«اللى يحتاجه التابلت».. يحرم على المبانى..!

بالتأكيد أن ثقتك بنفسك أمر ضرورى لإتمام إنجاز ما تفكر فيه، شريطة ألا تتجاوز هذه الثقة لتلامس الغرور لأنك وقتها ستبدأ طريق الانحدار بأسرع مما تتصور لتصل إلى القاع وينهار مشروعك.. ومن الضرورى أن تتخذ كل التدابير لإنجاح مشروعك ولكن ليس لدرجة إرباك كل ما يحيط بك أو أن «تُهدم» كل ما حولك لإنجاحه باعتبار أنك صاحب الكلمة النهائية فى موقعك الوزارى الذى تشغله..!

السطور السابقة تتعلق بتصرفات الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم الذى جنَّد كل ميزانية وزارته لإنجاح مشروع «التابلت» إلى درجة أنه سحب مليارى جنيه من ميزانية الأبنية التعليمية لتمويل عملية شراء التابلت وتوزيعه على طلاب أولى ثانوى -وهو ما كشفت عنه جريدة «فيتو»- على الرغم من اعتراض مدير عام الهيئة العامة للأبنية التعليمية اللواء يسرى عبدالله سالم، على طلب الوزير بسحب مليار جنيه من ميزانية الهيئة، إلا أن الوزير نجح فى سحب ضعف هذا المبلغ: مليارا جنيه وليس مجرد مليار واحد..!

وقبل أن نبدأ القصة أقول إننى لست من بين «أصحاب المصالح» الذين اعتاد الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، أن يلقى عليهم اتهاماته المتتالية بالتآمر ربما لإقناع نفسه أولاً بأن أى اختلال فى منظومته -التى نتمنى لها كل النجاح- لا يتحمل هو مسئوليته.. وربما يسعى إلى إقناع المواطنين بصحة نظريته وتفكيره وأن أى إخفاق فيها سيكون نتيجة تآمر أصحاب المصالح..!

إقدام الوزير على «إجبار» هيئة الأبنية التعليمية على توفير الأموال اللازمة لإتمام توريد أجهزة التابلت ودعم تكلفة البنية التحتية التكنولوجية اللازمة لعملية تشغيله -وهو بالمناسبة مجرد وسيلة تعليمية وليس أساساً فى منظومته الجديدة وفق ما سبق لنفسه ولمسئولى وزارته الاعتراف بذلك- يكشف عن تلك الحالة من الارتباك وسوء التخطيط ويؤكد أن الوزارة لم تكن على استعداد كامل لتنفيذ التطوير الذى كان يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة قبل المغامرة بالتطبيق والتنفيذ.

لا يخفى على أحد أن سحب هذين المليارين من هيئة الأبنية التعليمية سيؤثر حتماً على حركة إنشاء فصول تعليمية جديدة، وبخاصة أن المبالغ المخصصة للموازنة الحالية تم الارتباط عليها لـ«إنهاء» تنفيذ 10 آلاف فصل سبق طرحها فى ضوء الاعتمادات -التى كانت متاحة وقتها قبل سحب المليارى جنيه- وهى تمثل فقط نسبة 33% من عدد الفصول المستهدفة ببرنامج الحكومة، وهو ما ذكره رئيس الهيئة فى رفضه طلب استقطاع المبلغ الذى تضمنه خطاب منه إلى الوزير رداً على طلبه..!

الغريب فى الأمر أن وزارة التربية والتعليم تعانى أزمة ضخمة فى ارتفاع كثافات الفصول، ما يعنى الحاجة إلى إنشاء أكثر من 200 ألف فصل لمواجهة تلك الكثافات، إضافة إلى أنه خلال السنوات الأربع الماضية كانت الأبنية التعليمية قد أنشأت نحو 40 ألف فصل فقط من إجمالى 70 ألفاً كانت تحتاجها لسد الاحتياج اللازم لاستيعاب مليونين و888 ألف طفل زيادة سكانية بجانب الكثافات العالية.

حتى وإذا ارتضينا ألا نسعى لإقامة فصول جديدة لاستيعاب المواليد الجدد الذين يتوافدون سنوياً على المدارس، وقصرنا اهتمامنا على تحسين واقع الفصول القائمة حالياً، فإن سحب مثل هذا المبلغ الضخم من ميزانية الأبنية التعليمية سيؤثر بكل تأكيد على الحالة المتردية للفصول القائمة حالياً وسيلحق ضرراً كبيراً بملف صيانة المدارس التى تهدد نسبة كبيرة منها حياة التلاميذ، إلى جانب مشهد تكدس نحو 80 تلميذاً فى فصول دراسية بلا مقاعد، حتى وإن وجدت فهى فى حالة يرثى لها من «التهالك»، إضافة إلى مبانٍ مدرسية بلا صيانات، ونوافذ بلا زجاج فى العديد من المدارس، وحتى إن وجدت فهى تهدد حياة التلاميذ بـ«الذبح» لتعرضه للسقوط فى أى لحظة.

سيادة الوزير.. ليس معنى أن تجربة «التابلت» قد أثبتت نجاحها بصورة مبهرة فى أيدى تلاميذ أى بلد آخر، أن تنجح فى مجتمعنا الذى ينقصه الكثير من البنية التحتية فى مدارسنا التى يترنح الكثير منها.. فـ«العبقرية» ليست فى نقل تجارب الآخرين والنجاح فى تنفيذها، إنما فى اكتشاف خصوصية المكان وما يلائمه ويتوافق معه ويحقق التطور المنشود، وفق ما كتبه صديقى الكاتب الصحفى حازم منير..!

سيادة الوزير من المؤكد أن فقه الأولويات يفرض علينا تحسين أحوال المدارس والمدرسين أولاً ثم البحث عن أفكار للتطوير.. وإذا كانت الوزارة ومسئولوها قد أكدوا مراراً تصديهم لظاهرة الدروس الخصوصية إلى درجة أنك قد كلفت مكتبك الفنى لشئون المعلمين، بإعداد مشروع قانون لتقديمه لمجلس النواب، بعد موافقة مجلس الوزراء، لتجريم الدروس الخصوصية ضمن آليات الوزارة للقضاء على تلك الظاهرة، فإن هذه الظاهرة ستبقى طالما أن أوضاع المدارس كما هى عليه الآن، فكيف سيتفاعل نحو 80 تلميذاً وربما أكثر مكدسين فى الفصول مع شرح المدرس إذا ما شرح بالفعل وسط هذا التكدس؟ ولن تمنع تلك العقوبات المالية الكبيرة التى سيتضمنها مشروع القانون الجديد ولن تجدى عقوبة الحبس لأصحاب مراكز الدروس الخاصة فى إغلاقها..!

الأمر لا يتوقف بالتأكيد على صياغة قانونية محكمة ولا يجرى تنفيذها، ويكفى هنا واقعة مدرس الإسكندرية الذى عرضت «فيديوهاته» على وسائط التواصل الاجتماعى وهو يصفع تلاميذ صغاراً على وجوههم ويهينهم لدرجة وصلت إلى «سب الدين» -والعياذ بالله- وإلقاء الكراسى عليهم، رغم أن الضرب بالمدارس جرى تجريمه منذ سنوات.. والأغرب من كل هذا أن هذا المدرس سبق فصله من الوزارة منذ 8 سنوات، ومع ذلك تسلل إلى هذه المراكز طوال هذه السنوات، وهو ما يستوجب محاكمته بجريمتى انتحال شخصية مدرس وإهانة تلاميذ دون الاكتفاء بإصدار بيان يغسل أيدى الوزارة من هذه الجريمة..!

فى النهاية فلتتخذ قراراً شجاعاً بإعلان تأجيل تطبيق منظومة التعليم، وبخاصة فيما يتعلق منها بأجهزة «التابلت» حتى يتم توفير أسباب نجاحها عملياً.. ومرة أخرى فإننى لست من بين أصحاب المصالح الذين يستهدفونك ويستهدفون مشروعك «العبقرى».. ولكِ يا أغلى اسم فى الوجود ولأجيالك المقبلة السلامة دائماً..!