ذكريات «عبدالشافى» مع الاحتلال الإنجليزى: «فين أيام لمبة الجاز اللى كنت بعمّرها بنص فرنك»

كتب: أحمد الشمسى

ذكريات «عبدالشافى» مع الاحتلال الإنجليزى: «فين أيام لمبة الجاز اللى كنت بعمّرها بنص فرنك»

ذكريات «عبدالشافى» مع الاحتلال الإنجليزى: «فين أيام لمبة الجاز اللى كنت بعمّرها بنص فرنك»

لون واحد يرتديه، بين ألوان عدة يجلس بينها، فجلبابه الرمادى لا يتغير وسط ألوان الخضار والفاكهة، يجلس مُعمماً، «فعمته» لم يتركها منذ أكثر من 70 عاماً، هى بالنسبة له أيقونة، لو تخلى عنها، تخلى عن كرامته.. محمد عبدالشافى الرجل الثمانينى، جاء من قرية «جزيرة شندويل» فى سوهاج، قدم مُعبئاً بالغُلب والأسى، وقتها لم يتعد عمره الـ10 سنوات، عندما كان الاحتلال الإنجليزى يُغطى سماء المحروسة، لكنه وجد فيه رزقاً زهيداً يستطيع من خلاله بدء حياة جديدة، كانت مهمته تبدأ وقتما يُلقى الليل بظلاله، يذهب هو ومن فى نفس عمره صوب أعمدة الإضاءة، التى لم تكن تعمل وقتها بالكهرباء، يعتلى أحد الأشخاص على سلم خشبى يقبض بيديه على المصباح، فيما يقوم «عبدالشافى» بمهمة تعميره بـ«الجاز»، مقابل «نص فرنك» تمنحها له قوات الاحتلال، يعمل عبدالشافى «سريحاً» على عربة خُضار، تُمثل له صُداعاً فى رأسه، حتى بعد اقتناصه رخصة لـ«فرشته» بسبب الموال الطويل الذى ليس له نهاية «كل واحد من الحى أو من الشرطة بيكون عاوز ياخد بضاعة ببلاش». بعد أكثر من عقدين، يجلس «عبدالشافى» أمام فرشة الخضار، مقارناً بين أيام الاحتلال وحال البلد «اليومين دول»: «والله زمان كانت الدنيا أحسن.. فيه أيام بتعدى عليا باروح بـ60 جنيه فى الشهر»، لديه ثمانية أولاد، المتزوج منهم يعول نفسه، أما الذى لم يتزوج بعد، فاستطاع «عبدالشافى» توفير شقة صغيرة له، فيما يقطن هو فى إحدى العشش، رافضاً الإقامة معهم فى الشقة، فهو صاحب نظرية خاصة فى السكن: «بالنسبة ليا القبر أهم من السكن».