مصر وملف فساد «سد النهضة»
- أجهزة الدولة
- أحمد الخطيب
- إثيوبيا م
- إلقاء قنبلة
- اتفاق عسكرى
- البنك الدولى
- التاريخ والجغرافيا
- الحالة الأمنية
- الخديو إسماعيل
- الدفاع الجوى
- أجهزة الدولة
- أحمد الخطيب
- إثيوبيا م
- إلقاء قنبلة
- اتفاق عسكرى
- البنك الدولى
- التاريخ والجغرافيا
- الحالة الأمنية
- الخديو إسماعيل
- الدفاع الجوى
«آبى أحمد» تولى رئاسة الحكومة الإثيوبية أبريل 2018، كان يطمع فى قطف ثمار «سد النهضة»، بانتهاء إنشاءاته قبل نهاية العام، وبدء عملية الملء 2019، وفقاً للبرنامج الزمنى، شركة «ميتيك» الشريك الإثيوبى لـ«سيللينى» الإيطالية فى التنفيذ، تابعة للجيش والمخابرات، قياداتها من أقلية التيجراى «7%»، التى حكمت البلاد لعقود طويلة، حتى استقالة «ديسالين» فبراير الماضى، عطلت عمليات الإنشاء، لقصور الكفاءة، وإحراج «آبى» ممثل أغلبية الأورومو «42%»، وإشاعة الإحباط الوطنى، سعياً لإسقاطه.. محاولات عرقلة المشروع لم تقتصر على التعطيل، بل امتدت إلى اغتيال «ديب كمارا» المورّد الأول للأسمنت الخاص بالمشروع مايو 2018، فى كمين بمنطقة أوروميا، لإلصاق التهمة بالطائفة!! أعقبها محاولة اغتيال «آبى» يونيو 2018، بإلقاء قنبلة يدوية على المنصة، أثناء خطابه بتجمع جماهيرى بالعاصمة، ثم اغتيال «سيمجنيو بيكلى» مدير المشروع يوليو 2018، قبل مؤتمره الصحفى بالعاصمة، لتوضيح أسباب تأخر المشروع، وتأثير فساد بعض المسئولين بـ«الدولة العميقة».. السلطات أوقفت الشرطى الذى ألقى القنبلة، و9 من عناصر الشرطة الفيدرالية المتورطين، بينهم نائب مفوض شرطة العاصمة.
فى مؤتمر صحفى 25 أغسطس اعترف «آبى»: «لم نتمكن من إنهاء بناء السد خلال خمس سنوات كما كان مقرراً، بسبب سوء إدارة المشروع»، وأضاف «شركة سيللينى التزمت ببرنامج التنفيذ الإنشائى، بينما عجزت «ميتيك» عن تنفيذ الأعمال الهيدروميكانيكية والكهروميكانيكية، نتيجة لانعدام الخبرة، ألغينا تعاقدها، وسنسنده لشركة أخرى»، وفى لقاء خاص مع المعلمين توقع عدم انتهاء السد قبل 10 سنوات، ولم يتحدث عن عيوب فى التصميم، ولا شعب يفتقد خبرة السدود، كما تداولت المصادر، استناداً لترجمة خاطئة، وقصور فى المهنية.. نظام حكم ديسالين فشل فى توفير بعض المعدات الكهروميكانيكية، وعجز فنياً عن تركيب الباقى، وتيقن من استحالة الالتزام بالبرنامج الزمنى، ولكنه كان حريصاً على تجنب فضيحة لا تتناسب ومواقف التشدد والابتزاز التى مارسها خلال المفاوضات.. تأجيل الكشف عن ذلك، نتيجة لتورط أعمدة النظام، وأبرزهم رئيس الأركان ومدير المخابرات فى عمليات الفساد، أدى لتفاقم الأزمة، ما ساهم فى الإطاحة برئيس الوزراء.. وفى خضم المواجهة بين «آبى» ودولة التيجراى العميقة، انبرى وزير الرى المصرى بعرض تقديم خبرة مصر: «بما لديها من كفاءات فى أعمال التوربينات حال طلب الجانب الإثيوبى»، وتداولت مواقع التواصل احتمال تعاقد إثيوبيا مع شركات مصرية لاستكمال أعمال «ميتيك».. ربما كانت تلك مبادرات كريمة، ولكن ما علاقتها بالتاريخ والجغرافيا والسياسة وأمننا القومى؟!.. حكاية مخزية!!.
السد منذ تدشينه 2011 فى ظل حكم التيجراى، كان محوراً لتعبئة الإقليم ضد دور مصر فى حوض النيل وشرق أفريقيا، وتعبئة الشعب الإثيوبى ضد أطماع مصر وتهديداتها؛ أدرجوا ضمن مناهج التاريخ أن مصر هى العدو المركزى، والمدافع التى غنموها فى معركة «جوندت»، إبان حملة الخديو إسماعيل، وضعوها تذكاراً بميدان أكسيوم، عاصمتهم التاريخية، وأطلقوا اسم «جوندت» على أرفع وسام عسكرى.. روح العداء لمصر تعمقت إلى حد توجيه بعض النشطاء الإثيوبيين الاتهامات للقاهرة فى اغتيال «بيكلى»، باعتبارها المستفيدة من مقتله.. والرأى العام تلقى زيارة «آبى» لمصر والإمارات بعدم ارتياح، وتخوف من أن تؤدى إلى إبطاء متعمد لبرنامج تنفيذ السد، إرضاء لمصر، أو تورط إثيوبيا فى مواجهة مع قطر، إرضاء للإمارات.. مناخ مسمم، يفرض معالجة سياسية وثقافية جادة وطويلة، قبل القفز لمشروعات تعاون استراتيجى.
سد النهضة أيضاً جزء من مشروع أكبر يشمل سدوداً أخرى مكملة «كارادوبى، بيكو أبو، مندايا» سعتها الإجمالية 200 مليار متر3، تستهدف السيطرة على كل واردات المياه، وإعادة تصديرها لمصر بالمقابل المادى.. المخطط الأصلى للسد خرسانى يحجز 14 مليار متر3 فقط، خلال الاجتماع الذى نظمته المخابرات الأمريكية «أغسطس 2013»، بقاعدة دارمشتات بألمانيا لمواجهة ما سمّوه بـ«الانقلاب فى مصر»، قرروا بناء سد آخر ركامى، ارتفاعه 50 متراً، وطوله 5000، رغم أن سدود التحويط لا تزيد فى العالم على 300 متر، عمليات التوسيع الضخمة للسعة لم تصاحبها مراجعة للأساسات، ما يفسر أن معدل الأمان 1.5 ريختر، مقارنة بـ8 للسد العالى.. خبير الإنشاءات الألمانى بتقرير اللجنة الثلاثية الدولية أكد أن الرسومات الإنشائية معيبة وناقصة، ولا ترقى لبناء عمارة سكنية فى «هامبورج»، والخبراء الأمريكان رجّحوا انهياره خلال 10 سنوات.. مشاركة مصر فى عمليات التنفيذ قد توفر معلومات عن قرب، لكنها لن ترفع معامل الأمان، لانتهاء 66% من الإنشاءات، ولن تلغى المخطط الاستراتيجى لسدود إثيوبيا، ولكن ستورطنا حال ظهور العيوب المتوقعة.
ملف السد يستخدم كأداة مناكفة ومكايدة لمصر، بداية بالسودان، شريك المصلحة فى بنائه، الذى أعلن ضمانه لأمنه، وشكل قوة مشتركة مع إثيوبيا لحمايته، الشقيقة السعودية أوفدت أحمد الخطيب، كبير مستشارى الديوان، رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية السعودى، لزيارته ومقابلة «بيكلى» إبان فترة التوتر مع مصر ديسمبر 2016، قطر مولته بعد انسحاب الصين والإمارات وكوريا والبنك الدولى، وتركيا وفرت شبكة الدفاع الجوى الخاصة بتأمينه، بموجب اتفاق عسكرى مارس 2015.. السد محور تجمع عدائيات مصر.. اجترار ما تقدم من حقائق يفرض التساؤل عما إذا كان إغراء التعاقدات يستحق إغفال كل تلك الاعتبارات، وماذا سنقدم من تفسير للتراجع عن حملة التعبئة ضد أهدافه العدوانية.
الأوضاع الداخلية فى إثيوبيا بالغة الحساسية، الشعب عانى عقوداً من تسلط طائفة أمهارا، إبان حكم الإمبراطورين مينيليك وهيلاسلاسى، «منجستو» أباد 500.000 شخص.. طائفة التيجراى أحكمت سيطرتها على مؤسسات الدولة منذ 1991.. الاضطرابات التى أطاحت بـ«ديسالين» لم تتوقف، رغم فرض حالة الطوارئ، وتفاقمت بإقليم أمهرا مسقط رأس بيكلى، نتيجة لمطالبة الأهالى بسرعة ضبط الجناة.. الصراع الطائفى قديم، وتأزم الموقف الاقتصادى، خاصة بعد احتجاز السعودية لرجل الأعمال «محمد العمودى» أكبر الممولين للسد، فى قضايا فساد، يهدد بتفاقمه، نجاح عمليات الاغتيال ضرب الموسم السياحى، والحالة الأمنية متدهورة، وخطورتها أن التهديدات تنطلق من داخل أجهزة الدولة العميقة.. النظام الجديد يواجه تحديات اقتصادية تعجزه عن سداد التزاماته التعاقدية، وسياسية تمس استمراره، وتهدد مستقبل الدولة.. دخول مصر فى هذه الظروف ينبغى أن يتم ببطء وحذر، حتى لا يصبح وجودها وموفدوها هدفاً لعدائيات، تستعيد تجارب الماضى، وتوفر مبررات للتعبئة ضدها.