فيلا هنيدى وخشبة الهوارى

طارق سعد

طارق سعد

كاتب صحفي

لم يكن يؤرق الجمهور وصناع الفن والموثقين له فى السنوات السابقة قدر تراجع المسرح تدريجياً حتى وصل لمرحلة الاختفاء فالمسرح أبو الفنون ومهما تعددت الفنون وتنوعت وزادت جماهيريتها إلا أن للمسرح أهمية خاصة تفرض نفسها وسطوتها أيضاً فلا يمكن تصور استمرار الحياة الفنية دون وجود مسرح.

أكبر هزة حدثت للمسرح هى خروج أصحابه الواحد تلو الآخر .. "عادل إمام – سمير غانم – سهير البابلى" بسبب عامل السن وتأخر "محمد صبحى" لأسباب متعددة وعدم تحمس النجوم للعمل بالمسرح وتحولهم للسينما والدراما رغم أن معظمهم شهادته أساساً من معهد فنون مسرحية!

ربما حاولت بعض المسارح ألا تتوقف وتظل تنبض حتى ولو بعروض متوسطة ومنها العريق "مسرح جلال الشرقاوى" فى ظل تخوف المنتجين من خوض مغامرة إنتاجية مسرحية غير مضمونة بسبب الظروف الاقتصادية من جهة والظروف السياسية التى غرقت بها البلاد فى 2011 واستمرت متخطية الـ 5 سنوات حتى وصلت لحالة استقرار تام أمنى وسياسى واجتماعى وهو ما خلف مآس اقتصادية أخرى جعلت المنتجين لا يثقون فى عودة الجمهور للمسرح وجنى أرباح منه فهجروه ليحاول "أشرف عبد الباقى" تسويق المسرح التجارى الشعبى بفرقته التى أنشأها فيستبشر الجميع خيراً بـ "تياترو مصر" كحلم لعودة المسرح حتى ينتقل لـ "مسرح مصر" الذى جعل الحلم يتبخر موسماً وراء الآخر حتى تحول لكابوس مؤلم.

الغريب أن النجوم اللامعة فى الوسط الفنى لم تشعر بغيرة تدفعها للعودة للمسرح والبحث عن نصوص روايات تحقق بها نجاحات جديدة وأدارت له ظهرها ربما لعدم الرغبة فى ارتباط مسرحى يومى لشهور طويلة يسرق منهم فرصهم فى السينما والدراما التى يصورونها متلاحمة بمعدل 3 أو 4 شهور بالكثير للعمل ومَن تحت خانة النجومية يستطيع الجمع بين عملين واثنان بل ثلاثة وبالتالى تزداد مكاسبهم وليذهب المسرح للجحيم وهو ما كشف جزء منه المنتج "جمال العدل" فى لقائه مع المذيعة "بسمة وهبى" عندما سُئل عن مشروعه لمجموعة أعمال "شريهان" المسرحية الجديدة المتنوعة التى ينتجها ويكتبها القدير "مدحت العدل" فأجاب أنها فكرة تنفذ لأول مرة فى مصر منافسة للمسارح الأوروبية وكانت فى الأصل أن يتم عمل مجموعات العروض مقسمة لكل عرض شهراً يعرضه يومياً ببطولة نجم أو نجمة ليدور المسرح بكل النجوم اللامعة إلا أن صدمته كانت من رفض كل النجوم بلا استثناء للفكرة فقرر متحدياً أن يعيد بها "شريهان".

فى ظل هذا التخبط وتلك العتمة تظهر فجأة بارقة أمل وشعاع نور ساطع يحمله من بعيد المنتج والمخرج "مجدى الهوارى" الذى فاجأ الجميع بإقناعه للداهية الكوميدية "محمد هنيدى" بالعودة للمسرح فى عرض من إنتاجه وإخراجه يحمل اسم "صراع فى الفيلا" وهو الخبر الذى استقبله الجميع بفرحة عارمة نظراً لجماهيرية "هنيدى" الغفيرة وحب الجمهور له على المسرح فى المواجهة المباشرة من جهة ومن جهة أخرى كرد فعل عكسى لما تسبب فيه "مسرح مصر" من سخط لدى الجميع وبحثهم عن مسرح حقيقى يقدم عملاً حقيقياً بعدما ضاق خلقهم بالهزل.

الحقيقة أن عودة "هنيدى" لخشبة المسرح من إنتاج وإخراج "مجدى الهوارى" لها وجهان رئيسيان ......

(الأول) هو "هنيدى" نفسه الذى يعتبره الكثير رمزاً وليس مجرد ممثل فـ "محمد هنيدى" كان رأس السهم الذى نفذ بجيل كامل من النجوم الشباب أصبحوا فيما بعد نجوم الفن وذلك بعد نجاحه التاريخى بفيلم "إسماعيلية رايح جاى" الذى قدم فيه أوراق اعتماده رسمياً مع نجم الغناء "محمد فؤاد" لينتقل مباشرة للبطولة فى "صعيدى فى الجامعة الأمريكية" منصة إطلاق النجوم فينطلق "هنيدى" ومن خلفه "السقا – منى زكى – طارق لطفى – فتحى عبد الوهاب – هانى رمزى – غادة عادل" لتنظر لهم الآن فتجدهم رموز الجيل الفنى الحالى وعلى رأسهم "هنيدى" رأس الحربة لهذا الفريق والفرق الأخرى التالية.

أيضاً "هنيدى" بعيداً عن المسرح لسنوات طويلة منذ آخر عمل قدمه "طرائيعو – 2002" وهو عمر طويل لا يتناسب مع نجوميته خاصة أن فى كل هذه الهالة تجد أن رصيده المسرحى كبطل بعد بزوغ نجمه فى "حزمنى يا" هو 3 مسرحيات فقط "ألابندا – عفروتو – طرائيعو" فهل هذا يعقل؟!

مشكلة "هنيدى" الوحيدة أنه لا يدرك مدى حب الجمهور له ومكانته فى قلبه فالجمهور دائماً فى حالة اشتياق لرؤيته فى أى شئ حتى أنه يلاحقه على صفحاته "تويتر وفيسبوك" فـ "هنيدى" ليس مجرد ممثل كوميدى ولكنه صناعة إلهية لحالة خاصة ومختلفة ينقصه فقط إدراكها والتركيز فى اختياراته وعمل "ريفريش" لنفسه واكتشاف مساحات جديدة فيها لأن من يتابع "هنيدى" جيداً يتأكد بلا أى مجال للشك أن كل نجوميته التى حققها رسميا لـ 21 سنة ماهى إلا مساحة صغيرة جداً فى طاقات وإمكانيات "هنيدى" الذى يحتاج فقط لانتفاضة ومغامرة هو قادر جداً أن يفعلها وليكن عرض "صراع فى الفيلا" نقطة انطلاقة جديدة ينتظرها الجمهور عامة وعشاق "هنيدى" خاصة بشغف.

(الثانى) هو "مجدى الهوارى" منتجاً ومخرجاً فبدايته كانت فى الإعلانات والتى حقق بها نجاحات كبيرة بشكل مختلف ومتميز لسنوات قبل أن يقرر الانتقال للسينما فـ "مجدى الهوارى" يحمل عقلاً يدور باستمرار ويبحث عن النجاح فقدم مجموعة أفلام للسينما منتجاً أو مخرجاً أو كلاهما معاً حقق بها نجاحات وإيرادات وجماهيرية ومنها تعاونه كمنتج مع "هنيدى" فى "بلية ودماغه العالية" كما صنع أبطالاً كباراً يحتلون القمة الآن فهو أول من قدم "محمد سعد" باللمبى فى فيلم "الناظر" من إنتاجه ويسقط من ذاكرة الكثيرين أنه أول من قدم "أحمد حلمى ومحمد سعد" فى بطولة مطلقة قبل انطلاقهما بـ "ميدو مشاكل واللمبى" بفيلم "55 إسعاف" وشاركتهم البطولة زوجته السابقة "غادة عادل" والتى صنع نجوميتها منذ بدايتها كـ "موديل" إعلانات معه لتتحول إلى واحدة من أشهر فنانات جيلها فينطلق "حلمى" و"سعد" للقمة مع "هنيدى" وكذلك  "كريم عبد العزيز" من فيلم "عبود على الحدود".

نجاحات "مجدى الهوارى" توالت وتأرجحت والبعض يرى أنه يقدم "شغل خفيف" وأنه "مخرج خفيف" إلا أنه صدم الجميع بإمكانياته وحرفيته فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة الذى نقله على الهواء مباشرة وهو الحفل الذى يحمل طابع سياسى وشعبى وأمنى وكل الوجوه نظراً لحساسيته الشديدة فتتفجر إمكانيات "الهوارى" ويفاجئ الجميع وربما هو نفسه تفاجأ بها لأنه لم ينتبه لها لسنوات طويلة والموقف كشف عنها بقوة ليقرر أخيراً أن ينتبه لنفسه من جديد فقدم واحداً من أجمل برامج الـ "شو" فى ظل زحام وتعدد وتشابه وملل ليجلس الجميع أمام "تع اشرب شاى" الذى قدمته زوجته السابقة "غادة عادل" وكان نقلة جديدة ومبهرة لها من فوق خشبة مسرح ليبهر "الهوارى" الجميع بطاقاته ورؤيته التى صنعت حالة أطاحت ببرنامج "شيرين" الذى قدمته نفس القناة وبالضربة القاضية.

ينتقل "مجدى الهوارى" لمغامرة جديدة درامية بمسلسل مركب ملئ بالإثارة والتشويق والألغاز "الشارع اللى ورانا" ورغم المط والتطويل وبعض الانتقادات التى طالت غرابة الفكرة وأفضلية تنفيذها سينمائياً إلا أن "الهوارى" أثبت فى هذا الإخراج تحديداً أنه مخرج خارج المنافسة والمقارنة و"كل الحاجات" ليعيد اكتشاف نفسه ويرى إمكانياته بعين مختلفة ويقرر بوقفة حاسمة أن يضع نفسه فى القدر المناسب له ويستحقه.

أخيراً قرر "مجدى الهوارى" أن يمتطى خشبة المسرح ويصنع تحولاً جديداً بعد الإعلانات والسينما والدراما والبرامج ليغلق الدائرة بالمسرح ومعه هدية خاصة للجمهور والمسرح نفسه وهى عودة "محمد هنيدى" والحقيقة أن "الهوارى" أصبح مصدر ثقة .. خاصة عندما تشاهد "تع اشرب شاى" بتركيز ستتأكد من الشكل والمضمون أن أدواته المحترفة والمتميزة تظهر فى الترتيب والتنفيذ والحركة على خشبة المسرح لتتفاءل أنك سترى من خلال "صراع فى الفيلا" ومشروعه "كايرو شو" خشبة مسرح مميزة ومختلفة بعلامة مسجلة هى "خشبة الهوارى".

 عودة المسرح بشكله المعهود فى حد ذاته "عيد" وعودة "هنيدى" نفسه "عيد" وكذلك مكسبنا لمخرج "دماغ لوحده" أيضاً "عيد" .... والعيد الأكبر هو أن يخرج "صراع فى الفيلا" عمل مسرحى يعيد للمسرح بريقه وفى نفس الوقت يحترم جمهوره الذى يترقب " فيلا هنيدى و ... خشبة الهوارى".