جندى «إبليس» حالياً جراح تجميل سابقاً
استيقظت أمس على رنين تليفون صباحى مبكر ومُلح من صديق جراح تجميل بكلية الطب، تخيلت معه أن هناك كارثة محدقة فإذا به يسألنى دون تحية أو حتى صباح الخير: «هل أنا حقاً آثم وكافر وفى النار؟!»، أيقنت أنه حتماً أخطأ فى الرقم وطلبنى بدلاً من أن يطلب الشيخ على جمعة أو حتى ياسر برهامى! لكن ترديده لاسمى فى المكالمة سرعان ما بدد هذا اليقين، قلت مندهشاً: «وانا مالى؟»، فقال لى: «اقرأ صفحة 17 من جريدة الأهرام عشان تفهم سؤالى»، أغلق صديقى التليفون وهو فى منتهى الانزعاج، التقطت الجريدة لكى أفهم فوجدت هذا المانشيت الكارثة «جراحات التجميل تغيير لخلق الله.. والأطباء مشاركون فى الإثم»!! بلغة الشارع، المانشيت لبّسهم فى الحيط، هكذا دون أى عناوين فرعية أو تخفيفات شرعية، يعنى مفيش مفر وجواب نهائى.. البحر من أمامكم وجهنم من خلفكم! أما الموضوع الذى هو موضوع طبى فى الأساس فلم يأخذ فيه الصحفى الهمام إلا رأى الشيوخ! ونشر بداخله ما لذ وطاب من آراء عجاب تجعل جراح التجميل يعلق نفسه فى أقرب مشنقة للتخلص من كل الذنوب والخطايا والتكفير عن كل الآثام والشرور التى فعلها فى حياته اللاهية العابثة الماجنة.
يقول المفتى السابق نصر فريد واصل فى تحقيق «الأهرام» الكارثة: «أما التجميل فى تغيير الشكل أو إعادة الشباب (مثل شد الجلد أو إعادة الشباب وتصغير الأنف) فهذه أشياء يراد بها تغيير من خلق الله سبحانه وتعالى، وأغلبها يكون المقصود منه الخداع فى الزواج، وأيضا صبغ الشعر منهى عنه». ويقول الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة: «أحيانا يقرر الأطباء إجراء عمليات مثل شفط الدهون فى حالة السمنة المفرطة للرجل أو المرأة، كى يستطيع القلب القيام بوظائفه وتفادى أمراض السكر وضغط الدم ونحو ذلك؛ فهذه العمليات لا تعد عمليات تجميلية، وإنما هى عمليات طبية لسلامة المريض». ويشير د. عوضين إلى أطباء التجميل بأصابع الاتهام، واصفاً إياهم بأنهم جنود إبليس!! قائلاً: «فإذا ما خالف الإنسان السنن الكونية بغير ضرورة ولا عذر طبى فإن الإثم واقع لا محالة على الإنسان نفسه وعلى الطبيب القائم بالعملية؛ لأنه لا يقدم النصح لهذا الإنسان، ويغلِّب الربح والشهرة على الخوف من الله، سبحانه وتعالى، وتقواه فى البشر؛ لأن هذا من فعل الشيطان، الذى خاطب ربه مخبرا إياه بأنه سيسعى بينهم بتغيير خلقتهم وتشويهها بواسطة جنوده، ومنهم هؤلاء من الأطباء»!!
أولاً: حجة تغيير خلق الله، التى يرفعها كل شيخ فى وجوهنا ويفزعنا ويرعبنا ويتوعدنا ويرهبنا بها، هى حجة واهية؛ لسبب بسيط هو أن أى ابتكار أو زراعة أو اختراع هو تغيير لخلق الله بموافقة وتشجيع الخالق، عز وجل، بل وبالحض عليها؛ فلو كنا ارتكنّا إلى هذه الحجة التى يلقونها فى وجوهنا كإفحام وقلنا إن الحديد هو خلق الله لا تغيروه إلى ماكينات ومبانٍ وطائرات، والقمح هو خلق الله فلا تغيروه إلى دقيق، والبترول خلق الله فلا تصنعوا منه بتروكيماويات... إلخ، وعلى فكرة هذه الحجة هى التى هوجم من أجلها علماء الكيمياء العرب من شيوخ تلك الأيام؛ لأن أى معادلة كيميائية بهذا الشكل هى تغيير فى خلق الله؛ لأنك تضيف هذا العنصر إلى ذاك العنصر فتتداخل الذرات ويتغير خلق الله!! ثانياً: ما الجرم وما الخطيئة فى أن يجمل الإنسان نفسه لمجرد الإحساس بالثقة بالنفس وكسب الاستحسان الاجتماعى ولكى يكون جميلاً فى نظر نفسه وعيون الآخرين؟! هذا ليس عاراً ولا دعارة ولا عهراً ولا عملية تنكر سيختفى وراءها مجرم لينفذ جريمته!!
كم من فتاة صغيرة كانت ستنتحر فعلاً وليس مبالغة لأن صدرها مثل صدر الرجل أو ثديها صغير جداً أو أنفها ضخم، مجرد حجم كبير، ولا يعوقها فى التنفس، ولكن يعوقها خجلاً وينتقص من ثقتها بنفسها وصورتها الذهنية، أو دهونها مركزة فى جزء لا ينقص سنتيمتراً مهما مارست رياضة أو اتبعت «ريجيم» أو شعرها شبه أصلع كالرجال أو أذناها منتصبتان كالخفاش رغم أنها تسمع جيداً بهما... إلخ، من الممكن أن يقول الشيخ: تلك ليست ضرورة طبية ولكنها عند البنت أو الرجل ضرورة نفسية، وبالنسبة لشفط الدهون فللأسف ما قيل عنها فى التحقيق يعتبر من باب الجهل والمعلومات المزيفة؛ فالشفط ليس عملية تخسيس والذى يجريها هو جراح التجميل، أما جراحات التخسيس والسمنة فيجريها جراح آخر تماماً له تخصص مختلف تماماً واسمه جراح السمنة المفرطة، يعنى ببساطة تعريف عملية الشفط هى إعادة نحت الجسم الذى يقترب وزنه من الوزن المثالى، يعنى ببساطة أكثر هى تجرى لغرض تجميلى بحت وليس غرضاً طبياً علاجياً أو إنقاذ حياة، وحسب رأى الشيوخ لا بد من تكفير كل من أجرت عملية الشفط وتنفيذ حد الردة وقذفهن فى جهنم وبئس المصير!
أرجوكم، كفاكم تضييقاً على الناس وتزهيقاً لهم فى حياتهم البائسة القبيحة أصلاً، وليس كل تصرف فى الحياة مطلوباً منا أن نستفتيكم فيه ونأخذ تصريحاً وصك غفران من فضيلتكم!