قضاء الحاجة على التماثيل التاريخية!!

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

للمرة الثانية، أكتب عن قانون «إهانة الرموز التاريخية»، الذى يناقشه «مجلس النواب» الآن، ليزيد من القيود المفروضة على حرية «النقد» والتعبير، ويخرس كل الألسنة.. فمجرد اقتراح قانون بهذه الصيغة مخالفة قانونية ودستورية ورِدة حضارية، فقانون العقوبات المصرى، يحتوى على 32 مادة تدور فى فلك السب والقذف والإهانة.. وهى مواد يمكن تطبيقها على من يطرح رؤية غير موثقة، فيُتهم بـ«تشويه رمز»!. ومن عجائب مشروع القانون أنه يُعرّف الرموز والشخصيات التاريخية باعتبارها: (الرموز والشخصيات التاريخية الواردة فى الكتب، التى تكون جزءاً من تاريخ الدولة، وتشكّل الوثائق الرسمية للدولة).. وهو تعريف «هزلى» وعاجز، لأنه مجرد «مصيدة» للمفكرين والباحثين والسياسيين فى مصر، ولأفراد الشعب والمثقفين.. فمن هو هذا «الرمز» الذى يشكل جزءاً من تاريخ الدولة؟

الإجابة السخيفة أنك ستجد المعزول «محمد مرسى» يصنفه التاريخ كأحد حكام مصر وفقاً لـ«الوثائق الرسمية للدولة»، رغم أن الشعب ثار عليه وأسقط الفاشية الدينية.. و«أنور السادات» بطل الحرب والسلام هو نفسه من ينسب له التاريخ «انتفاضة الخبز» و«الانفتاح الاستهلاكى».. فهل لو قلنا إن «انتفاضة الخبز» كانت «ثورة جياع» يطبق علينا قانون ينص على الحبس: (مدة لا تقل عن 3 أعوام، ولا تزيد على 5 أعوام، والغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه)؟!.

إن كتب التاريخ «ذات وجهين»، لأنها تخضع لأهواء من كتبوها وانحيازاتهم السياسية، وربما لما تمليه عليهم اللحظة الزمنية التى كتبوا فيها.

لقد كان «مبارك» صاحب أول ضربة جوية، وظلت مصر ذاتها تسمى «مصر - مبارك»، حتى ثار عليه الشعب، وحُوكم وقضى أعواماً بالسجن.. فهل انتقاد «مبارك» مباح، أم أنه «عيب فى الذات الملكية».. وهل التاريخ الصحيح هو الذى أنصفه، أم الذى أهال عليه التراب بسطور عن ثورة 25 يناير 2011 التى أسقطته.. وهل هو قابل للنقد، أم أن من أسقطوه عن عرشه «ثوار»، كما تصفهم كتب التاريخ أو «عملاء ومرتزقة» كما تصنفهم بعض الصحف؟

هذا القانون المراوغ يتطابق مع قانون «ازدراء الأديان»، لأنه يستخدم نفس العبارات «المطاطية»، ويضع الألغام فى طريق المفكرين والباحثين إرضاءً لمؤسسة الأزهر التى تريد غلق «باب الاجتهاد»، ، وتعطيل إعمال الفكر والعقل لحسابات «شخصية»، ويأتى القانون استكمالاً لقوانين (الصحافة والاتصالات) التى جعلت «الكلمة» مثل سلك كهرباء عار لا يجوز الاقتراب منها.. وجعلت «الحرية» قنبلة موقوتة على استخدام حقك فى التعبير عن رأيك.. ولو فى «سعر البنزين»، لأنه ضمن «خطوات الإصلاح الاقتصادى» التى تذكرها وثائق الدولة!.

أما الدكتور «عمرو حمروش»، عضو مجلس النواب، وصاحب «القانون المسخرة»، فكان يجب أن يعلم أن «التاريخ» يوثّق أيضاً ما يحدث الآن، مهما كان المجلس يعادى الصحافة والإعلام، ويعقد جلساته فى الخفاء.. وسيذكر التاريخ أن نواب ثورة «30 يونيو» كانوا «هواة».. وملكيين أكثر من الملك.. يُشرّعون عكس ما يطالب به الرئيس «عبدالفتاح السيسى».. وأنهم كبّلوا الشعب بقوانينهم وعلّقوا المشانق للكتاب.. تماماً مثلما فعل التاريخ بـ«صلاح نصر»، مدير المخابرات الأسبق، ستجده منحرفاً لأن «جمال عبدالناصر» قدّمه للمحاكمة، بالسجن لمدة 15 سنة.. ومن زاوية أخرى ستجد «نصر» بطلاً قومياً، لأنه أسس جهاز المخابرات المصرية.. إنه «رمز»، و«منحرف»!.

التاريخ لا يرحم، ولا يغفل، لكن مثلما ذهب قانون «العيب» الذى وضعه «السادات» إلى مزبلة التاريخ، ستسقط قوانين كثيرة بحكم تناقضها مع «الدستور» واتساقاً مع إرادة الشعب.. وربما لن يتبقى من قوانين مجلسنا الموقر إلا قانون (قضاء الحاجة فى الشارع، باعتبارها فعلاً فاضحاً).. وساعتها قد يطبق على العديد ممن زعموا أنهم فى خندق 30 يونيو، وكل ما فعلوه يندرج تحت بند «الفعل الفاضح»، ويستوجب العقوبة.. فالبعض يحلو له قضاء الحاجة على تماثيل «شخصيات تاريخية»!.