بعد رحيله.. "الوطن" تنشر معايشة أجرتها مع رائد فن العرائس ناجي شاكر

بعد رحيله.. "الوطن" تنشر معايشة أجرتها مع رائد فن العرائس ناجي شاكر
- ناجي شاكر
- فن العرائس
- رائد فن العرائس
- الليلة الكبيرة
- رائد فن العرائس ناجي شاكر
- مستشفى القصر العيني
- ناجي شاكر
- فن العرائس
- رائد فن العرائس
- الليلة الكبيرة
- رائد فن العرائس ناجي شاكر
- مستشفى القصر العيني
رحل عن عالمنا، مساء اليوم، رائد فن العرائس ومصمم عرائس الليلة الكبيرة، الفنان ناجي شاكر، عن عمر يناهز 88 عاما، في مستشفى القصر العيني الفرنساوي، إثر صراع مع المعرض.
وكانت "الوطن" قد أجرت معايشة في الثلاثين من يوليو من العام 2012 في بيت شاكر.
صنع بفنه ما خلده فى صفحات التاريخ، ولم لا؟ فقد أظهر هذا الشاب المبدع الذى لم يمر على تخرجه فى كلية الفنون الجميلة عامان فى نهاية الخمسينات، موهبة فذة جعلته يستحق عن جدارة لقب «فنان العرائس».. التصفيق الحاد الذى حظيت به شخصية «الشاطر حسن» ابن البلد الذى يتغلب بالحيلة على المآزق، كرمز للبطولة الشعبية الوطنية، الذى افتتح به أول إنتاج لمسرح القاهرة للعرائس، جعله يستكمل مسيرة الإبداع بأهم أوبريت لعرائس الماريونت فى تاريخ مصر حتى الآن.. «الليلة الكبيرة»، ذلك الفن الذى شهد تعاون ثلاثة من كبار المبدعين بمصر.. صلاح جاهين.. سيد مكاوى.. الفنان الكبير ناجى شاكر.
قليلون فقط يعرفون أنه لولا الفكرة التى طرحها ناجى شاكر على صديقيه «جاهين ومكاوى» بتحويل المسلسل الإذاعى الغنائى «الليلة الكبيرة» إلى مسرحية للعرائس، لما رأى هذا العرض الفلكلورى المصرى النور، ولكن الموافقة التى حظى بها شاكر من صديقيه لم تكن خالية من علامات الدهشة التى ارتسمت على وجوههم من جرأة فكرته، التى جعلتهما يصفونه بـ«الجنون».
استطاع شاكر فى الليلة الكبيرة أن يمزج بين التراث المصرى والحداثة الغربية، فقد صُنعت العرائس بتكنيك غربى تعلمه شاكر على يد فنانين «إيطاليين ورومانيين»، ولكن شخصيات الأوبريت خرجت مفعمة برائحة الموالد الشعبية فى الريف المصرى بكلماتها التى ما زالت محفوظة فى قلوب أطفال الألفية الثالثة: «فتَّح عينك، تاكل ملبن. فينك فينك، تاكل ملبن. إوعى لجيبك.. لا العيب عيبك. قرب.. جرب.. نشن.. وسطن إيدك وسطن.. اضرب.. البندقية: طاخ»، لتثير دهشة الصانعين قبل المشاهدين.
كان هذا هو الجانب المعروف عن صاحب لقب «فنان العرائس» الذى اشتهر به أمام أعين الإعلاميين، والذى طغى على جوانب مهمة أخرى فى حياته لم تكن أقل منه أهمية، مثل علاقته بالفنانة سعاد حسنى وصلاح جاهين التى توجت بالعمل فى فيلم شفيقة ومتولى، وأول أفلامه الوثائقية «صيف 70» الذى يسكن الآن بمتحف الفن الحديث بنيويورك، والذى عمل فيه مع رينزو روسيلينى، ابن المخرج الإيطالى الشهير «روبرتو روسيلينى».
وقف أمام مرسمه الكائن بضاحية قريبة بمنطقة مصر الجديدة، أو صومعته كما يحب أن يطلق عليها، كان يرتدى قميصا قطنيا بسيطا على بنطلون كاكى اللون وحذاء رياضيا، لم تفارق الابتسامة وجهه الذى غطى نصفه لحية بيضاء كثيفة، وبعد التحية والمصافحة كانت أول كلماته «أتابع جريدة الوطن.. جرنال حلو، لكن عايزين مستواه يعلا أكتر من كده.. والبركة فى الشباب». حركته السريعة المنتظمة وهو يدخل إلى العمارة لم تنبئ عن سنوات عمره الذى تعدى الثمانين بقليل لتحسبه شابا، وبحركة خفيفة من يده أشار إلى شقتين متقابلتين بالطابق الأول وهو يقول: «الشقة الأولانية دى بيتى أنا وزوجتى فيرا، أما الأخرى فهى مرسمى، نقلته هنا بعدما كان فى منطقة وسط البلد، المنطقة هناك بقت زحمة جدا، ودوشة».
وفى مرسمه الذى به صالة كبيرة ضمت معدات عمله، كان هناك ركن خاص للتكنولوجيا.. كمبيوترحديث، وشاشة رسم كبيرة، وفى يسار الصالة خصص ركنا بسيطا يرسم به النماذج الأولية لعرائس الماريونت التى يتم صنعها، وعلى أحد الجوانب سبورة بيضاء مدون عليها بعض الأرقام، وبجانبها على طاولة خشبية بعض العرائس التى شارك بها فى عروض الليلة الكبير التى يقول عنها: «بعض شخصيات العرض أحببتها أكثر من غيرها، لذا قررت أن تصحبنى دوما فى صومعتى»، أما حوائط المرسم فقد غطتها لوحات مأخوذة من مشروع تخرجه، وفى ركن بعيد كانت وحدها معلقة صورة كبيرة للفنانة سعاد حسنى وهى ترتدى الزى الغجرى فى فيلم «شفيقة متولى».
هذه الصالة الواسعة لم تكن مكان الجلوس الذى جمعنا بالفنان «ناجى شاكر»، فقد قرر أن تكون غرفة مكتبه هى مكان اللقاء، وستطالعك فيه مكتبة ضخمة مملوءة بمئات الكتب العلمية والأدبية، والمجلدات الفنية، التى غطت حائطا كاملا من الغرفة، ثم بعض العرائس منها «عازف الناى»، إضافة إلى «كردان» تفاصيله مستوحاة من التراث المصرى قال عنه: «صنعته مخصوص لسعاد حسنى فى فيلم شفيقة ومتولى»، وأمام المكتبة جلس بارتخاء على مكتبه ثم أشار بيده إلى كتاب «عباقرة ومجانين» الذى وضع على سطح المكتب قائلا بسعادة: «كتاب عبقرى لرجاء النقاش، يحكى فيه عن الشخصيات اللى أثرت فى الحياة الفنية والفلسفية والفكرية فى العالم كله».
القراءة ومحاضرات الجامعة وتصميم بعض الأعمال الفنية لوزارة الثقافة، هى ما يقضى به الفنان الكبير يومه العادى منذ أكثر من خمس سنوات. تشعر بروحه المتوثبة إلى الحياة، فتحس أنك جالس أمام شاب فى العشرينات من العمر ما زال يحلم بتغير العالم، واصفا نفسه: «لازم الواحد يتعلم على طول»، ثم يحكى عن عمله بكلمات قليلة مقتضبة: «دخلى من عملى بكلية الفنون الجميلة قليل أوى، مابيأكلش عيش، فجنب النشاط الأكاديمى بعمل شغل وزارة الثقافة، بصمم بوسترات وكتالوجات وكتب، وبعمل بعض بوسترات لأفلام السينما اللى أحس أنها مهمة، زى بوسترات عملتها لأفلام يوسف شاهين مثل فيلم الآخر، والآن أفلام خالد يوسف».
فى وسط حديثه يتلقى تليفونا من أحد تلامذته بالكلية د. هنادى التى يضحك وهو ينظر إلى رقم تليفونها الظاهر على شاشة الموبايل أمامه قائلا: «دى هنادى معيدة بالكلية، وتلميذتى وبنتى»، كان حوارا هادئا حميميا، يستمع إلى كلماتها صامتا ثم يرد عليها برفق: «حاضر»، يعطينا التليفون لندرك أنها طلبت منه الحديث إلى محررى الوطن، لنسمعها وهى تقول بفخر: «د. ناجى أكتر من أب لنا بالكلية، يكفى طريقة التدريس اللى بتعتمد على اكتشاف مواهبنا وروحنا». نهاية المكالمة مع د. هنادى كانت بدايتنا معه للحديث عن حياته الجامعية التى بدأها برفضه لكلمات الثناء التى قالتها بحقه، قائلا: «هنادى بتبالغ، ده دورى كأستاذ أنى أحاول أصطاد فى كل طالب الجزء اللى بيمتلك فيه موهبة، وأنميه». تميمة الحظ التى يعتمدها الفنان ناجى شاكر فى طريقة تدريسه، كما يقول، هى جملة تعود أن يسمعها لتلاميذه فى أول كل فصل دراسى وهى: «انتوا مهمين، اللى فى سنكوا بيغيروا الفن فى العالم، فى السينما والمسرح والأدب، الشباب هما اللى بيغيروا الدنيا، وهما اللى بيقوموا الثورات». تطرُّق الحديث إلى الثورات والربيع العربى، جعل الفنان الحالم يعتدل فى جلسته، متخذا وضعية المفكر، وهو يتحدث عن مشاركته خلال ثورة 25 يناير: «كنت بروح ميدان التحرير وكنت أجد كل اللى قاعدين شباب»، متذكرا ثورة فرنسا وثورة يوليو وثورة الشباب بأمريكا -وقد عاصر الأخيرتين- قائلا: «الشباب هو أساس الثورات، أنا لفيت العالم وشفت إنتاج الشباب فى كل مجالات الفن، الشباب هو اللى بيدفع دم جديد فى أى مكان».
وكما النهر.. فأحلام الفنان ناجى شاكر لا تنتهى أو تتوقف، فبالرغم من حياته الحافلة بالإنجازات، من تفرده بإدخال فن تحريك العرائس إلى مصر، والجوائز العالمية التى حازها، وآخرها التكريم من متحف الفن الحديث بنيويورك، فإنه ما زال يحلم بصنع نسخة جديدة من عرائس «الليلة الكبيرة» بالتكنولوجيا الحديثة، تلاقى نفس النجاح الذى لاقته النسخة الأصلية قائلا: « ده حلمى اللى نفسى يتحقق قبل ما أموت».