هل ندم حسن البنا على أفكاره؟! (3-5)

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

ذكرت فى المقالين السابقين شهادة ثلاثة من المقربين لحسن البنا تؤكد ندمه فى آخر حياته على المسار الذى سار فيه بالجماعة، وأنه تمنى لو أن الإخوان تفرغوا للدعوة والتربية بعيداً عن السياسة، والثلاثة هم الشيخ محمد الغزالى، والدكتور عبدالعزيز كامل، والدكتور محمد فريد عبدالخالق، وفى هذا المقال نضيف شهادتى عبدالحليم أبوشقة وكريم ثابت.

وعبدالحليم أبوشقة -لمن لا يعرفه- هو صاحب الكتاب الشهير: «تحرير المرأة فى عصر الرسالة»، ومن الشخصيات التى تعتز بها جماعة الإخوان، وحاور «البنا» كثيراً حول ضرورة اهتمام الإخوان بالتربية، والتقليل من النشاط السياسى الذى ابتلع معظم مجهودات الإخوان، وفى عهد «البنا» حذر كثيراً من خطر الانشغال بالعمل السياسى على حساب الفكر والتربية، وجاء فى مذكراته المخطوطة: «إن البنا بدأ يتجه إلى اعتزال السياسة والتركيز على الجانب التربوى، وقد بدأ يعلن هذا بين بعض قيادات الجماعة، وأنه رفض التعاون مع الوفد لإسقاط حكومة السعديين من منطلق أن الجماعة فى طريقها لاعتزال السياسة، كما رفض دعوة إبراهيم عبدالهادى، الذى كان يشغل رئيس الديوان الملكى، للقائه لنفس السبب، ويؤكد هذا الاتجاه أن البنا قام بزيارة لفتحى رضوان عرض فيها أن يتفرغ مع بعض الدعاة من الإخوان للتربية والتكوين، وأن يقتصر نشاط الجماعة على هذا المجال، وأن يتم توجيه من يريد أن يشتغل بالعمل السياسى إلى الحزب الوطنى، ليعمل تحت قيادة الحزب وحسب توجيهاته»، ويراجع فى هذا النقل الباحث الدكتور عماد حسين محمد فى بحثه: (الإخوان المسلمون من الفكرة إلى المشروع)، الذى نشره بمجلة (المسلم المعاصر)، العدد 139، سبتمبر 2011م.

أيضاً كتب القيادى الإخوانى عصام تليمة عدة مقالات عام 2016 بعنوان: (تاريخ من النقد المعلن والمراجعات)، نشرت على موقع (عربى 21) الداعم للإخوان، نقل فى إحداها شهادة كريم ثابت، وهو قبطى كان مستشاراً إعلامياً للملك فاروق، وكانت شهادته ضمن مذكراته التى نشرها فى جريدة الجمهورية سنة 1955م، وقال فيها:

«اتصل بى الأستاذ مصطفى أمين، أحد صاحبى دار أخبار اليوم، فى ذات يوم، وكنا فى منتصف شهر ديسمبر سنة 1948، وقال لى: إنه رتب اجتماعاً بينى وبين الشيخ حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين، فى مساء الغد، وفى الساعة السابعة من مساء اليوم التالى التقيت بالشيخ حسن البنا عند مصطفى أمين فى داره بالروضة، وكانت هذه أول مرة أجتمع فيها بالمرشد العام، وكان النقراشى قد أصدر أمره العسكرى بحل جمعية الإخوان المسلمين وفروعها بالأقاليم، ومصادرة أموالها، وأخذ فى تنفيذ التدابير التى تقتضيها هذه الإجراءات، وامتدت موجة الاعتقالات بين المنتمين إلى الجماعة، وطفق الشيخ حسن يحدثنى عن قسوة تلك التدابير واتساع نطاقها، وأفاض الشكوى منها، ثم استطرد يقول: إن انحراف الإخوان المسلمين إلى الاشتغال بالسياسة كان خطأ كبيراً، وإنه كان أحرى بهم أن يتجنبوها، وأن يصونوا أنفسهم عن الانزلاق فى معمعتها، وأن يقصروا رسالتهم على خدمة الدين، ويصرفوا جهودهم فى الدعوة إلى مكارم الأخلاق والهداية إلى آداب الإسلام، وهو الأصل فى تكوين الجماعة».

إذاً هذه شهادات جديدة تؤكد ندم «البنا» فى آخر حياته على المسار الذى مضى فيه، وهناك شهادات أخرى تمضى بنا لتأكيد ندم «البنا»، وتبين مدى الاضطراب والتشوش الذى عاش فيه «البنا»، وهو ما نكمله فى المقال المقبل إن شاء الله.