لوكاندات «كلوت بك».. مأوى الجاليات العربية

كتب: سلمى سمير

لوكاندات «كلوت بك».. مأوى الجاليات العربية

لوكاندات «كلوت بك».. مأوى الجاليات العربية

لم يكن «كلوت بك» مؤسس مستشفى قصر العينى فى القرن الـ19، يعرف أن حالة الشارع الذى أطلق عليه اسمه ستتغير على مدار 200 عام مضت، ويتغير رواده وحالتهم وجنسياتهم، وتتغير البارات الصغيرة التى كانت من علامات الشارع إلى دكاكين ضيقة المساحة ومحال لتصليح الأجهزة الكهربائية والغسالات المتهالكة، جنبات الشارع التى تحتوى على ممرات معمارية قديمة أصبحت مغطاة بالكثير من اللافتات الموضوعة من كثرتها فوق بعضها البعض، الشارع لم يعد أحد أقدم وأشهر شوارع وسط القاهرة المليئة باللوكاندات الشعبية «البنسيون» والمزدحمة بالمارة طوال الوقت فقط، بل أصبح مكاناً مناسباً لضيافة الجنسيات العربية اللاجئة إلى مصر ليحتموا بها، وتصبح سكناً آمناً لهم، شعوب مختلفة وجدوا فى تلك المبانى القديمة المتهالكة مكاناً مؤقتاً مناسباً لراحتهم بتكلفة زهيدة «على قد ما فى الجيب».

بداية من ميدان رمسيس وتحديداً بالقرب من شارع الفجالة، وحتى سور حديقة الأزبكية بالعتبة تصطدم طوال الطريق بالكثير من اللوكاندات، بعضها يحمل أسماء تاريخية والبعض الآخر أسماء تفاءل بها أصحابها وأصبحت علامة مميزة للمكان، «وادى النيل»، «النسيم»، «الكورسال»، «الدار البيضاء»، «مكة»، «محمد على»، «عرفة»، «الفرج»، «أبناء سوهاج»، «سبلانديد» أسماء حُفرت على لافتات بعضها قديم متهالك والبعض الآخر طرأ عليه بعض التجديد ليناسب تغيرات العصر.

{long_qoute_1}

فى هذا الشارع سيقابلك الكثير من التجار السودانيين المقبلين من الخرطوم بأوتوبيسات برية باحثين عن مكان يضمن لهم إقامة كريمة حتى يتمكنوا من متابعة تجارتهم وشراء مستلزماتهم ويرتاحوا من عناء ومشقة الرحلة، ستجد بعض السوريات الباحثات عن عمل ولم يجدن مكاناً مناسباً لإقامتهن سوى تلك الغرف زهيدة الثمن، ستصادف الكثير من الطلاب الملتحقين بالأزهر من الجنسيات العربية وبعض الأفارقة، سيقابلك بعض اليمنيين والسعوديين والكويتيين المقبلين للعلاج أو السياحة ووجدوا فى هذه اللوكاندات سبيلاً للراحة بأسعار فى متناول اليد.

«عمار يا مصر»، كلمات وردت على لسان آدم محمد، مواطن سودانى الجنسية، قادم إلى مصر لقضاء إجازة قصيرة لمدة 5 أيام، فبعد جولة طويلة من البحث عن مكان يستطيع السكن فيه بأسعار مناسبة له وبتكلفة زهيدة استقر به الحال ليسكن بإحدى اللوكاندات القديمة بشارع كلوت بك: «قررت آجى مصر لأن تكلفة السفر بسيطة وفيها أماكن كتير تشجع الواحد إنه يستجم ويغير جو وما يدفعش فلوس كتير.. أنا خدت قرار أقضى إجازة من غير ما أدفع تكلفة كبيرة وده حصل بالفعل بداية من وسيلة المواصلات اللى جيت بيها مصر اللى كانت الأوتوبيس».

فى البداية انتاب «آدم» بعض القلق من السكن بهذا الشارع، لكن سرعان ما تلاشى هذا الانطباع: «كنت خايف إنى أسكن فى بنسيون سمعت كتير عن حوادث سرقات بتحصل فى الأماكن دى.. لكن فيه كتير من أصحابى السودانيين دلونى على الإقامة فى لوكاندة أبوالهول لأنهم جربوها وعجبتهم الخدمة فيها».

خلال رحلة البحث عن مكان مناسب لتلك الإقامة القصيرة اختار «آدم» بين لوكاندتين: «الأول رُحت لوكاندة كانت أجرة اليوم فيها 35 جنيه لكن كانت قديمة جداً، السرير به بعض الكسور والحمامات قديمة مش نظيفة، مفيش فيها أى صيانة كله مكسر»، استياؤه من شكل المكان جعله يبحث عن شىء أفضل: «استقريت فى لوكاندة تانية بنفس الشارع لكن الغرفة بـ50 جنيه والخدمة فيها أنضف والتجهيزات اللى فيها أحدث شوية، فيها مروحة حتى لو كانت بسيطة بس النضافة بتفرق».

قلة الحيلة هى التى دفعت «آدم» إلى البحث عن سكن بتكلفة زهيدة: «مش معايا المقدرة إنى أعيش فى فندق، الصراحة اللوكاندات حلت أزمات كثير وبقت تعتبر حل للترويج للسياحة بأسعار مخفضة.. مع إنها مش تحت إشراف أى هيئة سياحة هى خاضعة مباشرة لقسم الشرطة»، 1500 جنيه مصرى تلك هى الميزانية التى حددها «آدم» لتشمل كافة مصاريف رحلته: «طبعاً الفلوس دى ما تكفيش تمن ليلة فى فندق فخم.. لكن عن طريق السكن فى لوكاندة عرفت أتفسح بيهم 5 أيام فى مصر».

ظروف علاجه بمعهد ناصر جعلته يتردد على القاهرة لمدة 4 مرات حتى الآن، إبراهيم حسين، مواطن سودانى الجنسية، المصاريف التى يدفعها أملاً فى شفائه من مرض أنيميا الدم أرهقت ميزانيته بشكل كبير، وجعلته مضطراً إلى البحث عن سكن يلائم ظروفه المادية الصعبة: «المستشفى بعيدة إلى حد ما عن العتبة لكن ما باليد حيلة مش معايا فلوس أعيش فى مكان أكثر رفاهية من هنا ولازم أتعالج». {left_qoute_1}

35 جنيهاً فقط هى المصروفات التى يدفعها «إبراهيم» مقابلاً لسكنه بغرفة فى لوكاندة «عرفة» الموجودة فى منتصف شارع كلوت بك بوسط البلد: «المكان مناسب، الخدمة الموجودة فيها على قد الفلوس اللى بدفعها، آه هى متتناسبش مع ظروفى الصحية محتاج رعاية أكتر لكن الحمد لله جداً»، حيث يأتى «إبراهيم» إلى القاهرة برفقة مجموعة من أصدقائه من التجار المقبلين إلى سوق العتبة لشراء بعض المستلزمات لبيعها بالسودان: «باجى معاهم فى أوتوبيسات للقاهرة بتكون رحلة طويلة وصعبة لكن بنهونها على بعض بيشتروا لبس، مفروشات، مستلزمات مدارس للتجارة فيها».

مرض شقيقتها أيضاً بسرطان الدم، جعلها مضطرة لتقطع مسافة طويلة تبلغ نحو 2603 كيلومترات، بداية من العاصمة السودانية الخرطوم وحتى القاهرة، عبر الطريق البرى ليكتمل علاجها، إنصاف النيل، مواطنة سودانية، عندما تشاهدها للوهلة الأولى تشعر أن وراءها معاناة كبيرة تحاول إخفاءها بابتسامة ولكنها لا تستطيع، يبدو على ملامحها علامات الشقاء والتعب والحزن على حالة شقيقتها، منذ مجيئها للقاهرة وهى تفاضل بين أسعار اللوكاندات والبنسيونات حتى استقرت على أقلها سعراً: «الفلوس اللى معانا كلها بنوفرها للعلاج، مرض السرطان بيستهلك كل الميزانية بتاعتنا.. آه كنت بفاصل فى أسعار اللوكاندات عشان أوصل لسعر أقدر عليه»، تتابع حالتها مع أحد الأطباء بمنطقة وسط البلد: «المسافة تعتبر مش بعيدة إحنا لسه متحولناش على أى مستشفى.. ربنا يسهل الحال»، الأمان هو أكثر ما كانت تبحث عنه «إنصاف» خلال رحلة بحثها عن سكن مناسب، تعتبر الغرفة باللوكاندة بالنسبة لـ«إنصاف» وشقيقتها استراحة على قد الإيد: «أحسن من مفيش خالص.. يعتبر الشارع ده هو الملجأ لينا كلنا بنسكن فيه بنعتبر منطقة العتبة فى مصر هى السودان التانية بالنسبة لينا».

100 جنيه هى سعر الغرفة التى اختارتها للعيش فيها: «اخترت غرفة مميزة عشان أختى ما تستحملش إنها تقعد من غير مروحة، حاجة تريحها شوية فى مرضها، مش هيبقى من كله، بحاول أخفف عنها الهم»، لم تستقر «إنصاف» بعد على المدة التى تستقر بها داخل مصر حتى الآن: «إحنا قاعدين تحت رحمة الدكتور وتحت رحمة الفلوس اللى معانا».

غلاء أسعار اللوكاندات بالحسين، كان السبب وراء سكن تعاون راتب، مواطن أردنى الجنسية، بإحدى لوكاندات شارع كلوت بك، حيث جاء فى البداية إلى مصر ليكمل علاج زوجته بعد أن سمع مراراً وتكراراً من جانب أقاربه عن جودة العلاج بمصر وقلة تكلفته مقارنة بالخارج: «دى أول زيارة ليّا فى مصر ومبسوط جداً بيها هنا الناس كريمة جداً.. الميزة فى مصر هو وجود تنوع كبير فى السكن».

إصابة زوجته بمرض شحنات كهربائية زائدة بالمخ جعلته يضطر إلى أخذ إجازة من عمله بمسقط بسلطنة عمان ويجهز كافة التكاليف ليبدأ رحلته إلى القاهرة: «بقالى 4 أيام فى القاهرة لحد دلوقتى ناوى إنى أزود المدة على حسب كلام الدكتور والتحسن فى حالة زوجتى»، 600 دينار عمانى فقط هى تكلفة الرحلة العلاجية كاملة والإقامة داخل الفندق: «الناس دايماً بتكون معتقدة إنك عربى أو جاى من الخليج إنك ثرى ما يعرفوش إن عادى جداً إنك ممكن تقعد فى لوكاندة، احنا بنحب نوفر ومصر فيها اختيارات كتير فى السكن والعلاج يناسب كل الطبقات»، حيث تتكون الغرفة التى يعيش فيها من سريرين فقط إلى جانب مروحة وتليفزيون: «ده كفاية قوى بالنسبة لى أنا مش جاى أتفسح فعايز رفاهيات كتير.. حاجة تقضى الغرض منها».

حارة «درب جنيه» كانت شاهدة أيضاً على تغير أحوال شارع «كلوت بك»، بأحد منعطفات هذه الحارة توجد لوكاندة قديمة شهيرة بالمنطقة تتردد الجاليات العربية عليها للإقامة بها، هيثم مرسى، صاحب اللوكاندة، الذى عمل بالمهنة بالوراثة أباً عن جد، وحاول التجديد فى الشكل المعمارى للوكاندة ليتناسب مع التطور الموجود بالقرن 21: «احنا هنا معروفين فى المنطقة إننا بنسكن كل الجنسيات، السوريين والسودانيين والكوايتة والليبيين واليمنيين والسعوديين».

عقار مكون من 5 طوابق يحمل فى كل غرفة أسراراً وحكايات وقصصاً مختلفة لسكان من بلدان مختلفة: «ورد عليّا طول فترة شغلى جنسيات أشكال وألوان، فيه ناس بتيجى يومين وتمشى وفيه غيرهم بيقعدوا معانا بالسنين، وده حصل معايا فى 2 من النزلاء كان واحد منهم يمنى قعد سنتين بسبب اضطراب الأوضاع فى اليمن، والتانى كان سعودى قعد 3 سنين لظروف عمله».

{long_qoute_2}

50 جنيهاً فقط هو سعر الغرفة باللوكاندة، حيث إن قلة الأسعار كانت سبباً رئيسياً فى توافد النزلاء بشكل كبير: «كانت أقل من كده بكتير زمان كان السكن بـ10 جنيه فى اليوم، لكن الواحد لما بيطور من نفسه بيغلى الأسعار، أنا ركبت أسانسير فلازم أعلى السعر شوية عشان بطلع منه نسبة لأعمال الصيانة»، وبحسب «هيثم» فإن أكثر ما يدقق به هو اكتمال البيانات والتأكد من صحتها: «لازم يبقى معايا صورة من جواز السفر وبعرف سبب الإقامة، وفى حالة لو فيه زوجين لازم آخد صورة من وثيقة الزواج.. عشان أكون فى السليم»، ويتكون العقار من 36 غرفة أغلبها مجهز ومزود بجهاز تليفزيون ومروحة كهربائية، عند وجودك بالمكان تشتم رائحة منظف نفاذة تخترق أنفك: «النظافة هى أهم حاجة.. هى اللى هتخلى الزبون ييجى ويرتاح ويكرر الزيارة، لأن اللوكاندة اللى مش نضيفة الزبون مش بيرجع لها تانى».

«20% خصماً للطلبة المقيمين باللوكاندة»، لافتة معلقة على جدران إحدى اللوكاندات الموجودة بهذا الشارع على الرغم من أسعار غرفها الزهيدة فإن صاحبها قام بتنفيذ تلك الفكرة حتى ينعش عمله، أبوالعلا مرزوق، صاحب لوكاندة «عرفة» بشارع كلوت بك، الذى يعمل فى هذا المجال منذ قدومه من أسيوط بأقصى الصعيد منذ 17 عاماً، لم يكن يعرف شيئاً عن العرب ولم يكن لديه أى صداقات معهم قبل عمله فى هذا المجال: «أكثر ناس بحب أسكنهم عندى فى اللوكاندة هما السودانيين ناس طيبين ومحترمين جداً فى التعامل.. بقيت صديق لناس كتير منهم بطبيعة الشغل».

10 أيام أكثر مدة يسمح بها «مرزوق» لأى نزيل: «مش أكتر من كده إلا لو طالب.. عشان أنا لازم يكون عندى غرف فاضية»، تعد لوكاندة «مرزوق» من أكثر لوكاندات شارع كلوت بك تطوراً، حيث قام بتطوير الغرف لتحتوى على تكييف وراوتر لتوفير خدمة الإنترنت: «أهو بنواكب الأجواء والعصر على قد ما نقدر»، وبنفس آلية تقسيم الغرف بالفنادق الكبرى قام «مرزوق» بتقسيم الغرف داخل اللوكاندة إلى مجموعة من الغرف الفردية وأخرى مزدوجة: «الأسعار عندى 30 جنيه للغرفة اللى فيها سرير واحد والغرفة المزدوجة بـ70 جنيه»، تعد اللغة هى الصعوبة الوحيدة التى يجدها فى التعامل، خاصة مع الأشقاء السودانيين: «فيه منهم بيتكلموا بطريقة مش مفهومة خالص، فى الحالة دى بنتعامل بالكتابة عشان أفهم.. لكن بالخبرة عرفت بعض الكلمات».

مند اللحظة الأولى لخروجه على المعاش بعد قضاء مدة عمله بأكاديمية الشرطة، استقر به الحال للعمل بلوكاندة «الكورسال»، أحمد رفيق، حدثت فى حياته مفارقة كبيرة جعلته مديراً لإحدى أقدم لوكاندات شارع كلوت بك، لوكاندة تتميز بتراثها العريق وشكلها المميز الذى وما زالت تحتفظ به حتى الآن، سلالم خشبية، شرفة كبيرة موجودة إلى جانب الواجهة القديمة للبنسيون، ملامح معمارية جعلت من العقار رقم 14 تحفة معمارية بمنتصف الشارع، على مدار 7 سنوات من عمل «توفيق» بالمكان، التقى بالكثير من الجنسيات المختلفة، خاصة السوريين واليمنيين: «أنا اشتغلت فى أكتر فترة حصلت فيها تغيرات فى البلدان العربية جراء ثورات الربيع العربى، وده خلانى عرضة لمقابلة جنسيات كتير جداً منهم»، يصف «توفيق» حالة زبائنه الذين تجبرهم حالتهم المادية الصعبة وظروفهم القاسية التى تعرضوا لها على القبول بالعيش بهذا المكان: «بعد حالة اضطراب الأوضاع فى سوريا واليمن كان بييجى المكان مواطنين حالتهم صعبة جداً.. كل اللى عاوزينه الحماية والأمان مش شرط بقى العيش فى رفاهية.. عاوزين يشتغلوا ويساعدوا نفسهم». يفضل الكثير منهم السكن بهذه الأماكن لقربها من وسط البلد: «معظمهم بيكونوا شغالين هناك أو بيدوروا على شغل وده أقرب مكان سكنى ليهم بتكلفة بسيطة تناسب ظروفهم»، حيث يصل سعر الغرفة لليوم الواحد بالمكان إلى 50 جنيهاً.

تعد عمارة 24 بشارع كلوت بك أيضاً، مكاناً مميزاً مملوءاً بالكثير من الحكايات التى رواها حمادة الباشا، صاحب إحدى اللوكاندات الموجودة هناك، الذى يعمل بالمجال منذ 50 عاماً: «أنا وارث الشغلانة دى أباً عن جد متربى عليها ومتربى فى الشارع ده.. وعارف كل خبايا المكان وأسراره عندى»، والذى يصف الحال أنه إبان ثورة 25 يناير تزايد أعداد النزلاء أصحاب الجنسيات العربية، خاصة السيدات السوريات: «أكتر جنسية كانت مترددة على الشارع هما السوريين، خاصة السيدات كانوا موجودين بكثرة بلوكاندة سبلانديد»، وبحسب «حمادة» فإن الشارع منتعش بشكل كبير بسبب قدوم الوافدين العرب: «99% من قوام النزلاء فى الشارع من الأشقاء السودانيين والباقى يمنيون وليبيون وأردنيون وفلسطينيون»، يتراوح سعر الغرفة فى اليوم بين 35 و70 جنيهاً: «هنا الأسعار زهيدة هما بيقعدوا فى مكان رخيص وإحنا بنستفاد»، لم يعد أصحاب اللوكاندات يعتمدون فقط على المصريين الوافدين من الأقاليم: «دلوقتى الاعتماد الأكبر بقى على العرب، ومعظم اللى بيشتغلوا فى الشارع صعايدة ومن النوبة وهما أكتر ناس بيعرفوا يتعاملوا مع السودانيين».

يلاحظ «الباشا» قلة عدد السوريين مؤخراً بالشارع إلى حد ما: «ما بقناش بنسكن غير رجال فقط ودائماً اللى بيطمنا إننا تحت الإشراف المباشر من قسم الشرطة»، وعن الأمان واتصالهم الدائم بقسم الشرطة يروى إحدى القصص التى تعرض لها وجعلته يترك نخوته جانباً ويركز فى أن تكون الأوراق كاملة فقط: «كان فيه ست منتقبة جاية عاوزة تسكن والدنيا ليل مفيش ولا لوكاندة راضية تقبلها.. قبلتها فى المكان بدافع النخوة وودينا اسمها فى قسم الشرطة طلعت هاربة ومتقدم ضدها بلاغ».

30 لوكاندة قابلة للزيادة موجودة على جنبات الشارع من بدايته وحتى نهايته، والمنعطفات والشوارع القريبة منه، فتجد خلف مسجد الفتح بميدان رمسيس، مجموعة من اللوكاندات القديمة، صابر بخيت، مدير لأحد أشهر البنسيونات هناك، يعمل بالمجال منذ 25 عاماً، من الوهلة الأولى لمقابلته تجد على وجهه ابتسامة عريضة يرحب عن طريقها بالنزلاء الجدد، طوال الوقت يجلس على مكتبه الخشبى القديم وأمامه دفتر يرصد بداخله بيانات النزلاء، الدفتر مقسم إلى 57 خانة هى عدد غرف الفندق تماماً، التى يشغل العرب منها نسبة ليست بالقليلة، يسكن لديه شاب فلسطينى الجنسية يدعى «بشار» قادم لتلقى العلاج بمستشفى معهد ناصر، وآخر أردنى قدم للسياحة وآخرهم سورى يبحث عن عمل: «معظمهم بييجوا عشان يدوروا على شغل أو للعلاج أول ما بيلاقى المصلحة بتاعته تمت بياخد بعضه ويمشى، إما يرجع بلده أو يشوف شقة بالإيجار فى منطقة التبة».

لم يقتصر الأمر فى اللوكاندة على الجنسيات العربية فقط، فهم يقومون فى بعض الأحيان باستقبال بعض الأجانب: «إحنا بنحاول نطور من نفسنا عندنا الغرفة بـ100 جنيه فيها 3 سراير وحمام ومروحة.. ورد علينا قبل كده الروسى والألمانى والأمريكانى».

تتكون اللوكاندة من 10 طوابق بكل طابق منها 6 غرف ما عدا الأخير يحتوى على 3 غرف فقط: «الحال ماشى، الناس دلوقتى بقت تدور على السكن الرخيص حتى لو سائح، كله عاوز يوفر.. ووجودنا فى منطقة رمسيس بيخلى النزيل ييجى يقيم عندنا قريب من الخدمات والمترو».


مواضيع متعلقة