رسالة إلى المتنطعين.. جراحة التجميل ليست إثماً

خالد منتصر

خالد منتصر

كاتب صحفي

وصلتنى رسالة من أ. د. أحمد عادل نورالدين، رئيس الجمعية المصرية لجرّاحى التجميل والإصلاح، تعليقاً على القضية التى فجّرها تحقيق الأهرام الذى اتهم جرّاحى التجميل بالإثم وبأنهم جنود إبليس، يقول د. أحمد: فوجئ الجميع بالمقال المنشور فى جريدة الأهرام بتاريخ 30 نوفمبر 2013 فى صفحة الفكر الدينى، والذى هاجم كاتبه جراحات التجميل وأفتى بحرمانيتها، وانطلق مؤثّماً جراحى التجميل معتمداً على تفسيرات كلها تعبّر عن وجهة نظر من جانب واحد دون الأخذ فى الاعتبار آراء فقهية لمشايخنا الأجلاء ناقشت الموضوع من كل جوانبه آخذة فى الاعتبار مقاصد الفقه الإسلامى المستنير الذى يراعى مصالح العباد فى إطار ما أمر به رب العباد. دعنا أولاً ننظر إلى الآية التى يستند إليها المتشددون والمتنطعون فى الدين: «لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ»، هم لم ينظروا إلى الآية كلها: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (الروم - 30) فكأنما استرجاع فطرة الله فى خلقه، وهى الجمال- «فالله جميل يحب الجمال» (صحيح مسلم 91) ليست تغييراً فى خلق الله.. وهذا التفسير أقره فضيلة الشيخ جمال، قطب رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، ويضرب مثلاً بشخص مولود بستة أصابع فى يده هنا قطع الإصبع الزائدة ليس تغييراً فى خلق الله وإنما هو استرجاع لفطرة الله وهى خمس أصابع، وهو بالضبط مثل إصلاح أى تشوه خلقى آخر مثل ثقب فى القلب أو ضيق فى المرىء... إلخ.. كلها استرجاع لفطرة الله فى خلقه وليست تغييراً فى خلق الله حيث إنها تُصلح ضرراً ما وتحسّن حياة المتضرر حتى ولو كان هذا الضرر نفسياً كما أفتى العديد من العلماء. ولى بعض الأسئلة لكاتب المقال: هل تترك ابنتك التى وُلدت بأنف ضخم تعانى من التهميش فى العمل والابتعاد عن الزواج بحجة أن استعادة تناسق حجم الأنف مع الوجه بجراحة تجميل تُعتبر تغييراً فى خلق الله؟ هل تترك ابنك ببروز ظاهر كبير فى أذنيه «الأذن الوطواطية» نهباً للاستهزاء والسخرية من زملائه بالمدرسة وتتشكل لديه مشاكل نفسية طوال عمره بحجة أن إصلاحها بجراحة تجميل يُعتبر تغييراً فى خلق الله؟ ما هذا العبث؟! دعنا نقترب أكثر من الواقع.. واقع الحياة اليومية داخل بيوتنا، جراحة التجميل لها الفضل فى الحفاظ على الحياة الزوجية فى كثير من الحالات. خذ عندك مثلاً زوجة ترهل بطنها وثدياها بعد عدة ولادات ولا تزال صغيرة فى السن وزوجها يعايرها أو ينفر منها، وقد يلجأ إلى الزواج عليها أو إلى تطليقها -كل جرّاح تجميل يشهد بأن هذا الموقف كثير التكرار- قل لى عزيزى القارئ بالله عليك، هل استعادة المعالم الجمالية للبطن والثديين عند هذه الزوجة والحفاظ على كيان الأسرة ومستقبل الأبناء وكرامة الزوجة من خلال عملية جراحة تجميل؛ هل هذه العملية تغيير فى خلق الله أم محاولة لإعادتها إلى طبيعتها التى فطرها الله عليها؟ وهل يستحق الجرّاح أن يُتهم بالإثم؟ حدّث ولا حرج عن شفط الدهون ونحت الجسم وتجميل الوجه وزرع الشعر وغيرها من العمليات التى تواجه تقدم العمر وتسترجع الجمال المفقود أو غير الموجود أصلاً حفاظاً على الحياة الأسرية فى زمن لا يحتمل حلول الماضى فى التزوج بأخرى لحل مشاكل الزوجة الأولى.. فى زمن يشاهد فيه الزوج وكذلك الزوجة فى وسائل الإعلام والإنترنت ما يريد أن يراه كل منهما فى الآخر، وينخدع الزوج فيما يرى وينسى عشرة العمر بينه وبين رفيقة عمره التى ذبل جمالها فى خدمته وتربية أولاده، ويطلب منها أن تكون مثل الموديلات التى ينخدع بها فى التلفاز.. آه يا جراحة التجميل.. كم كنت الحل الأمثل والملاذ الآمن لكثير من الزوجات البائسات.. ثم يأتى من يتهم جرّاحى التجميل بالإثم، أى هراء هذا؟ إذن.. متى تكون جراحة التجميل حراماً؟ استكمالاً للمثال الذى سقناه، إذا جاء شخص ما بخمس أصابع فى يده وطلب بتر إصبع منها بحجة أن تلك هى الموضة مثلاً؟ أى أنه لا يوجد مبرر.. لا يوجد ضرر لا توجد مشكلة أصلاً.. أو واحدة تطلب تغيير شكل الأنف لأنها ملت منه أو لا يعجبها ولكن بالفحص الطبى لا نجد مبرراً.. لا نجد عيباً.. هنا يكون الحرام، وهنا يكون تغيير خلق الله، وهنا يكون الإثم.. وإذا سألت جرّاحى التجميل عن كم هى نسبة هذه الحالات ستجد أنها -وبالذات فى مجتمعنا بمشاكله وقيمه وأخلاقياته- قليلة جداً ولا يمكن بأى حال من الأحوال تعميم الحكم منها على جراحات التجميل بالتحريم وعلى الجرّاحين بالتأثيم. أخيراً.. أيها المتنطعون بالدين، كفاية.. ارحمونا من حشر الدين فى كل شىء بغير علم وبغير فائدة سوى خدمة أهوائكم ومآربكم الشخصية.. اتقوا الله وتذكروا قول الشاعر.. يا بارى القوس برياً ليس يتقنه.. لا تظلم القوس وأعط القوس باريها.