تحليل يكتبه أحمد الطاهرى: ماذا يحدث فى واشنطن؟

تحليل يكتبه أحمد الطاهرى: ماذا يحدث فى واشنطن؟
- واشنطن
- ترامب
- عزل ترامب
- البيت الأبيض
- الكونجرس
- أمازون
- الرئيس الأمريكي
- كوشنر
- الانتخابات الأمريكية
- واشنطن
- ترامب
- عزل ترامب
- البيت الأبيض
- الكونجرس
- أمازون
- الرئيس الأمريكي
- كوشنر
- الانتخابات الأمريكية
إذا قررت الذهاب إلى واشنطن ستكون نصيحة الأرصاد الجوية هى الحذر من طقس متوتر تتعارك فيه الفصول الأربعة يومياً.. بل ربما فى نفس الساعة.. أما مناخها السياسى فلا يبتعد كثيراً عن حالة طقسها.. تضربه أيضاً الفصول الأربعة وقواعده تتبدل رغم هدوء يخدع الغريب.
تلك العاصمة التى اقتطعت من ولايتى ميرلاند وفيرجينيا لتكون تحت إدارة الحكومة الفيدرالية، ولكن فيرجينيا استعادت الجزء الخاص بها وهو الجزء الذى يضم مقر وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون وبعضاً من المقرات الفرعية شبه المهجورة للإدارة الأمريكية.. تلك الإدارة التى يرأسها دونالد ترامب، والتى تدخل الآن معركة وجود.. تعيش فى حالة صراع دائم، ظاهره سياسى بين المعسكرات التقليدية الجمهورى والديمقراطى.. أما جوهر الصراع فهو بيت القصيد.. وحقيقته تفسر العديد من الظواهر.
واقع الصراع من خلال معايشة هذا الملف عن قرب تؤكد أنه صراع داخل المنظومة الرأسمالية الأمريكية.. خرجت المنظومة السياسية من الصراع مبكراً.. ربما من المناظرات الأولى التى جمعت ترامب بمنافسته أثناء الانتخابات هيلارى كلينتون، التى تعد فى تقديرى آخر منتج للسياسة الأمريكية كان يمكنه منافسة ترامب أو بمعنى أدق المنظومة التى يمثلها ترامب.. ولن يقف أمام ترامب منافس حقيقى إلا من داخل المنظومة الرأسمالية نفسها، وهو ما يحدث بالفعل الآن، وهو ما سنسعى لكشفه فى السطور المقبلة، التى تأتى بينما تستقبل الأوساط السياسية الأمريكية والعالمية كتاب «الخوف» للمحقق الأمريكى العتيد بوب وودورد، الذى من المقرر أن يطرح فى الأسواق اليوم الموافق الثلاثاء 11 سبتمبر 2018.
{long_qoute_1}
قبل أسابيع قمت بزيارة سنوية معتادة إلى العاصمة الأمريكية بهدف البحث عن مجموعة من الإجابات لعدد من الأسئلة، الاعتماد فيها على ما يسوقه الإعلام الأمريكى بمثابة تسليم العقل لمحترف تضليل، وهى القناعة التى تأكدت منها عملياً عندما قمت بتغطية الانتخابات الأمريكية الأخيرة من أرض المعترك الانتخابى، الذى كان يمضى فى اتجاه بينما الإعلام الأمريكى كله يمضى فى اتجاه آخر.
كانت الأسئلة بسيطة.. أو هكذا تبدو.. بدأت بالسؤال المنطقى حول مصير إدارة دونالد ترامب، وهل بالفعل من الممكن أن يواجه العزل فى نوفمبر المقبل مع انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى؟ أما السؤال الثانى فهو سر تخلى «واشنطن بوست» عن هويتها التحريرية التى تميل نحو الجمهوريين منذ اللحظة الأولى التى قرر فيها ترامب الدخول لمعترك الرئاسة؟ أما السؤال الثالث فهو عن وضع ترامب الداخلى بعيداً عن النخب وضجيج الإعلام؟ وأخيراً من هو المنافس المحتمل لدونالد ترامب فى الانتخابات المقبلة؟.
فقط طريقان فى واشنطن يكفيان للإجابة عن كل الأسئلة السياسية والاقتصادية والأكاديمية والاستراتيجية، وللمفارقة أن أى طريق منهما يقودك مباشرة إلى البيت الأبيض.. بين «كى ستريت» و«إم ستريت» قد يحصل السائل على ما يريد!
• هل يتم عزل ترامب
فى نوفمبر المقبل؟
من يترك نفسه للإعلام الأمريكى يشعر بأن إدارة دونالد ترامب تمضى إلى مرحلة لم الأوراق من داخل البيت الأبيض وأنها تستعد للرحيل بمجرد إجراء انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى، وهو أمر مخادع لواقع تفك طلاسمه معادلة وحسبة انتخابات بسيطة.
وباختصار شديد ووفق ما ينص عليه الدستور الأمريكى تحتاج عملية العزل أن يصدر حكم من القضاء بإدانة الرئيس الأمريكى، وأن يتم طرحه للعزل أمام الكونجرس ويتم التصديق على العزل بأغلبية مجلسى النواب والشيوخ.
تاريخياً تم تحريك مسألة عزل رؤساء أمريكا ولكنها لم تنفذ.. نجا جونسون من العزل بعد الحرب الأهلية بفارق صوت واحد فى مجلس الشيوخ، استبق نيكسون العزل بعد فضيحة ووترجيت وتقدم باستقالته، أما كلينتون.. فتم التصويت على عزله فى مجلس النواب بعد فضيحة مونيكا لوينسكى ولكن أنقذه الديمقراطيون بمعجزة فى مجلس الشيوخ.
فى حالة ترامب الأمر مستبعد بحسابات الانتخابات ولكنه وارد بحسابات صراع رأس المال.. بمعنى أنه بحسابات الانتخابات يسيطر الجمهوريون الآن على مجلسى النواب والشيوخ.. وفى الإعادة متوقع أن تكون الغلبة للديمقراطيين فى مجلس النواب، وهذا أمر معتاد بالنسبة لمزاج الناخب الأمريكى الذى يغير الدفة مع كل تجديد نصفى فى معظم الأوقات، ولكن فى مجلس الشيوخ أغلب الإعادة ستكون على مقاعد الديمقراطيين، وبالتالى وبحسابات الانتخابات فإمكانية إلحاق الخسارة فى المعسكر الديمقراطى هى الأقرب للحدوث، ومعنى ذلك أن الديمقراطيين لن يكون أمامهم الأغلبية التى تسمح لهم بتمرير قرار العزل.
السيناريو الثانى هو أن يتشكل تحالف بين الديمقراطيين والجمهوريين لعزل ترامب، وهو أمر أقرب إلى المستحيل فى الأوضاع العادية أو حتى الاستثنائية، لأن ترامب ليس عبئاً على الجمهوريين، بل على العكس انتزاعه للرئاسة من براثن إدارة أوباما وكلينتون أعاد الحياة مرة أخرى للجمهوريين.
السيناريو الثالث وهو غير مسبوق أن يتدخل المال فى خلق تحالف الإطاحة بترامب فى خضم معركة تكسير العظام داخل المنظومة الرأسمالية الأمريكية، وهى المعركة التى سنشرح أبعادها فى السطور المقبلة، وهو أمر قد يشكل فصلاً جديداً فى التاريخ السياسى الأمريكى. {left_qoute_1}
• ما سر عداء «واشنطن بوست»
لدونالد ترامب؟
ما زالت الـ«واشنطن بوست» أكبر الصحف السياسية الأمريكية حتى وإن ناطحتها فى التوزيع «يو إس توداى» داخل العاصمة الأمريكية، تلك المطبوعة التى يقترب تاريخ تأسيسها من تاريخ الولايات المتحدة نفسها ظهرت منذ يومها الأول وحتى شهور قليلة مضت باتجاه داعم للجمهوريين صبغ هويتها التحريرية.
قبل خمسة أعوام وتحديداً فى 18 سبتمبر 2013 نشرت هنا فى جريدة «الوطن» حواراً مع المفكر الأمريكى وأستاذ العلاقات الدولية أدموند غريب، وكنا نجلس فى «كى ستريت» على مقربة من مقر الـ«واشنطن بوست» الفخيم، حينها تحدث أدموند غريب عن تغير نوعى يحدث فى الإعلام الأمريكى يناهض تاريخه والدور الذى تأسس من أجله، وأن الدور الجديد للإعلام فى أمريكا سيكون له انعكاسه على واقعها ومستقبلها.
فى العام 2013 تغيرت ملكية الـ«واشنطن بوست» وانتقلت إلى المليارير الأمريكى «جيف بيزوس» صاحب شركة أمازون الشهيرة، الذى بلغت ثروته، بحسب تقديرات العام الماضى، أكثر من 100 مليار دولار أمريكى، فى حين اقترب حجم تعاملات «أمازون» إلى تريليون دولار أى ألف مليار دولار.
بين بيزوس ودونالد ترامب معركة وجود يجب أن تحسم قريباً، وهو قرار كل منهما بحسب ما تقود إليه كل الشواهد.
خصص بيزوس منظومته الإعلامية لاصطياد ترامب.. تم خلق سياق إعلامى ديماجوجى نحو فكرة عزل ترامب حتى ولو كانت صعبة بحسبة الانتخابات، فالهدف منها جعل المستحيل وارداً.. والصعب ممكناً.. والعزل مادة إخبارية تتناقل على مدار الساعة فى مختلف وسائل الإعلام الدولية، وبعد استخدام الكثير من الأدوات جاء موعد الكارت الأهم إذا جاز التعبير.. جاء الموعد مع قلم «بوب وودورد» الصحفى الأمريكى الكبير، صاحب المصداقية التى تأسست على تاريخ من التحقيقات الصحفية ذات الصدى العالمى، وأهمها تحقيق فضيحة «ووتر جيت».
خرجت الإطلالة الجديدة للكاتب الأمريكى الكبير عبر «أمازون» وأعلنت الشركة أن الكتاب حقق مبيعات تاريخية من خلال بيعه الإلكترونى قبل طرحه فى الأسواق اعتباراً من اليوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2018.
كاتب بحجم «بوب وودورد» عندما يكتب يستدعى الجميع إلى القراءة، سواء من يتفق معه أو يختلف.. سطوره كافية لإثارة جدل يعيش سنوات.. وفى كتابه المعنون بـ«الخوف» منتظر أنه يحمل ما سوق له الكاتب والناشر بأنه فضائح داخل البيت الأبيض.
{long_qoute_2}
• ما حقيقة وضع ترامب الداخلى
بعد 20 شهراً من الحكم؟
ينشغل كثيرون فى قراءة تصرفات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ولكن ربما لم يبحث أحد فى تفسير فوزه الدائم.. من عايش كواليس الحملة الانتخابية لدونالد ترامب يدرك بسهولة أن استراتيجية ترامب تتلخص فى أنه يضع عدوه أمامه.. فعلها فى فترة الانتخابات وفعلها وهو رئيس وانعكست استراتيجيته على الأداء الدبلوماسى للولايات المتحدة فى عدد من الملفات التى وضح عليها تغير المنهج الأمريكى.
تعد حملة ترامب الانتخابية من الداخل واحدة من أغرب الحملات الانتخابية فى التاريخ.. نحن نتحدث عن فريق انتخابى كان كل همه عدم الحصول على خسارة مهينة.. بعضهم كان يرتب لمستقبله فى الساعات الأخيرة قبل الاقتراع على أساس ماذا سيفعل بعد الخسارة؟ بينما كان يثق ترامب فى إلحاق فوز مذل لمنافسته هيلارى كلينتون، وتحدى بأنه سيفوز فوزاً مريحاً فى المجمع الانتخابى وسيحتفل بفوزه من قلب نيويورك على بعد أمتار من موقعها.
أكثر من ذلك بعد إعلان فوزه برئاسة أمريكا لم يذهب إلى واشنطن هو أو أحد من فريقه لكى تتم عملية الإشراف على الانتقال داخل البيت الأبيض، بل حضرت المنظومة السياسية من واشنطن إلى برج ترامب تاور فى نيويورك وخصص لها مكاتب لكى تتمم عملية الانتقال وكأنه يقول إن واقعاً جديداً قد بدأ وعلى المنظومة السياسية أن تحضر مكبلة من واشنطن إلى نيويورك بعدما ألحقت بها هزيمة لم تكن تخطط لها.
وعلى عكس ما يروج له الإعلام الأمريكى وعلى عكس أحاديث النخب الأمريكية أو الدولية فقد نجح ترامب داخلياً، خاصة فيما يخص الملف الاقتصادى، وهو الملف الأهم للناخب الأمريكى، تمكن من تحقيق معظم وعوده الانتخابية وانخفض مؤشر البطالة بقوة وتشهد أمريكا فترة رواج اقتصادى كانت قد ودعتها منذ التسعينات مع سياسات متشددة فى الهجرة جاءت على هوى ناخبيه أو ما يطلق عليهم الـ«ترامبيست».
{long_qoute_3}
• كيف يشتبك ترامب مع بيزوس؟
بدأت مناوشات ترامب مع بيزوس منذ اليوم الأول لرئاسة ترامب، وبلغت مداها فى مارس الماضى عندما تسبب ترامب فى خسارة بلغت أكثر من خمسة مليارات لشركة أمازون بسبب تغريدات ترامب على موقع التغريدات تويتر، وقال إن شركة أمازون تحقق أرباحاً على حساب دافع الضرائب الأمريكى وتستفيد من خدمات البريد الأمريكية وعليها أن تتحمل هذة التكاليف.
اللافت أن تغريدات ترامب جاءت بعد التقرير السنوى لدورية فوربس، التى وضعت بيزوس على رأس قائمة الأغنى حول العالم بعد إطاحته بمؤسس مايكروسوفت بيل جيتس، وجاء دونالد ترامب متراجعاً كثيراً فى التصنيف.. قد تكون ملحوظة عابرة لكنها تفرق مع شخصية مثل شخصية ترامب يتحدث عن نفسه بضمير الغائب من باب تضخيم الذات بأن يقول ترامب فعل كذا أو ترامب أنجز كذا.
حينها رد بيزوس على ترامب متحدياً وقال إنك لو واصلت تصعيدك ضد «أمازون» ستخسر.
وواقعياً لم يأت تحدى بيزوس من فراغ ولكنه يستند إلى إحصاء يقول إن خدمة شركته تصل إلى 90 مليون أمريكى من الصعب أن يستغنوا عنها، وهو رقم يتجاوز العدد الذى قام بالتصويت لترامب فى الانتخابات بنحو 30 مليون أمريكى.
• كيف تتشكل الدائرة التى تحيط بالرئيس الأمريكى الآن؟
قد تكون إدارة ترامب من الإدارات التى أقدمت على أكثر من تغيير مفصلى فى تركيبة البيت الأبيض فى فترة قليلة لم تتجاوز العامين.. كانت البداية بخروج مايكل فلين مستشار الأمن القومى الذى قدم استقالته على أثر ما وجه إليه من اتهامات عن اتصالات مع روسيا أثناء الحملة الانتخابية، وكان فلين أحد أهم الوجوه المقنعة لترامب وحل بديلاً عنه الجنرال ماكماستر ولكنه لم يصمد طويلاً فى المنصب ليقوم ترامب بتعيين المحامى والدبلوماسى الأمريكى الشهير جون بولتون مستشاراً للأمن القومى.. وهو الخيار الصعب لدونالد ترامب إذ كان اسم بولتون مرشحاً لهذا المنصب فى أروقة الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى ولكن كان الرفض يأتى من ترامب، أما الخروج الدرامى فكان من نصيب ستيف بانون، كبير مستشارى الرئيس الأمريكى، وكان يتم وصفه بأنه الأقرب إلى إذن ترامب، وتردد أنه الذى قام بإقناع ترامب بالتقدم إلى سباق الانتخابات الرئاسية ولكنه لم يكن يثق فى فوزه، بل كان تخطيطه يقف عند جنى ثمار الشهرة التى سيحدثها ترشح ترامب للرئاسة والاستفادة منها فى مشروع إعلامى.. خرج ستيف بانون واشتبك مع ترامب بعد الرحيل، ووصفه ترامب بأنه فقد عقله، وعاد بانون ليقول إن انتخابات التجديد النصفى المقبلة للكونجرس هى استفتاء جديد على دونالد ترامب. أما نائب الرئيس الأمريكى السيناتور مايك بينس فهو بيت التنظيم السياسى فى دائرة الرئيس، وقد تكون انتخابات التجديد النصفى المقبلة هى الملف الأهم على مكتبه الآن، ويتمتع بشخصية تتسم بالحسم والحدة ويعد من صقور التيار الجمهورى المحافظ، ولكنه ليس الأقرب إلى إذن الرئيس، فهذه الميزة تقول المؤشرات إنها أصبحت تصب عند صهر الرئيس جاريد كوشنر، كبير مستشارى الرئيس الأمريكى، الذى لعب دوراً محورياً فى فترة الحملة الانتخابية لا سيما فيما يخص حشد دعم اللوبى الإسرائيلى خلف ترامب فضلاً عن توفير التبرعات اللازمة للحملة.
• هل يقف كوشنر خلف مقال
الـ«نيويورك تايمز» المجهول؟
قبل أيام ومع تحقيق الرواج الإلكترونى لكتاب «الخوف» للصحفى «بوب وودورد» أقدمت «نيويورك تايمز» على فعل صحفى غير مألوف، إذ نشرت مقالاً مجهول الهوية لكاتب يدعى أنه مسئول داخل البيت الأبيض وأنه يقاوم أفعال الرئيس الأمريكى ويعمل على كبح جماحه ولكنه لا يستطيع أن يستقيل.
لم تفوت «واشنطن بوست» الفرصة فى خضم معركتها المفتوحة مع إدارة ترامب، التى شرحنا جزءاً من أبعادها فى السطور السابقة، لتخرج وتزعم بأن كاتب المقال هو كوشنر صهر الرئيس الأمريكى، لأنه فى الدائرة الأقرب التى تتيح له كبح جماح الرئيس وفى نفس الوقت لا يستطيع أن يستقيل.