع أوباما عن دعم حراك يناير فى بدايته إلى أن تأكد من انتصاره، وكذلك دعمه لحكم الإخوان، بل ومناصبة العداء لثورة يونيو والقائمين عليها لاحقاً.

وهكذا، فإن التحليل الموضوعى لحراك يناير يجب أن يضع فى الاعتبار العوامل الداخلية والخارجية المؤدية له فى ذات الميزان وإعطاء الوزن النسبى الصحيح لكل منهما، والذى يشير كمبدأ تحليلى عام إلى أن للعوامل الداخلية الوزن الأكبر والأهم فيما حدث فى حراك يناير، ثم يأتى دور قوى الشر من الخارج والداخل، ومما يدل على صحة ذلك أنه عندما انحرف الحراك عن مساره ومبتغاه واستولت جماعة «الإخوان الإرهابية» على مقاليد الحكم لم يستغرق الأمر من الشعب المصرى أكثر من عام، حتى هب مجدداً فى ثورة شعبية غير مسبوقة ضد حكمهم وتمكن من تصحيح المسار.

وعلى الرغم مما خلّفه حراك يناير من أضرار بالغة فى غضون السنوات الثلاث التى أعقبته، التى طالت كافة مناحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فى مصر وعلى قدر ما أظهره الشعب المصرى من تمدن ورقى فى حراكه، على قدر ما خلف هذا الحراك وراءه من فوضى عارمة وغياب كامل للضمير لدى الكثير من فئاته، وتكاسل عن أداء الواجبات ونهم فى المطالبة بالحقوق والإضرار بمصالح البلاد والعباد، إلا أنه سيبقى هذا الحراك علامة مضيئة فى حركة التاريخ، وسيُكتب بالفخر والإعزاز أن الشعب المصرى نفض بحراكه فى يناير 2011 غبار الاتهام بالخنوع والذلة لنظام شاخ على مقاعد السلطة وتجبر وتحالف مع مراكز الثروة واستخف بشعبه، فسقط فى هوة التاريخ المظلم، وكذلك سيبقى إنذاراً لكل من تسول له نفسه أن يتجبر أو يفسد أو يظلم أو يستهين بصحوة هذا الشعب المستكين.