ترك وظيفته الحكومية وعمل نقاشا بعد الـ70.. عم محمد: "كله عشان بناتي"
عم محمد
جسد نحيل يتحرك ببطيء وسط جرادل البويات، يحمل بين يديه المكسوتان باللون الأبيض فرشة دهان، باعتبارها الأداء المفضلة لممارسة مهنته الشاقة "النقاشة"، التي تحتاج لمجهود بدني كبير، لا يتناسب مع عمر عم محمد بشير صاحب الـ74 عامًا، الذي يخفي معاناته بابتسامة تكشف عن أسنانه المتساقطة، بعد أن ودع وظيفته كأمين مخازن في إحدى الجامعات الكبرى وتعلم هذه الصنعة للإنفاق على فتياته الأربعة.
"خلفتي كلها بنات عايز أسترهم"، زوج الكبرى وينفق على تعليم الأخريات، لا يبالي من الوقوف في الأماكن العالية والضيقة والحواشط غير المناسبة لسنه، حتى يظل محافظًا على مكانه بين شباب المهنة: "بتعلم من الصغيرين التطورات اللي حصلت عشان محسسش الزبون بالفرق"، حسب محمد بشير.
تنازل عن وظيفته الحكومية لضعف راتبها، 30 جنيه في الشهر، لم يتترد في التخلي عنها والبحث عن مهنة تدر له دخلًا أكبر خاصة أنه لم يرزق بالولد الذي يعتمد عليه في كهله: "البنات رزقها واسع يوميتي 150 جنيه فضل ونعمة"، قبل تلك المهنة عمل "قهوجي" لأنها لم تستمر ووجد في الصنعة ضمان رغم صعوبتها: "بشتغل من أيام الجير وبعدها طلع البلاستيك والكمبيوتر وبحاول أطور نفسي".
لا يخجل من التعلم من الشباب الأصغر سنًا، يفضل العمل معهم خاصة وقت تعبه وتراجع صحته بسبب ألم فقراته التي تفقده التي تفاجئه أثناء عمله فيعجز عن الوقوف وتفشل المسكنات والحقن في استعادة حركته: "من أسبوع كنت بشتغل وفجأة بقيت مش قادر أصلب ضهري، نمت وولد معايا كمل بدالي"، يحكي أن هيئته التي تفضحها علامات تقدم العمر وشعره الأبيض وتجاعيد جسده بأكلمه تجعل بعض الزبائن تترد في الاستعانة به لكنه يحاول جاهدًا إثبات العكس وأنه لا يزال يمتلك القوة التي تجعله جدير على ممارسة تلك المهنة: "بشتغل من 8 الصبح للمغرب وبطلع أحسن شغل وبأقل سعر ولوحدي محدش بيصدق"، يسعى لآداء رسالته على أكمل وجه في سنواته المتبقية بالإطمئنان على فتياته وتتويج رحلته بزواجهن وإنهاء دراستهن الجامعية: "ده كل أملي في الحياة".