«عمرو».. خطأ ممرضة أصابه بالشلل عند ولادته.. فانطلق لسانه يهز مسرح الجامعة

«عمرو».. خطأ ممرضة أصابه بالشلل عند ولادته.. فانطلق لسانه يهز مسرح الجامعة
«أسعد لحظات حياتى لما باقف على المسرح وأمثّل قدام الناس والصالة كومبليت، وتسمع صدى صوتى من كتر السكوت، وأتفاجأ بتسقيف يكسّر الصالة بعد ما أخلص، ساعتها بس باحسّ إن الدنيا مش سايعانى»! تبدو هذه الكلمات طبيعية إذا صدرت من شخص عادى يعشق المسرح ويجد فيه ضالته، ولكنها تستحق الوقوف عندها طويلاً حينما تصدر من شاب تعرض لإعاقة كاملة فى يديه وقدميه ولسانه، ولم تُثنه هذه الإعاقة عن الدخول فى مجال يحتاج أكثر ما يحتاج إلى الحركة.
عمرو درويش.. ضحية خطأ طبى لإحدى الممرضات، وضعها القدر فى طريقه لحظة ولادته، أدارت رأسه بشكل خاطئ بعد الولادة، وعندما شرعت فى تصحيح خطئها شرب المولود من ماء الولادة، فتعرض فى الحال لاختناق تبعه نقص كمية الأكسجين فى المخ، سبّب دماراً كاملاً فى بعض خلايا الاتزان الحركى، لتكون الإعاقة هى أول ما استقبل الطفل بعد ولادته.[SecondImage]
رحلة علاج عمرو، رغم عدم جدواها، لم تسبب آلاماً جسدية لعمرو بفضل والديه اللذين كانا يتابعان الحالة بشكل دائم، ولكنه لم يسلم من الآلام النفسية التى لحقت به أثناء العلاج.. «من أكتر المواقف اللى عمرى ما أنساها إن ابن خالتى كان لسه مولود، والعيلة كلها بتحتفل بيه، ولما عملوا السبوع بتاعه ما قدرتش أحضره عشان كان عندى جلسة علاج طبيعى».
لم تظهر مشكلة عمرو الحقيقية مع إعاقته فى السنوات الأولى من حياته.. «عشان كان عندى صحاب جدعان مش محسّسينّى بأى فرق»، ولكن حينما تأتى مرحلة الجامعة ويخرج إلى مجتمع أوسع، يبدأ الألم الحقيقى ويجد نفسه غير قادر على استيعاب نظرات كل من حوله له.. «فى الوقت ده بدأت أحس إنى محروم من حاجات كتير، مش قادر ألاقى بنت أحبها أو تحبنى زى أى حد، ده أنا حتى ما افتكرش إنى جبت أو جالى هدية ولو مرة واحدة فى يوم الفلانتاين».
كان على الشاب العشرينى أن يجد مخرجاً من عذاب نفسه، فلم يجد أفضل من كتب الدكتور مصطفى محمود سلوى له.. «كتب مصطفى محمود فتحت عينى على حاجة مهمة جداً، إيه حكمة ربنا فى إنه يخلق ناس أسوياء وناس معاقين؟ وبعد تفكير طويل أيقنت أن ربنا بيستخدمنى عشان أوصل رسالة لكل خلقه؛ إنه طليق القدرة، يخلق السليم ويخلق المعاق، ومن هنا بدأت أستقبل كل صعوبة بتواجهنى بصدر رحب وأطمّن نفسى إن ربنا بيصطفينى برسالة يوصلها للخلق».
القدرة على كسر آلام الإعاقة لم تكن نهاية المطاف، ويأتى دور الحياة العملية لتلقى بأعبائها عليه، يشترك عمرو مع والده فى إدارة مكتبة يملكونها، يشعر الوالد بعدم قدرة ابنه على مساعدته فى إدارة المكتبة «لأنى معاق»، ويفضل عمرو الانسحاب فى هدوء محملاً بخيبة الأمل.. «ماكانش ينفع أخالف أبى حرصاً على علاقتى بيه، وكان لازم آجى على نفسى».
زيارة عابرة لمسرح جامعة عين شمس، بصحبة إحدى صديقاته، قلبت حياة الشاب العشرينى رأساً على عقب، ينظر إلى الممثلين وهم يجرون تدريباتهم المسرحية، فإذا به لاإرادياً، يشترك معهم فى هذه التدريبات، فيفاجأ بمخرج العرض يتجه صوبه قائلاً: «انت معايا فى العرض الجاى».
الحكاية تعود إلى هواية، ما كان أحد ليظن أنها مؤثرة.. «وأنا طفل ماكنتش بالعب كورة ولا بلاى ستيشن ولا أى حاجة من اللى بيعملها الأطفال، كان كل اللى باعمله إنى أنام ع الكنبة وأتفرج على التليفزيون، ومن ساعتها عشقت التمثيل، حتى إنى لما رحت عمرة فضلت أدعى ربنا إنى أطلع ممثل مشهور».[ThirdImage]
يقف على خشبة المسرح أمام جمهور عريض، ليبدأ تمثيل دوره، يتحرك يميناً ويساراً ويتحامل على نفسه كى لا يبدو متأثراً بحركته، يكسب ثقة كل من يتعامل معهم من مخرجى المسرح، يستبدل أدواراً بسيطة، تُعطى له من باب المجاملة، بأخرى تحتاج إلى كفاءة حقيقية لأدائها.. «فى الأول كانوا يرفضون منحى أدواراً مرهقة بسبب إعاقتى، لكن كنت دايماً أطلب منهم يجربونى ويشوفه، وبدأ تفاعلى مع المسرح يزيد أكتر وأكتر لدرجة إنى رميت العكازين اللى كنت باتسند عليهم وما بقتش أستخدم الموتوسيكل بتاع المعاقين، وبقيت أمشى على رجلى زى أى حد».
فلسفة عمرو فى اختيار التمثيل لا تقل أهمية عن حكاية تحديه.. «أكتر حاجة خلّتنى أختار التمثيل إنى أثبت للناس إن ربنا مش بس بيعوّض نعمة بنعمة تانية، لكن ممكن بقدرته يخليك ترقص بالجسد المعاق وتبدع باللسان اللى فيه إعاقة، وتعبّر بالوش اللى فيه إعاقة، وتطلّع صوت من أوتار مقطوعة من غير ما تستبدلها، هى دى قدرة ربنا اللى تكفى أى إنسان إنه يكون عنده أمل».