حصيلة قتال «204 أشهر»: «طالبان» تسيطر على 40% من البلاد.. والتفاوض شبه مستحيل

كتب: نادية الدكرورى

حصيلة قتال «204 أشهر»: «طالبان» تسيطر على 40% من البلاد.. والتفاوض شبه مستحيل

حصيلة قتال «204 أشهر»: «طالبان» تسيطر على 40% من البلاد.. والتفاوض شبه مستحيل

فى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2001، سقط نظام حكم «طالبان» فى أعقاب الحرب التى شنتها قوات التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة، ولأن عنوان الحرب التى أطلقتها «واشنطن» كان «مكافحة الإرهاب»، فإن الهدف الأساسى لهذه الحرب كان إسقاط «طالبان» التى نجحت فى «توفير ملاذ آمن لزعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن»، ورغم الإطاحة بحكم «طالبان»، فإنه لم يتم اعتقال أول زعيم للحركة الملا محمد عمر، رجل الدين الذى فقد إحدى عينيه خلال قتال القوات السوفيتية فى ثمانينات القرن الماضى، ورغم وجود آلاف الجنود الأمريكان، فإن الحركة لا تزال تسيطر حالياً -وفقاً لمراقبين دوليين- على 40% من أفغانستان، وتوسع سيطرتها يومياً.

«لا يمكننا الفوز فى أفغانستان لأننا لا نعرف لماذا نحن هناك».. كان هذا عنوان مقال للكاتب ستيف كولى، نشره فى صحيفة «نيويورك تايمز»، أشار فيه إلى نص مراجعات سرية للحرب فى أفغانستان ترجع لعهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش عام 2008، جاء فيها: «أمريكا لا تخسر الحرب، ولكنها لا تفوز أيضاً، وهذا ليس جيداً بما فيه الكفاية». وحاول «ستيف» الإجابة عن تساؤل رئيسى، هو: «لماذا تقف أمريكا عاجزة؟»، لافتاً إلى أن أهداف الحرب الأمريكية فى أفغانستان مليئة بالتناقضات والأوهام، وهو ما انعكس فى إجابات رؤساء أمريكا (بوش وأوباما وترامب) عن سبب وجود القوات الأمريكية هناك، والمصلحة التى تأتى من التضحية بهم، وكيف تنتهى هذه الحرب.

{long_qoute_1}

«ستيف» مؤلف كتاب «الحروب السرية الأمريكية فى أفغانستان وباكستان»، لفت إلى محاولة مختلفة من «ترامب» بتقليص المساعدات لباكستان بنحو 1.3 مليار دولار سنوياً لممارسة المزيد من الضغوط على جهود مكافحة «طالبان»، إلا أن تاريخ العقوبات الاقتصادية على باكستان لم يؤتِ ثماره، لافتاً إلى أن «أوباما» وخبراءه الاستراتيجيين اعتقدوا أن حركة «طالبان» لا تمثل تهديداً مثلما تفعل «القاعدة»، ما جعل التركيز ينصب بالكامل على الأخيرة، إلا أن بعض قادة وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أرادوا محاربة «طالبان»، لكن مجلس الأمن القومى -بمن فيه وزير الدفاع آنذاك روبرت جيتس- أقر بأن الحرب التى تقودها أمريكا ضد «طالبان» لا يمكن كسبها، على الأقل ليس بالسرعة الكافية أو التكلفة المقبولة، خصوصاً أن هذه الحركة تعد جزءاً من النسيج السياسى لأفغانستان، لافتاً للمخاوف الأفغانية من الإعلان الأمريكى لـ«أوباما» عام 2009 من انسحاب القوات الأمريكية وتسليم الحرب عام 2011، وهو ما عكسته تصريحات قائد الجيش الجنرال أشفق برويز كيانى، فى اجتماع مع القادة العسكريين الأمريكيين وحلف «الناتو» بأن القوات الأفغانية ستفشل فى احتواء الأمر نظراً لعددها، وأن الجهد الذى تقوه أمريكا ضد «طالبان» لن يكون حاسماً، أى إنه كان يتنبأ بالفشل الأمريكى. رغم العملية الأمريكية التى استهدفت اغتيال أسامة بن لادن، بحسب ما يقول «ستيف»، فإن قيادة حركة «طالبان» والعديد من الجماعات العنيفة الأخرى، لا تزال سالمة تعمل من «لاهور» إلى «كراتشى» إلى «كويتا» إلى «كشمير» الخاضعة لسيطرة باكستان، ما جعل الكثير من الجنرالات الأمريكيين الذين قادوا الحرب الأفغانية يقرون بأن «الصراع يجب أن ينتهى بتسوية سياسية مدعومة من القوى الإقليمية، ولا يوجد حل عسكرى محض ضد طالبان»، إلا أن أمريكا تواصل إعطاء الأولوية للعمل العسكرى على حساب الدبلوماسية. وحاول عدد من المسئولين الحكوميين الأفغان وقادة «طالبان» السابقين التحدث من تلقاء أنفسهم للتوصل للسلام خلال العقد الماضى، إلا أن البعض اغتيل من قبل المتشددين، ولن يكون البديل عن المفاوضات إلا الاستسلام والانسحاب العسكرى، ولكن ذلك يؤدى إلى مزيد من العنف والنفوذ المتزايد لحركة «طالبان». ولفت «ستيف» إلى أن «ترامب» لم يعد أمامه سوى إعداء الأولوية للدبلوماسية رفيعة المستوى، للضغط على الأطراف الداخلية المختلفة فى أفغانستان، لتجنب محاولة «أوباما» فى التفاوض سراً مع «طالبان» إلا أن الأجهزة الداخلية أفشلتها.

منذ أيام، نشر الخبير فى السياسة الأمنية الأمريكية وأحد أعضاء المجموعة الاستشارية التى ساهمت فى تشكيل استراتيجية جديدة لحرب أفغانستان أنتونى كوردسمان، ورقة بحثية بالمركز الأمريكى للدراسات الاستراتيجية، بعنوان: «قول الحقيقة حول الحرب فى أفغانستان»، لفت فيها إلى ضرورة تلافى الأخطاء التى ارتكبتها أمريكا فى حربى «فيتنام» فى الستينات، والعراق فى 2003، لافتاً إلى أنه منذ عام 2011، خفضت الولايات المتحدة بشكل منهجى مستوى التقارير الرسمية، وتوقفت عن الإبلاغ عن المشكلات المدنية فى أفغانستان، واستخدمت أساليب إضافية لتغطى كشف بياناتها «الحساسة».

وطالب «أنتونى» بأن تتحلى التقارير بالشفافية والدقة التى تطابق ما تقوله الإدارة الأمريكية علناً عن الحرب، كما أن قيادة القوات الأمريكية الجديدة فى أفغانستان متمثلة فى الجنرال أوستن ميلر، تحتاج لإجراء تقييم لنقاط الضعف والفشل الكامنة فى الحكومة الأفغانية، والجانب المدنى والعسكرى للحرب، ومدى قدرة القيادة الأفغانية على كسب الدعم الشعبى بشكل كامل، خصوصاً مع تصنيف مؤشرات الحكم التى يصدرها البنك الدولى للحكم الأفغانى باعتباره من الأسوأ عالمياً، كما تصنف منظمة الشفافية الدولية الحكومة الأفغانية فى المستوى الرابع بين 180 دولة بالأكثر فساداً. طرح «أنتونى» عدداً من التساؤلات يأمل أن تجيب التقارير الأمريكية عنها، أبرزها «مواقع ضحايا القوات الأمريكية، والجيش والشرطة الأفغانية، والخرائط المتعلقة بجميع الاشتباكات العسكرية، والحوادث الأمنية، وكيفية تقدير الخسائر فى صفوف المدنيين مقارنة بتقديرات الأمم المتحدة، وما هى الاتجاهات فى مستويات العنف الطائفى، والعرقى، والقبلى؟ وكيف يختلف مستوى سيطرة الحكومة المركزية ونفوذها حسب المنطقة، وتأثير وسطاء القوة، وأمراء الحرب وتجارة المخدرات، التى تعد مصدر الدخل الرئيس الثابت لأفغانستان، ومن يتحكم فيها، وما هى خطوط الاتصال الرئيسية الآمنة، ونقاط التفتيش غير المهددة، وما هو التقدم الملموس الذى تحققه الحكومة الأفغانية فى مستوى الفساد بالحكومة، والجيش والشرطة، وما هى المقاييس الموثوق بها فيما يتعلق بمؤشرات التنمية مثل الفقر، والصحة، والتعليم؟»، لافتاً إلى أن غياب الإجابة يعد بمثابة دفن للمعلومات التى تسلط الضوء الحقيقى للجهد الأمريكى فى ظل تدهور الوضع الأمنى جراء الحرب، وغياب الحاكم الأفغانى الفعال.

{long_qoute_2}

وفى مقال للكاتب رود نورلاند، الرئيس السابق لمكتب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فى «كابول»، بعنوان: «كيف تسىء الحكومة الأمريكية للجمهور حول أفغانستان؟»، وصف الكاتب التقارير الرسمية عن الحرب بـ«الأكثر انحيازاً وغشاً»، وأن الحرب الدائرة يمكن وصفها بأنها حرب «الحقيقة والأكاذيب» فى بلاد لم يعرف سكانها غير الحرب، لافتاً إلى أن تقديرات مسئولين عسكريين أمريكيين لعدد المقاتلين النشطين فى حركة «طالبان» يتراوح ما بين 20 إلى 40 ألف مقاتل، إلا أن هذا الرقم لم يتغير كثيراً لسنوات رغم أن الحكومة الأفغانية تزعم أنها قتلت ما يقرب من ألف شخص فى أحد الأشهر.

ولفت «رود» إلى صعوبة تقدير الحجم الحقيقى للجيش الأفغانى، فوفقاً لتقديرات إعادة إعمار أفغانستان التى تعد هيئة رقابة حكومية أمريكية، فإن الجيش الوطنى الأفغانى يبلغ 86% من قوته، وأن جميع قوات الأمن والشرطة والجيش، ووحدات خاصة بلغت 310 آلاف، وذكرت الوكالة بأن معدل الاستنزاف للجيش الأفغانى يصل إلى 2% شهرياً، تشمل الفرار من الخدمة، والفشل فى إعادة التجنيد، أما الخسائر فأصبحت «سرية»، بحسب الكاتب، وهو القرار الذى اتخذته المؤسسة العسكرية الأمريكية منذ العام الماضى.

وفى محافظة «أروزغان»، قال رئيس مجلس المحافظة أمير محمد باراكزاى «إن مسئولين طلبوا عبثاً المزيد من الموارد لمحاربة المتمردين، إلا أن طالبان تكسب هذه الحرب»، فيما قال رئيس اللجنة الأمنية فى ولاية هلمند «إن الفساد هو سبب ضعف الحكومة.. لا أعتقد أن طالبان أقوى منا. ما يجعلها أقوى عدم كفاءة مسئولينا. إن أولوياتهم ليست الفوز بالحرب بل تحقيق المصالح الشخصية».

وعن تجهيز القوات الأفغانية، نقل صحفى «نيويورك تايمز» عن أحد أعضاء مجلس مقاطعة «لوغار»، قوله: «إذا قارنا القوات المناوئة للحكومة مع قوات الأمن الأفغانية فإن طالبان مجهزة بشكل أفضل ولديها المزيد من الموارد وإمكانيات الوصول إلى الأسلحة الحديثة.. إذا استمرت الأمور على هذا النحو ستكون حركة طالبان هى الرابحة»، فيما ذكر ديفيد كين فى كتابه الذى نشره معهد دراسات التنمية فى كلية لندن للاقتصاد بعنوان «حرب لانهائية»، وفقاً تقديرات أحد كبار الخبراء المتخصصين فى مكافحة الإرهاب فى مكتب التحقيقات الفيدرالى، أن حرب أفغانستان لم تسفر إلا عن تقليص قدرة القاعدة بنسبة 30% فقط. إذ إن العديد من ناشطيها فروا إلى إيران. كما عاد العديد من قيادييها إلى أوطانهم الأصلية، بما فيها الشيشان وجورجيا واليمن وشرق أفريقيا.

«هذا النزاع هو الأكثر دموية فى العالم»، هكذا وصفت تصريحات المستشارة لدى معهد الأزمات الدولية جيريمى سميث، التى أكدت أن «الحرب فى أفغانستان على وشك أن تتجاوز حصيلة 20 ألف قتيل عام 2018 بما يشمل المدنيين.. لقد أحصت الأمم المتحدة أساساً أكبر عدد من الخسائر المدنية فى النصف الأول من العام الحالى مع 1692 قتيلاً، فيما الخسائر فى صفوف الجيش الأفغانى التى لا تعلن (تبدو مرعبة)»، معبرة عن مخاوفها من أن تتجاوز الحصيلة الأفغانية «حصيلة أى نزاع آخر فى العالم»، مقارنة بما أعلنه المرصد السورى لحقوق الإنسان من حصيلة القتلى مع بدء العام الحالى فى سوريا بنحو 15 ألف شخص، ليصبح النزاع الأفغانى «الأكثر دموية فى العالم».


مواضيع متعلقة