هالة زايد.. وزيرة من فولاذ!
نادراً أن نمدح مسئولاً فى أى موقع تنفيذى إيماناً بأن أداء أى مسئول لواجباته أمر طبيعى تولى موقعه من أجله، وأن دورنا هو إرشاد المسئول، أى مسئول، عن مواطن الخلل لديه وفى المؤسسة التى يديرها وتعود سلباً على الوطن وأهله، من أجل مواجهتها والتخلص منها، وننتقل إلى الانتقاد والانتقاد العنيف إن كانت السلبيات فادحة وتم إبلاغ المسئول بها بكل وسائل الإبلاغ المتاحة.. لكن نتوقف أمام أداء أى مسئول للإشادة به ومساندته فى حالات محددة، منها إن كان الجهد خارقاً للعادة ويفوق المطلوب منه، أو يتم التربص به من جهات معادية أو قوى فساد تتضرر من إجراءاته.. وهنا يكون دعمه واجباً وإلى أقصى حد ممكن!
وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد ينطبق عليها الشرطان.. تشرف على عملية تعبئة عامة بوزارة الصحة غير مسبوقة فى أوقات السلم، وأيضاً تتعرض لحملة تشويه وابتزاز كأى وزير يقدم للوطن شيئاً نافعاً بهدف وقفه وإفشاله ممن لا يريدون خيراً لمصر.. ليس ما نقصده حملة «100 مليون صحة» رغم أهميتها وعبء متابعتها وإدارتها بعدد فرق طبية يتجاوز الـ4 آلاف فريق.. كل فريق مكون من مجموعة من الأطباء المتخصصين بدأت عملها فى 1412 نقطة مسح زادت إلى 1448 نقطة ثابتة، فضلاً عن نقاط مسح بفرق متحركة للعاملين بالمشروعات الكبرى والجامعات المصرية، المسح من سن 18 عاماً وبدون حد أقصى للعمر، وتقديم العلاج للمصابين خلال أسبوع من الفحص ولمرضى التليف الكبدى خلال فترة تتراوح ما بين 15 و21 يوماً، بينما عدد أماكن الفحص استمرت فى العمل بعد مواعيد العمل الرسمية لهم، وهى 12 ساعة متصلة من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء!
فالوزيرة أصدرت الشهر الماضى أيضاً القرار رقم 480 لسنة 2018 بالتأمين الصحى على عمال المقاولات والتشييد والبناء والمحاجر والملاحات، وهو ما يحدث لأول مرة، ثم تصدر القرار الذى سيجر عليها فيما نظن مشاكل ومعارك عديدة، وهو قرارها رقم 18 لسنة 2018 بإلزام العيادات والمستشفيات والمعامل وبنوك الدم والمراكز الطبية ومركز الأشعة بوضع لافتة تتضمن قيمة الكشف والمقابل المادى لأى خدمة طبية داخل المنشأة ! مع إلزام المؤسسات الطبية أو العيادات الخاصة بتسليم إيصال للمواطن يثبت ما دفعه نظير ما حصل عليه من خدمة طبية، وكذلك تقرير طبى مكتوب بالحالة وما تم معها من إجراءات طبية!
هذا القرار لن يرضى العديد من الأطباء الكبار، وقد تجاوزت أجورهم حدود المعقول ليس فقط لكتابته على مدخل العيادة أو المركز الطبى أو المستشفيات التى يمتلكونها ويديرونها وإنما أيضاً لإثبات دخولهم وأجورهم كتابة فى إيصالات رسمية ومعتمدة، وبالتالى قدرة الدولة على تقدير الدخل الشامل لهم ثم تقدير نصيبهم من الضرائب المستحقة عليهم!
القرار السابق يطول لمن لا يعلم 38 ألف عيادة خاصة و4620 مركزاً طبياً خاصاً لو احتج منها 5% على القرار السابق ستكون الوزيرة أمام مواجهة كبيرة مع أباطرة يمتلكون المال والنفوذ، وبالتالى يستطيعون امتلاك مساحة من الإعلام بمختلف وسائله بما فيها مواقع التواصل الاجتماعى!
أكثر من مليونى مواطن فحصتهم حملة «100 مليون صحة» حتى كتابة هذه السطور، والرقم فى تغير دائم بما يعنى تفاعل الناس مع المبادرة التى تستهدف فى ستة أشهر خمسين مليون مواطن، وهو رقم أسطورى، بينما تم تجاوز رقم الثلاثين ألف عملية جراحية ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار! أى كان لدينا ثلاثون ألف مواطن يطلبون الشفاء ولا يجدونه ويبحثون عمن يوقف آلامهم ولا يجدونه حولهم، عشرات الألوف من الأسر يتألمون لهم ويعانون معهم وفجأة يتحول الألم إلى أمل ويبقى مثلهم فى طريقه للشفاء مع الشعور أن هناك من يشعر به ولا يتركه فى أزمته، وهذا الأخير وحدة مكسب إضافى كبير ومهم!
الوزيرة تشرف أيضاً على حملة زرع القرنية لعشرات الألوف ممن يحتاجون لها ليستردوا نور عيونهم، وقد ذهب مع الزمن أو سرق بالإهمال، وعندما نعرف أن الوزارة تضم مئات الألوف من العاملين والموظفين من بينهم نخبة العقول المصرية، ممثلين فى الأطباء من تجاوز عددهم سبعين ألفاً ومعهم عشرون ألف صيدلى وخمسة عشر ألف بيطرى يعملون فى 9 إدارات أساسية، ويتبع كل هؤلاء جهاز تنفيذى وإدارى ضخم يندر أن يوجد فى بلاد أخرى، مكون من الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية إلى العامة للتأمين الصحى والقومية للرقابة والبحوث الدوائية والمؤسسة العلاجية وهيئة الإسعاف المصرية والقومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية واللقاحات والشركة المصرية القابضة للمستحضرات الحيوية والمجلس القومى للسكان والقومى للصحة النفسية والمعهد القومى للتغذية ومركز البحوث الميدانية والتطبيقية والأمانة العامة للمراكز الطبية المتخصصة ثم الإدارة المركزية للمعامل والمركزية لشئون الصيدلة والهيئة المصرية للتدريب الإلزامى للأطباء والمعهد القومى لتدريب الأطباء! يتبعهم جميعاً آلاف المستشفيات والمؤسسات لها مشاكلها ومتطلباتها وميزانياتها وشكاواها وأخطاؤها!
بالطبع كل وزراء الصحة أداروا تلك المنظومة.. منهم من أبلى بلاء حسناً ومنهم من خاب وخاب معه حال الصحة فى مصر.. لكنها أول سيدة تتحمل العبء السابق ومعها ملفات جديدة أضيف إليها وأضيف إليها فجأة وفى وقت واحد.. ورغم ذلك كان استقبال إعلام الشر لها سيئاً حاول إحباطها منذ الساعات الأولى لها فى مهامها، إلا أنها ردت عملياً بأدائها الرفيع وبصمودها الشجاع ومتابعتها لكل صغيرة وكبيرة بشكل مباشر وبلا تفويضات قد تكون سلبية للعمل!
هل ليس للوزيرة أى أخطاء؟ إن قلنا ذلك نظلمها ونصفها بصفات غير بشرية.. إنما القصد أن الأخطاء مع كل هذه الأعباء تدفعنا للصبر عليها، والخطأ مع كل هذه المهام يدفعنا إلى الوقوف بجانبها نحن المجتمع والصحافة والإعلام فى المقدمة، والسلبيات مع ما ورثته من منظومة متهالكة يدفعنا إلى تشجيعها وأن تخوض كل ذلك وسط طلقات معادية كثيفة يلزمنا بدعمها إلى أبعد الحدود.. وإلى اللحظة التى سيقررها القدر.. وإما أن تدخل التاريخ أو أن تخسر تلك الفرصة التى جاءتها دون إخطار سابق!