الأمراض والركود يضربان سوق الماشية قبل العيد

الأمراض والركود يضربان سوق الماشية قبل العيد

الأمراض والركود يضربان سوق الماشية قبل العيد

تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، حالة من الركود أصابت أسواق الماشية قبل أيام من حلول «عيد الأضحى»، وبدلاً من أن يكون «موسم الضحية» فرصة للمربين وتجار الماشية لتعويض خسائرهم طوال العام، وتحقيق هامش ربح يساعدهم على مواصلة نشاطهم، أصبح عبئاً ثقيلاً على كاهل الكثيرين منهم، بعد أن داهمت أمراض الصيف ما لديهم من رؤوس الماشية، وتسببت فى نفوق عدد منها، ولم يجدوا أمامهم سوى تكبد مزيد من الخسائر على علاج ما تبقى منها على قيد الحياة، الأمر الذى أدى إلى تراجع أسعارها، فى الوقت الذى عزف كثير من المواطنين عن شراء الأضاحى، إما بسبب مخاوف من إصابتها بالأمراض، أو لأسباب أخرى تتعلق بغلاء المعيشة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، حتى أصبح شراء اللحوم «ترفاً» بالنسبة للعديد منهم، لا يمكنهم توفيره لأبنائهم، أو بسبب حلول «موسم الضحية» قبل أيام قليلة من بدء العام الدراسى الجديد، الذى عادةً ما يستنزف ميزانية كثير من الأسر.

{long_qoute_1}

«الوطن» طرقت عدداً من أسواق الماشية فى مختلف محافظات مصر، للتعرف على الأسباب الحقيقية لحالة الركود التى تعانى منها تلك الأسواق، فى موسم يترقبه التجار والمربون من عام لآخر، تحاول الإجابة على التساؤلات المُثارة حول أسباب عزوف المواطنين عن شراء الأضاحى، وتستعرض محاولات التجار لإنعاش السوق، من خلال مبادرات فردية بتخفيض الأسعار، والاستغناء عن جزء من هامش الربح، أو حتى تغطية تكاليف التربية، وتقليص خسائرهم إلى أقصى ما يمكنهم، وتساؤلات أخرى عن أسباب اختفاء شوادر الأضاحى فى كثير من المحافظات، رغم أنها كانت تغزو مختلف الشوارع والميادين فى المدن الكبرى، وحتى فى القرى، على مدار السنوات الماضية، كما ترصد الصحيفة حركة الرواج التى شهدها سوق الجمال فى «دراو» بأسوان، خلال الأيام الأخيرة قبل حلول «عيد الأضحى»، على عكس الركود الذى أصاب أسواق الأنواع الأخرى من الماشية، وجعل لسان حال التجار والمربين يردد فى صمت: «سوق الضحية جبر، وطلعنا من الموسم بلا حمص»..

{long_qoute_2}

قبل أيام من حلول عيد الأضحى، الموسم الذى ينتظره مربو الماشية كل عام، ضرب مرض «الجلد العقدى» السوق فى «مقتل»، ما تسبب فى ركود كبير فى حركة البيع والشراء، ونتج عن ذلك تراجع غير مسبوق فى أسعار «الأضاحى»، ولأول مرة منذ عدة سنوات، حيث انخفض سعر كيلو الأبقار والجاموس القائم إلى نحو 58 جنيهاً، رغم أنه فى السنوات السابقة كان يتراوح بين 61 و62 جنيهاً.

ففى محافظة المنيا، شهدت الأسواق الشهيرة للماشية فى مراكز «سمالوط، وأبوقرقاص، وبنى مزار» حالة من الركود لم تعرفها تلك الأسواق منذ فترة غير قليلة، وقال «سلامة عبدالقادر»، أحد التجار لـ«الوطن»، إن هناك تخوفاً وحذراً شديداً بسبب ظهور الأمراض فى مناطق مختلفة بالمحافظة، خاصةً فى مركز مغاغة، مشيراً إلى أن المحافظة كانت تستقبل عدداً كبيراً من تجار الماشية، كانوا يتوافدون إليها من المحافظات المجاورة، ولكن بعد ظهور «الجلد العقدى» تراجع إقبال التجار على أسواق المنيا، ما أدى إلى زيادة المعروض وقلة الطلب، وبالتالى أدى ذلك إلى تراجع الأسعار بشكل غير مسبوق فى «موسم الضحية»، الذى ينتظره صغار المربين والتجار، لتحقيق مكاسب معقولة، قد تعوضهم عن خسائر سابقة.

وأكد عدد من الأهالى فى قرى «قفادة، وطمبدى، وجزيرة شارونة، وكفر الصالحين» بمركز مغاغة، الذى ظهرت فيه أكبر بؤرة إصابة بمرض «الجلد العقدى»، أن المرض أصاب المئات من رؤوس الماشية، وتسبب فى نفوق عدد كبير منها، وتمكنت حملات الطب البيطرى من إنقاذ ما أمكن إنقاذه، قبل أن يقضى ذلك المرض على الثروة الحيوانية بالمركز، وأضاف الأهالى أن بعضهم يلجأ إلى استخدام «وصفات شعبية»، للحيلولة دون نفوق المزيد من الماشية، ومنها خلط البصل بالخل، ودهان ظهور الماشية المصابة، لخفض درجة الحرارة، غير أن ظهور الإصابة ضرب أسعار الماشية فى الأسواق فى «مقتل»، بحسب وصفه.

وأكد طبيب بيطرى، طلب من «الوطن» عدم ذكر اسمه، أن أعراض مرض «الجلد العقدى» تتمثل فى إصابة الماشية بحمى شديدة، وتقرحات شديدة فى الفم والأرجل، وأوضح أنه حتى فى حالة تماثل الماشية للشفاء، فإن الفلاحين يتكبدون خسائر مالية فادحة، نظراً لأن أسعار الماشية المصابة بالمرض تنخفض بنسبة تصل إلى 50%، أى بمقدار النصف، كما أنهم ينفقون مبالغ طائلة لشراء الأدوية البيطرية، فضلاً عن انخفاض وزن الماشية نتيجة تدهور صحتها وإصابتها بالهزال. {left_qoute_1}

وقبل نحو أسبوعين، أعلنت الوحدة المحلية بمركز مغاغة تحصين 1314 من رؤوس الأبقار، و80 رأساً من الأغنام، فى قرى «دهروط، ونزلة دهروط، وأشنين ملاطية، وعباد شارونة، وجزيرة شارونة، وبرطباط، وأولاد الشيخ، ودهمرو، وبلهاسة، والشيخ زياد، ونزلة شيحة»، فى الوقت الذى شنت فيه مديرية الصحة حملة لتطهير ورش القرى، ضماناً للقضاء على مسببات الأمراض، بالتعاون مع مديرية الطب البيطرى، والأجهزة المعاونة، من خلال المرور على منازل الأهالى فى تلك القرى، كما تم رش أماكن وجود الناموس، ومداخل القرى، والترع والمصارف، بمعرفة لجان من الطب الوقائى.

وفور رصد حالات إصابة بمرض «الجلد العقدى» فى عدد من قرى المنيا، أعلن مدير الطب البيطرى بالمحافظة، الدكتور محمد عثمان، عن تشكيل لجنة من الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، لمتابعة الحالات المصابة، وقامت بزيارات منزلية لعدد من الأهالى فى قرية «دهروط»، التى ظهرت بها أكبر بؤرة إصابة بالمرض، مشيراً إلى أن معظم الحالات تم علاجها وتماثلت للشفاء، بينما قال رئيس الإدارة المركزية للطب الوقائى بالهيئة العامة للخدمات البيطرية، الدكتور محمد عطية، إن معظم الإصابات ترجع إلى رفض بعض الأهالى تحصين ماشيتهم خلال القوافل التى نظمتها مديرية الطب البيطرى، وأضاف أن بؤرة الإصابة التى ظهرت فى «دهروط» قديمة، وظهرت فى حيوانات غير محصنة، مشيراً إلى أنه تم إجراء لقاءات وزيارات للمنازل، لتوعية المواطنين بأهمية التحصين.

ومن جانبه، قرر محافظ المنيا، اللواء عصام البديوى، مطلع شهر يوليو الماضى، وفور الإعلان عن تسجيل حالات إصابة بمرض «الجلد العقدى»، تخصيص مبلغ 100 ألف جنيه، من حساب صندوق خدمات المحافظة، لشراء الأدوية والعلاجات اللازمة لدعم القوافل البيطرية، التى تنظمها مديرية الطب البيطرى، بهدف تحصين رؤوس الماشية بالمجان، فى مختلف القرى على مستوى المراكز الـ9 بالمحافظة، حفاظاً على الثروة الحيوانية وحمايتها من الانهيار.

وفى البحيرة، تزايدت حالة القلق بين مربى الماشية بمختلف مراكز المحافظة، جراء انتشار حالات الإصابة بمرض «الجلد العقدى» فى عدد من المراكز، الأمر الذى بات يهدد الثروة الحيوانية، وطالب المربون بتكثيف حملات التحصين ضد المرض، لإنقاذ ماشيتهم من النفوق، ووقف نزيف الخسائر التى يتكبدونها، فى الوقت الذى نفى فيه مدير الطب البيطرى بالمحافظة وجود بؤر إصابة كبيرة بالمرض، مؤكداً استمرار أعمال حملات تحصين الماشية للوقاية من المرض.

وقال «عبدالقادر عمارة»، مربى ماشية، إن مرض «الجلد العقدى» بدأ فى الانتشار والتزايد فى بعض مراكز وقرى المحافظة، خاصةً فى «إيتاى البارود، وكوم حمادة، ووادى النطرون، والدلنجات»، ما تسبب فى نفوق عدد من رؤوس الماشية، وتكبيد المربين خسائر فادحة، إما بسبب نفوق ماشيتهم، أو شراء الأدوية اللازمة لعلاجها، لافتاً إلى أن المرض تسبب فى حالة من الذعر بين المربين، مطالباً بضرورة تعويض صغار المربين عن الخسائر التى لحقت بهم، نتيجة إصابة ماشيتهم بالمرض.

أما «محمود عفت»، أحد المربين، فقد طالب بضرورة العمل على إنقاذ الثروة الحيوانية من خطر الإصابة بمرض «الجلد العقدى»، الذى يتسبب فى نفوق أعداد كبيرة من الماشية، إضافة إلى تراجع أسعارها بشكل كبير، ما يؤدى إلى عزوف المشترين عن الشراء، وينتج عن ذلك حالة ركود فى الأسواق، وأكد أن استمرار الوضع على ما هو عليه دون تدخل من الأجهزة الحكومية المعنية، سيؤدى إلى تفاقم خسائر المربين، خاصةً مع قرب انتهاء «موسم الأضاحى»، وحلول «عيد الأضحى».

وفى المقابل، نفى مدير مديرية الطب البيطرى فى البحيرة، الدكتور حسنى عباسى، وجود بؤر للإصابة بمرض «الجلد العقدى» بين الماشية فى المحافظة، ووصف ما يتردد عن نفوق الماشية فى عدد من مراكز المحافظة جراء الإصابة بالمرض، بأنه «أمر غير صحيح»، وأكد لـ«الوطن» استمرار حملات تحصين الماشية بمختلف مراكز وقرى البحيرة، للوقاية من مرض «الجلد العقدى» وغيره من الأمراض الأخرى التى تصيب الثروة الحيوانية، وأضاف أن غرفة العمليات الرئيسية بديوان عام المديرية، فى مدينة دمنهور، تعمل على مدار اليوم، وتتلقى بلاغات وشكاوى المواطنين والمربين بشأن أمراض الثروة الحيوانية، وعند ظهور أى بؤرة للمرض تتحرك على الفور لجنة موسعة ومتخصصة من المديرية للتعامل معها بشكل علمى، للحد من أخطارها.

وقال «عباسى» إن الحالة الوحيدة التى تم رصدها لمرض «الجلد العقدى» قبل عدة أيام، كانت فى قرية «بنى سلامة»، التابعة لمركز وادى النطرون، وتوجد فى منطقة صحراوية، وتم التعامل معها، وتنفيذ أعمال التحصين اللازمة للماشية، مجدداً تأكيده عدم وجود إصابات بالمرض بين الماشية على مستوى المحافظة، وأن لجان المديرية تتحرك على الفور إلى أماكن بلاغات المربين، ولكنها تكتشف فى النهاية عدم وجود إصابات بالمرض، كما أشار إلى أن لجان المديرية والإدارات التابعة لها على مستوى المحافظة، نفذت حملات مكبرة للتحصين مطلع العام الحالى، ومن المقرر البدء فى تنفيذ حملات أخرى موسعة خلال هذا الأسبوع، لتحصين الثروة الحيوانية ضد مرض «الجلد العقدى» والأمراض الأخرى.

وفى الإسكندرية، رصدت الفرق البيطرية ظهور حالات إصابة بمرض «الجلد العقدى» فى مناطق «أبيس، والعامرية، وبرج العرب»، وجميعها مناطق تقع غرب المحافظة، وذلك فى أعقاب شراء «شحنة ماشية» من محافظة البحيرة المجاورة، نظراً لعدم وجود مزارع لتربية الماشية بالإسكندرية، وقالت مدير الإدارة العامة للوقاية بمديرية الطب البيطرى، الدكتورة صباح الجارح، إنه تم رصد 3 إصابات فردية، بواقع حالة فى كل منطقة، بين رؤوس ماشية لا تتجاوز أعمارها 6 شهور، فى دلالة على أن إصابتها بالمرض حديثة، مشيرةً إلى أنه تم التخلص من الحيوانات المصابة على الفور، وأوضحت «الجارح»، فى تصريحاتها لـ«الوطن»، أن مرض «الجلد العقدى» ينتج عن «فيروس» يصيب الماشية، خاصةً الأبقار، وتظهر أعراضه على شكل بقع حمراء، تنتشر على الجلد، ويمكن رؤيتها وحسها بسهولة فى العنق والظهر والأفخاذ، وعلى الضرع، وأوضحت أن هذه العقد تتكون فى نسيج الجلد، وفى معظم الحالات تشمل الجلد فقط، وتكون مصحوبة بارتفاع فى درجة الحرارة، وهزال عام بالجسم، وإفرازات من الأنف، وزياد إفرازات اللعاب، والعرج، وأكدت أن مديرية الطب البيطرى تقوم بحملات لتطعيم الأبقار ضد هذا الفيروس كل 9 شهور، وتابعت أنه فى حالة انتشار الفيروس فى جسم البقرة المصابة يتم إعدامها على الفور، وأرجعت أسباب الإصابة بهذا الفيروس إلى أنها عادةً ما تكون نتيجة لسعات الناموس، كما يمكن أن تنتقل العدوى نتيجة استخدام «الحقن» بين الحيوانات، وأشارت إلى أنه يمكن فى بعض الحالات الموافقة على دخول الماشية المصابة إلى المجازر بغرض ذبحها، فى حالة عدم انتشار المرض فى جسمها بالكامل، مؤكدةً عدم وجود أى خطورة من المرض على الإنسان، وأن أى «فيروسات» قد توجد فى اللحوم يتم القضاء عليها من خلال الطهى الجيد، ولفتت إلى أنه تم منع تحصين الماشية المؤهلة للذبح خلال «عيد الأضحى»، وذلك لضمان سلامة اللحوم، وخلوها من أى أدوية أو مضادات، قبل الذبح بوقت يتراوح بين 3 و4 أسابيع.

وأضافت مدير الوقاية بمديرية الطب البيطرى بالإسكندرية أن المديرية تشن حملات مكثفة على مزارع «التسمين» قبل «عيد الأضحى»، للكشف عليها وختمها ومعرفة مدى صلاحيتها للذبح من عدمه، لافتةً إلى أن هذه الحملات تتم قبل الذبح بمدة لا تقل عن 6 أسابيع، لإعطاء المدة الكافية للمُربين لوقف التحصينات، والبدء فى تغذية الماشية، وتأهيلها للذبح، كما يتم شن حملات موسعة على الأسواق، وإعطاء التجار إذناً بالبيع، وتعريفهم بطرق الوقاية حتى موعد الذبح، بدون إدخال أى أدوية إلى أجسام الماشية، وشددت «الجارح»، فى ختام تصريحاتها، على أنه لا يجوز ذبح الماشية قبل أن تكمل عاماً على ولادتها، مشيرةً إلى أن الوزن الصحى والمناسب للذبح لا يقل عن 400 كيلو، وذلك لضمان سلامة اللحوم.


مواضيع متعلقة